حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

شاب سعودي يهشم تابوه التقاليد

هيثم شاب سعودي واعد واحد استطاع في موضوع «خلق فرص العمل للشباب» أن يكون بمفرده في كفة ومؤسسات القطاع العام والخاص بكوادرها الوظيفية وميزانياتها ولجانها ومؤتمراتها وورش عملها وأبحاثها ومراكز دراساتها في كفة... شاب مفعم بالحيوية سلاحه في نجاحاته كاميرا جوال وانتهاز ذكي للتقنية وقنوات التواصل الاجتماعي وبساطة في الطرح تنفذ إلى وجدان الشباب والفتيات الباحثين عن فرص عمل، قابلته مؤخراً بالصدفة في مؤتمر عالمي في أبوظبي فلاحظته لا يتكلف في مظهره ولا ينمق في عباراته ولا يتفلسف في طرحه، شعاره الذي أقنع به الشباب والشابات «الميدان يا حميدان».
دخل هيثم الميدان ليكون حميدان الفرص الوظيفية المنفور منها اجتماعياً، بدأ هيثم تجربته الأولى ممتطياً «سناب شات»، قدم فيها حلقتين؛ الحلقة الأولى عمل فيها سائقاً بسيارته الخاصة عبر تطبيق «أوبر» لسيارات الأجرة، والتجربة الثانية التحق فيها بمطعم ماكدونالدز كموظف ليوم واحد، وحقق في كلتا الحلقتين مشاهدات عالية جاوزت المليونية، وهي مهمة، ولكن الأهم هو التفاعل مع التجربتين والالتحاق بالمهنتين، وهذا ما حصل، فقد سجل عدد كبير من الشباب سائقين في كل من «أوبر» و«كريم»، وانضم عن طريقه فوق أربعة آلاف موظف إلى مطعم ماكدونالدز. وأكثر تجارب هيثم إثارة وغرابة، على الأقل في المجتمعات الخليجية، هي العمل الفندقي في فنادق ماريوت والريتز ومكارم، حيث زاول هيثم الأعمال الفندقية الخدمية، منها غسيل الشراشف والملابس للنزلاء، والعمل في المطبخ كـ«شيف»، بالإضافة إلى العمل في الاستقبال، ووظيفة خدمة العملاء، ثم كرَّت بعدها سبحة تجارب هيثم المثيرة والثرية، فدخل إلى عالم «السطحات»، والسطحة سيارة مخصصة لنقل السيارات التي يصيبها عطل، ثم دخل عالم «الكوفي شوب» مع «كوستا كوفي»، ثم توجه إلى «إكيا» و«فودترك» ومحلات الاتصالات و«دومينوز بيتزا»، يؤهل نفسه لمهنها يمارسها ثم يصوّرها ثم يطلقها في «السوشيال ميديا».
هيثم لامس جرحاً غائراً في عملية توظيف الشباب كان بمثابة الصداع المزمن لجهات حكومية والقطاع الخاص، فالدولة تشتكي من اعتماد الشباب عليها في التوظيف حيث الأمان الوظيفي وعدم الصرامة في التقييم والمتابعة، مما أدى إلى تكدس وظيفي في دوائرها، والقطاع الخاص من جهته يشكو شكوى مزمنة من نفور الشباب من عدد من الوظائف ويستنكف منها بسبب ما يتوهمونه من قلة الدخل واهتزاز الأمان الوظيفي... هذا ناهيك بالصعوبات الاجتماعية، نتج عن هذا تكدس أعداد كبيرة من الخريجين العاطلين عن العمل وهو ما يشكل هاجساً كبيراً للدولة بسبب آثاره الاجتماعية والأمنية، فولج هيثم بكاميرته وبساطته وعفويته ليسهم بقدرته ومحدودياته وموهبته مساهمة ميدانية آتت ثمارها في جذب البنات والأولاد إلى الولوج إلى عالم من المهن ما كان في البال أن يجدوا أنفسهم فيه.
هيثم أخذ معوله للمساهمة في تهشيم هذا «التابوه» الاجتماعي المزمن وحقق ما لم تقدر عليه جهات ممولة ومزودة بأطقم إدارية وإمكانات كبيرة، مما جعل إحدى الدوائر المعنية بتنمية الموارد البشرية تستقطب هيثم وتوقّع معه عقداً للاستفادة منه ومن تجاربه.
والمأمول أن تُسْتنسخ «تجارب هيثم» في الدول الخليجية الأخرى، فليس أقدر على إقناع الشباب من الشباب أنفسهم، أمثال هيثم، هم الأقدر على فهم همومهم ومشاعرهم وتطلعاتهم وطرائق تفكيرهم ولغة عقولهم.