عبير مشخص
صحافية وكاتبة سعودية في مجال الفنون والثقافة
TT

رسائل غرام تحت شرفة جولييت

في تقرير لطيف تناولت وكالة «رويترز» قصة الإيطالية ميكول جراتسيانو والتي يلجأ لها الكثيرون لكتابة الخطابات الغرامية. ويسرد التقرير حكاية زوجين طلبا منها كتابة خطابات تعبر عن مشاعرهما بعد 18 عاما من الزواج. الطقوس طريفة هنا، حيث تلتقي جراسيانو مع الزوجة في أحد المطاعم وتقوم بتلقينها عبارات عاطفية لتكتبها الزوجة بخطها لإعطاء الخطاب صفة حميمية، ربما لتعوض عن أن الكلمات كانت ناتجة عن عملية تجارية بحته.
يعلق كاتب التقرير على ذلك بأن الإيطاليين فيما يبدو يريدون العودة للطريقة القديمة للتعبير عن المشاعر. عند هذا الحد توقفت عن القراءة، لم أعرف إن كان التقرير جديا أو هزليا. هل كاتب التقرير مقتنع بأن استئجار شخص ليكتب له خطاب حب لحبيبته مقابل 70 يورو، يدل على الحنين للطرق التقليدية في التعبير عن المشاعر؟ أتمنى أن يكون قد كتب ذلك لإضافة لمسة إنسانية لتقريره، لأنه إذا أراد الصراحة، ففكرة شراء عبارات الحب والشوق والغرام من شخص غريب والتظاهر بأنها تعبر عن مشاعره الخاصة، تدل على أنه واهم أو كاذب.
ولكن السؤال الذي يطل برأسه وكتفه وكل جسمه هنا هو: هل فقد الناس القدرة على التعبير عن المشاعر؟ أم هل الأمر حالة كسل عاطفي؟ وحتى أكون منصفة فمن الممكن أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لمن يلجأون لمثل هذه الوسائل السهلة لحل مشكلة التواصل العاطفي. ذكرني التقرير بفيلم أميركي يدور في عالم تتحكم فيه الأجهزة في كل مفاصل حياة الإنسان وحتى المشاعر. ففي الفيلم يعمل البطل في شركة تتخصص في كتابة الخطابات والبطاقات البريدية لعملائها، من بطاقات التعازي لرسائل الغرام وما بينهما، ما يقوله الفيلم أن ذلك الوضع خيالي علمي شاطح لا يمكن أن يحدث. ولكن مخرج الفيلم لم يعرف أن الواقع سيتغلب على خياله ويثبت له ولغيره أن الإنسان في ظل التطور التكنولوجي سيتحول لكائن كسول في الحركة والتفكير وحتى المشاعر.
ولكن دعوني أستدرك هنا، قد يكون الكلام السابق صحيحا في بعض الحالات ولكن لحسن الحظ ما زال هناك من يؤمن بأن العواطف الإنسانية لها مكان خاص ولا يمكن «فبركتها». ففي أثناء زيارة لمدينة «فيرونا» بإيطاليا وعند البيت الذي يعتقد الكثيرون أنه بيت «جولييت» بطلة مسرحية شكسبير «روميو وجولييت»، كان هناك إثبات لذلك. في الساحة الصغيرة أمام البيت وتحت الشرفة الشهيرة التي خاطبت منها جولييت محبوبها روميو تجمع شبان وشابات انشغلوا بكتابة رسائل غرامية علقوها على الجدران ومنهم من استغنى عن الورقة وكتب على الحائط الذي توالت طبقات الكتابة عليه عبر السنين حتى أصبح مثل لوحة فنية مجنونة. أعتقد أن هذا هو المكان الذي يجب على كاتب التقرير الصحافي زيارته إذا أراد الكتابة عن الإيطاليين الذين يريدون للعودة لكتابة الخطابات الغرامية.