مشى بصمت وهو يدرك أن لن يلاحظه أحد، فلم يحدث ذلك حتى الآن. فليس هناك من يعرف اسمه بالكامل خارج أسرته. عاش حياة رجل عادي لسنوات حتى الآن. كان غريباً وسط العديد من الغرباء. استطاع أن يجعل له بعض الأصدقاء، لكنهم يشتركون جميعاً معه في ذات القدر. إنه يعرف الكثير، لكن لم يحدث قط أن أعاره أحد الاهتمام حتى يسمعه.
بحث عن صوته في العديد من الوجوه ووعدته جميعها بأن تجسده. حكت له آلاف القصص عن سوء طالعه ولماذا يجب أن يُسمع صوته. إنه يؤمن بتلك الوجوه. وقد سمح لها بالعمل من أجل رفاهية الرجل العادي. قالوا له إن تلك الوجوه هي سعادته، لكن لم يتحدث اليه واحد منها أبداً عن مشكلته. كان الجميع في نهاية الأمر يعملون من أجل رفاهيته دون أن يعرفوا ما هي رفاهيته، لقد تعرض للتلاعب به بما يفوق الوصف ممن وثق بهم.
قالت له جميع إعلانات لوحات البيلبورد "إنه الملك"، "إنه من سيحدد مستقبل هذا العالم"، "إنه يستحق أن يكون سعيداً ويقود سيارة فارهة". لم يصبح ملكاً أبداً ولم يُسمح له بالمشاركة في اتخاذ قرار يؤثر على مستقبل بلده. حاول أن يكون سعيداً بالقليل الذي أتيح له ويرضى بمشاهدة سيارة فارهة يقودها من يعده.
طلب منه أن يستعمل منتجاً بعيداً عن مناله ويشاهد الإعلام الشعبي الذي يتسم بالرتابة. شاهد عرضاً للهواة فقط حيث قيل له إن بقية العرض فوق مستوى فهمه. عُرضت عليه أضواء المسرح، ولكن لم يدعه أحد أبداً يكون جزءأً منها. طُلب منه أن يتصرف وفق معايير محددة سلفاً وأن يشتري منتجات مصنوعة من أجله. بالنسبة للكثيرين هو لا يعدو كونه رقماً في قائمتهم. بالنسبة للكثيرين هو مجرد رجل عادي.
قال له الكثيرون إنه في مركز قوة، لكن لم يسبق أن مُنحت له قوة أبداً. هو راضٍ بالانطباع الاصطناعي أنه في موقف التحكم. لم يترك له شيء ليختار لأن كل شيء آخر قد أُختير له سلفاً. لقد أُعطي خيار عدم الخيار.
يصفه مثقفو الإعلام بأنه كسول، سلبي وغير مثير. يحكم عليه الجميع بأنه يفتقر إلى الذكاء الكافي للحديث ثم يجلس سلبياً ويأخذ ما يلقى به اليه. لديه صوت حكيم، لكنه لم يجد أبداً من يستمع إليه. كان من التواضع بحيث يثق في الناس ليتعهدوا برفاهيته.
تحمل الكثير ولا يزال يتحمل. جلس وقرأ هذا المقال. سيستيقظ يوماً ليجعل صوته مسموعاً. لن يدع سياسيا ليستغل بساطته ولن يدع الإعلام يخدعه دائماً، ولن يدع المثقفين ليقللوا من ذكائه. سيقول للعالم يوماً ماذا بوسع الرجل العادي أن يفعل وسيكون كل الرجال العاديين مثله.
TT
قدر رجل عادي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
