مضى الآن نحو ثلاثة أسابيع على احتلال مدينة الموصل من قبل "داعش" وزحفه على مدن عراقية أخرى، وما تبعه من تداعيات تصدرت النشرات الإخبارية وغطتها وسائل الاعلام الغربية والعربية بالمتابعة والتحليل، لمعرفة المسببات والنتائج، وما يخفيه المستقبل القريب والبعيد لأمن العراق والمنطقة عموما.
ومن تابع وسائل الإعلام تلك طوال الأيام الفائتة يرى أن التغطية تدور في فلك لوم الأميركيين وتحميلهم مسؤولية أحداث العراق الدامية وبوادر الحرب الأهلية التي صارت على الأبواب، باعتبارهم القوة التي أطاحت بالنظام العراقي السابق وحلت الجيش العراقي ومؤسساته الأمنية وحلت حزب البعث وهندست ديمقراطية العراق الجديد وأتت بمن أتت من قادة المعارضة الذين فشلوا في ادارة البلد وقادوه خلال سنوات قلائل إلى الهاوية.
نعم.. الاميركيون يتحملون جزءا من الفشل في العراق، لكن من المجحف تحميلهم المسؤولية كاملة لأن كل الذي حدث ويحدث وسيحدث كان سيحصل بوجود الاميركيين أو بغيابهم. إن من يعتقد أن السيناريو الذي مر به العراق منذ عام 2003 كان سيتخذ منحى مغايرا لو ان نظام صدام حسين سقط حينها دون أي تدخل أميركي، بثورة شعبية مثلا، هو واهم. والدليل الصراع الدامي في سوريا وفي ليبيا المهددة بالانقسام، ناهيك عن الاضطرابات التي تشهدها بقية دول ما يسمى بـ"الربيع العربي" في مصر وتونس واليمن. كل هذه الدول لم تطئها قدم جندي أميركي واحد، بل ان الاميركيين أخذوا على حين غرة مثلهم مثل الآخرين عندما تساقطت أنظمة هذه الدول (عدا سوريا) الواحدة تلك الاخرى مثل قطع الدومينو.
لا أرى فرقا شاسعا بين العراق وبين دول أخرى شهدت "الربيع"، بل أن احداث العراق، التي وقعت قبل أكثر من عقد من الزمن، كانت تمهيدا لهذا "الربيع العربي" الدامي، وما كان يمكن تفاديها لأنها نتيجة حتمية لانهيار نظام قمعي كبت العراقيين وقهرهم لعقود طوال، فكان لا بد للانفجار أن يقع.
الشيعة والسنة في العراق أصبحوا لا يطيقون العيش تحت سقف واحد وبلغوا مرحلة الطلاق، بالأميركيين او بدونهم، حالهما حال السنة والعلويين في سوريا والاسلاميين وغير الاسلاميين في ليبيا ومصر. هذه المكونات اقتربت كثيرا من نقطة اللاعودة يدفعها تاريخ طويل من الاحقاد ويغذيها خطاب سياسي طائفي ودعوات تنطلق من منابر مساجد تحرض على القتل والعنف وسفك الدماء، ومن قنوات فضائية دأبت على مدى أكثر من عقدين من الزمن على نفث السموم على مدار اليوم للتفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
هذه الكراهية نمت ومدت جذورها في مجتمعاتنا التي تحولت تدريجيا الى بيئة يعشش فيها الجهل والتخلف، بينما مستويات الأمية ترتفع يوما بعد يوم في أمة لا تتجاوز نسبة القراءة فيها 5%.
نحن لم نتصدر أي لائحة عالمية في أي إنجاز حتى لو كان فنيا او رياضيا، ناهيك عن منجز علمي، باستثناء تفوقنا في الحروب والقتل والنزوح السكاني والفساد الذي تجاوز كل حدود العقل والمنطق.
وبعد هذا نلوم الأميركيين؟ بالله عليكم، دعوا الشماعة الاميركية جانبا، فالخلل ليس في الأميركيين الذين تورطوا في مستنقعنا العفن، بل يكمن فينا نحن. وما لم ننظر بصدق إلى أنفسنا ونشخص مواطن الخطأ فإن حال هذه الأمة لن ينصلح أبداً!
7:38 دقيقه
TT
الشماعة الأميركية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة