حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

«اللاعرقية» تفوز بكأس العالم

هذه عينة من لاعبي المنتخب الفرنسي الذي ظفر بكأس أغلى البطولات الرياضية العالمية وأكثرها شعبية: بريسنل كيمبيمبي، إيفان كورزاوزا، جبريل سيديبيه، نبيل فقير، كيليان مبابي، صامويل أومتيتي، ستيف مانداندا، بريسنيل كيمبيبي... وغيرهم، ولو سردنا هذه القائمة السمراء دون نسبتها للمنتخب الفرنسي لظن بعضنا أنها جزء من قائمة للمنتخب القاري الأفريقي لكرة القدم.
هذه التشكيلة ذات المسحة الأفريقية السوداء لمنتخب بلد أوروبي أبيض سجلت فوزاً مستحقاً ضد منتخب العنصرية الذي تدعمه وتعززه جماهير اليمين الغربي العنصري المتطرف، بعد أن شهد في العقدين الأخيرين تنامياً مطرداً في بعض الدول الغربية.
لا بد أن فرنسا الآن تفاخر بتنوعها الإثني في تركيبة منتخبها وتركيبة شعبها أشد من مفاخرة العنصريين الفرنسيين بالعرق الفرنسي النقي، وهو أيضاً ما تفاخرت به الولايات المتحدة حين جعلت شاباً أسود ابن مهاجر أفريقي على عرش أهم وأخطر منصب على كوكبنا الأرضي ويضع إصبعه على زر ترسانتها النووية. صحيح أن نهر اليمين المتطرف يشهد تدفقاً لافتاً يغذيه رافدان خطيران؛ الرافد الأول ضمور اقتصادي عزز من حنق أهل البلاد الأصليين على المهاجرين ومنافستهم لهم في لقمة العيش، والرافد الثاني ممارسات إرهابية من أبناء الأقليات المسلمة، مما عزز اليمين العنصري المتطرف وجعله يكسب عدداً من المعارك لكنه بالتأكيد لم يكسب الحرب.
ومن يراقب حركة المد والجزر للتوجهات العنصرية، غربيها وشرقيها، يلاحظ أنها تكسب سريعاً ولكنها في الوقت ذاته تخسر سريعاً، مثل البالون الضخم تنكشه أي شوكة فتحيله ذابلاً لا حراك له، أو بعبارة أدق، العنصرية كيد شيطاني (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً)، وهذا ما حصل في بطولة كأس العالم حيث مثل فوز المنتخب الفرنسي ذي السحنة السمراء ببطولة العالم شوكة نكشت إحدى بالونات العنصرية الكريهة، مثلما نكشها محمد صلاح لاعب ليفربول الدولي، فكان في منازلته مع اليمين المتطرف موفقاً، هو في كفة والإسلاموفوبيا في كفة، فرجحت كفته وخلخل في مباريات معدودة ما بناه الإسلاموفوبيون في عقود، كما مثل فوز المنتخب الفرنسي ذي الأعراق المتنوعة دعاية ضخمة ورسالة كونية تقول: إن تمازج الأعراق والألوان هو الخلطة السرية لعالم أكثر أمناً وتحضراً واستقراراً، وإن التفوق الرياضي والعلمي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي لا يدقق في هويات البشر ولا دياناتهم ومذاهبهم وأعراقهم وألوانهم، وإنما إلى سعيهم واجتهادهم ومثابرتهم.
هذا الانتصار العالمي العرقي للمنتخب الفرنسي درس مهم أيضاً لبني يعرب الذين تعشش في شريحة منهم عنصرية ظاهرة ومستترة، فيهزأون ببعض المنتخبات والأندية العربية التي يمثل لاعبوها موزاييك جميلاً متعدد الأعراق والأجناس والألوان... العنصرية تضيق بكل آخر حتى لو اتحد العنصريون المتعصبون في العرق والدين واللون والقبيلة والإقليم والمدينة والقرية، لأن العنصرية الكريهة (كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله).