عذراً منك أخي الكاتب صمويل جونسون، سأستعير منك عبارة شهيرة وأحوّرها على ذوقي، بما أن زمن سرقة الأفكار مباحة، وشحة الإبداع متوفرة.. وبكثرة.
فالكاتب يقول: «إذا تعبت من لندن تكون قد تعبت من الحياة»، وأنا أقول: «إذا تعبت من السفر فشخصيتك بخطر»، هذا ليس رأيي الشخصي فقط، إنما هو رأي الباحثين والاختصاصيين النفسيين الذين توصلوا في نهاية دراسة أجروها على مجموعتين من الطلاب في جامعة ألمانية، إلى أن السفر يغذي الشخصية. فتمت مقارنة المجموعتين، الأولى، لم تسافر خلال فصلين دراسيين خارج البلاد، في حين قضت المجموعة الأخرى الفصلين بالكامل في اكتشاف أصقاع جديدة من العالم. وقبل القيام بالتجربة على المجموعتين، طلب من كل طالب في كلتا المجموعتين الإجابة عن أسئلة تخص انفتاحهم ومدى تعاطيهم الاجتماعي، وتجاربهم الشخصية ووعيهم والاستقرار العاطفي، وبعد عودة الطلاب من الرحلة خضع الطلاب من المجموعتين للاختبار نفسه.
والنتيجة كانت بالفعل لافتة جداً، فالطلاب الذين سافروا جاءوا بنفسية مرحة وحلقوا في مجال الاختلاط الاجتماعي على عكس الطلاب الذين راوحوا أماكنهم.
بصراحة، لا أعتقد أن هذه الدراسة كانت ضرورية؛ لأنه وببساطة، من المنطق أن يدرك كل امرئ أهمية السفر والسياحة وزيارة أماكن جديدة حول العالم، وتأثيرها الإيجابي على شخصيتنا وتعاطينا مع الآخرين، ودعم حنكتنا الاجتماعية، وتعزيز ذكائنا بالمعلومات العامة، وتقبلنا للغير وجعل حتى حديثنا حول المائدة مع الأصدقاء أغنى وأثرى.
هناك شيئان لا أفهمهما في الحياة، كره أحدهم للبطاطس المقلية والسفر، فعلاً أتعجب لهذا الكره الذي يعتبر غير منطقي، أنا أفهم أن السفر على الرغم من كل التسهيلات المحيطة به في أيامنا هذه وكل المعطيات التي تجعل منه أمراً ممكناً، قد يكون متعباً، أفهم، لكن كيف يمكن أن ترفض نعمة السفر؟ نعم، إنها نعمة.
ففي كل مرة أركب بها الطائرة أشكر الأخوين رايت على إبداعهما، وتسخير خبرتهما في عالم الهندسة في خلق «الأعجوبة» التي نسميها «طائرة».
ففي كل رحلة تقوم بها تتعلم شيئاً، تقدر شيئاً وتعود محملاً ليس فقط بالذكريات، إنما بالثقافة التي تمد الشخصية بجرعة زائدة من الثقة بالنفس.
عندما تعيش في مكان واحد وتألف مفرداته، يصبح كل شيء من حولك أشبه بطبيعة ثانية، لكن سرعان ما تقدّر كل النعم المتوافرة لديك عندما تسافر وتكسر الروتين الذي تعيشه، حينها ستقدر أبسط الأمور.
السفر هو دواء يفيد الصحة ويغذي الحواس فيجعلنا نبدع أكثر، فمن يجيد الكتابة الإبداعية لا بد أنه مسافر مبدع، ومن يعاني من الوحدة فالسفر دواؤه؛ لأنه في السفر يضطر المرء إلى أن يختلط بالغير ويتكلم إلى غرباء، وعندما تسافر مع أصدقاء تدرك الفرق الشاسع ما بين الأصدقاء الحقيقيين والأصدقاء الفيسبوكيين الوهميين.
كما أن السفر هو أفضل دواء للذين يتقوقعون ويصبحون أسرى منطقة الراحة الخاصة بهم؛ فالسياحة تجبرهم على مشاهدة طريقة عيش الآخرين للاستفادة منها وحمل بعض مما يمكن ترجمته في حياتهم اليومية عند عودتهم إلى ديارهم.
باختصار، السفر هو غذاء العقل والروح، ومصدر الإبداع بشتى أشكاله، فعندما تشعر بأن مخزون الثقل الفكري تدنى احجز تذكرة على أول رحلة ممكنة، وإذا سافرت ورجعت متعباً، سافر من جديد.
TT
تعبت من السفر؟ سافر من جديد
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة