علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT
20

النداء الأخير

حينما يتبقى وقت قليل على إقلاع رحلة ما ويضيق الوقت على ركابها، تلجأ الخطوط لإطلاق «النداء الأخير»، وهو نداء للركاب الكسالى أو غير الدقيقين بأنهم إذا تأخروا فستقلع الطائرة من دونهم، أي إنه نداء تحذيري شديد اللهجة، ولكل مهنة نداؤها الأخير، ففي المطاعم نجد مصطلح الطلب الأخير.
في الصحافة العربية أطلق عميد الصحافة الأستاذ خالد المالك، رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» السعودية الصرخة الأخيرة، ولخصها بكلمات قليلة ومعبرة وقال: «كنت أخاف من الصحافة واليوم أخاف عليها»، وهذه الجملة الموجزة والبليغة تلخص مسيرة الصحافة العربية التي تعاني من خطر الموت، بعد إطلاق المواقع الإلكترونية، وعزوف الشباب عن الصحافة الورقية.
لنتمعن أسباب توقع موت الصحافة الورقية، أولاً: مكابرة المؤسسات الصحافية، وأقصد هنا من يتحكمون بالمال مثل المؤسسين أو المديرين الإداريين، أو غيرهم الذين راهنوا على استمرارية نجاح الصحافة الورقية، ثانياً: عدم الإنفاق المادي الكبير على الصحافة، ثالثاً: تأخرهم في إنشاء المواقع بأسماء صحفهم، ولو كانوا فعلوها لحجزوا مواقع في المقدمة.
هذه أهم الأسباب، وهناك تفاصيل كثيرة لعل أهمها العناد ما بين مشرفي الصفحات الورقية ومشرفي مواقع الصحف الإلكترونية في طريقة نشر الخبر، فأهل الورق يقولون: نريد «السّبْق»، والمشرفون على الموقع الإلكتروني يقولون لا سبق في عالم التواصل الاجتماعي. طبعا مع ملاحظة أن الصحف تأخرت في إنشاء مواقعها.
إذاً ما الحلول لتتجاوز الصحف الورقية محنتها؟
أول هذه الحلول هو تقوية مواقعها الإلكترونية وإعطائها الأولية على الورقية، طباعة صحافة الورق بشكل «بريستيجي»، بحيث يطبع عدد الاشتراكات وما يشترى من السوق فعلا. ومحاولة شراء مواقع إلكترونية ناجحة أو مشاركتها، والأخيرة محاولة الاندماج بين الصحف، بحيث تقل التكلفة التشغيلية. طبعا أنا هنا لا أقدم دراسة ولكني أحاول أن أقدم خريطة طريق، فالموضوع كبير جداً بحجم «صرخة المالك».
وأذكر في هذا المجال أنه عند إصدار صحيفة «مكة» عقد «مكتب أسبار» ورشة عمل جمع فيها إعلاميون سعوديون لاستمزاج آرائهم عن كيفية إصدار الصحيفة؟ وكنت أحد المدعوين، وأظن أن «مكتب أسبار» هو من أشرف على إعداد الدراسات الأولية لإصدار صحيفة «مكة». وفي حينها تكلم الزملاء عن تجاربهم، وقلت للدكتور فهد الحارثي في رأيي أن زمن الصحافة الورقية انتهى، وأنا أقترح إصدار صحيفة «مكة» عبر موقع إلكتروني قوي، مع طباعة 3000 نسخة لتشكل رمزية الورق. لا أخفيكم، اشتعل النقاش واحتدم بين الزملاء، وأغلبهم أيد ذلك.
حينما نحرص على بقاء المؤسسات الصحافية أو غيرها من الشركات، فذلك لرغبتنا ببقاء اقتصادنا قوياً، لأن إفلاس أي شركة والمؤسسات الصحافية في النهاية شركات، يعني إطلاق سراح الموظفين ليكونوا بلا وظائف. وتعلمون أن معظم الموظفين لديهم عوائل حتى العزاب منهم يعولون آخرين، فالفصل يعني تشريد أسرة، أو على الأقل نقص مداخيلها بالإضافة إلى أن هناك آلاف الوظائف غير المنظورة التي تخلقها الصحف للمجتمع، فهناك مقاولو الباطن وبائعو الورق والأحبار، كذلك نقاط التوزيع، وغير ذلك من الوظائف التي تولدها مهنة الصحافة.