حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

«الرغي» و«الرغي» الآخر!

كنت في جلسة عصف ذهني طويلة، لمدة ثلاثة أيام، منذ أكثر من خمسة عشر عاماً جمعتني فيها المناسبة مع ساسة وإعلاميين وصناع رأي عام من العالم العربي والولايات المتحدة الأميركية، وفي أحد التمارين الافتراضية التي أجراها مدير الحوار تمت صياغة خبر افتراضي «مثير وخطير» ذي نكهة شرق أوسطية بامتياز، واختير لصياغة الخبر مراسل من قناة «الجزيرة» وآخر من قناة «فوكس» الأميركية باعتبارهما أكثر قناتين لهما الأسلوب المبالغ فيه في المصطلحات التحريرية المستخدمة في الصياغة الخبرية. ولم أكن متفاجئا وقتها، فقناة «الجزيرة» اعتمدت أسلوباً رخيصاً وغير متناسق في تغطيتها الخبرية، ومع الأيام تبين للجميع أنها مجرد «أداة» في مشروع نظام الانقلاب في قطر، الذي سخّر شاشة القناة لنشر الفكر التكفيري المتشدد، وترسيخ فكر جماعة الإخوان المسلمين، عبر تسليط الضوء على آراء الشيخ المثير للجدل يوسف القرضاوي، ومنحه منبراً أسبوعياً بعنوان مثير، وهو «الشريعة والحياة»، يدلي برأيه في كل صغيرة وكل كبيرة، من كفارة مفطر رمضان إلى الخروج على الحاكم، وهو الذي كرس فكرة «الوقاحة العدائية» على شاشة التلفزيون، فأصبحنا نرى ملاكمة وصراعاً بالأيدي، وقلب الطاولة، ورمياً بالحذاء، وقذفا بكوب الماء، وأسوأ أنواع السباب واللعن... كل ذلك تحت مسمى «الاتجاه المعاكس»، وبكل هدوء يطلقون عليه توصيفا وهو برنامج حواري سياسي، فيصبح هذا هو القالب المسموح به أن يكون مقبولاً وسائداً لدى العامة، وأصبحت لغة «الشوارع» هي لغة الشاشة.
أيضاً لم يعد غريباً أن نرى مصطلحات «جدلية» يحددها مالك المحطة القطرية، فهم وحدهم يحددون من هم «الشهداء» ومن هم «القتلى» ومن هم «الموتى» ومن هم «الثوار» ومن هم «الإرهابيون». والتقرير الإخباري الذي من المفروض أن يأخذ دقيقتين إلى ثلاث دقائق كحد أقصى من الوقت بات يأخذ إلى حد سبع دقائق ونصف من الوقت في بعض الأخبار «المثيرة»، التي يرغب نظام الانقلاب في قطر لتوظيفها لصالح أهدافه السياسية ومشروعه المستمر في المنطقة.
وفي بحث إعلامي لافت وضح في نتيجته أن التغطية الإخبارية السلبية عن جمهورية مصر العربية مثلاً في قناة «الجزيرة» هي خمسة أضعاف ما يتم تناوله عن إسرائيل نفسها، ولا أبالغ إذا قلت إنه لو تمكنت قناة «الجزيرة» أن تحمل الرئيس المصري مسؤولية ظاهرة الاحتباس الحراري في العالم لفعلت ذلك، وربما تكون هي تعمل على ذلك الآن.
قناة «الجزيرة» البوق الإعلامي لنظام الانقلاب في قطر تحولت إلى أشبه بمجلة فضائحية رخيصة، وهي باتت تقدم أسوأ إعلام بامتياز، بعيداً عن أي مصداقية. ونسبة المشاهدة الآخذة في الانهيار ومعدلات المصداقية المتدنية في أكثر من استطلاع للرأي لهو أكبر دليل على أن ما تقدمه تلك القناة ليس بإعلام ولا أخبار ولا رأي.
على ما يبدو أن قناة «الجزيرة» ستسجل اسمها في سجلات التاريخ بامتياز مع شخصيات فريدة من أمثال مسيلمة الكذاب، وجوبلز، وحسن نصر الله... فهنيئاً لهم.
في زمن باتت ظاهرة الأخبار المزيفة حالة عامة يحق لـ«الجزيرة» أن تفتخر بأنها كانت الرائدة والمبادرة في هذا النهج. في هذه المسألة لهم الأسبقية فعلاً.