خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

صاحب «الشنب» الخطير

برزت شخصية اللورد كتشنر خلال الحرب العظمى (الحرب العالمية الأولى)، لا لشيء مهم وإنما لشاربه الخطير والمخيف، الكثيف والطويل، كما برز في صوره وملصقاته. كان وزيراً للدفاع في الحكومة البريطانية، وقد كسب شهرته العالمية، حتى في عالمنا في الشرق الأوسط، ولسنوات كثيرة، لا بسبب منجزاته وانتصاراته في الحرب، وإنما لكونه ذلك الرجل المهيب، صاحب الشنب الطويل الذي يظهر في أشهر ملصق إعلاني، ربما حتى الآن؛ يظهر وقد وضع خوذته العسكرية على رأسه باعتداد، ومد يده قدماً إلى الأمام، مشيراً بإصبعه نحوك، أنت الناظر إلى الملصق، وفوق الكلمات الشهيرة«Your country needs you!» (بلادك تحتاج إليك)، في تلك الحملة الكبيرة الفاشلة للحصول على متطوعين للقتال. ورغم هذه الصورة الدرامية، فإنه لم يستجب لها غير قلائل.
لم يكن هناك تجنيد إلزامي في بريطانيا، واعتمدت الحكومة على هذه الملصقات في إثارة الحماس والروح الوطنية للالتحاق بالقوات المسلحة، ولكنها سرعان ما فشلت في مسعاها، واضطرت إلى إصدار قانون الخدمة العسكرية الإلزامية.
هكذا، كان اللورد كتشنر: شنب وخوذة وإصبع يؤشر على الناظرين، ويهيب بهم التطوع. ولكن اللورد كتشنر عرف عنه في الواقع أنه ظريف يتدفق بالطرائف والملح والقفشات في حياته الخاصة، وكان منها ما روته الليدي دستنبرو في رسالة بعثت بها إلى وزير الخارجية آرثر بلفور، تصف فيها إحدى الحفلات الأرستقراطية التي التقت فيها باللورد كتشنر؛ كتبت تقول:
«لقد جرى الحديث، فانتقل إلى موضوع الأعداء. وخطر لأحد الحاضرين أن يسأل اللورد كتشنر كيف يتعامل هو مع أعدائه؟ فأجاب قائلاً بكل بساطة: أوه! لا أواجه أية صعوبة في هذا الشأن. فلو تعلمون، لعرفتم أنهم تحدث لهم دائماً حوادث مريعة تنتقم لي منهم، دون أي تدخل من جانبي أنا».
سألناه عندئذ: ما الذي تعنيه بذلك؟ فأجاب قائلاً: «حسناً، تعلمون أن جورج كرزون قد ماتت زوجته، والسير دنزل أبيستون أصيب بالسرطان ومات، أما السير إدموند أليس فما حدث له أنه فقد ابنه في أفريقيا، حيث أكلته التماسيح!».
وبعد أسابيع قليلة من هذا الكلام الذي استفاض به، سقط اللورد كتشنر في بحر الشمال وأكلته الأسماك، في اليوم الخامس من يونيو (حزيران) سنة 1916. وحدث ذلك عندما كان جناب اللورد على متن إحدى البارجات البريطانية في طريقها لنقل إمدادات عسكرية للروس. وما إن مرت البارجة قرب السواحل النرويجية حتى تصدت لها إحدى الغواصات الألمانية، وأطلقت عليها طوربيداً أغرقها في الحال، ولم يستطع أحد أن يعثر على جثته أو شنبه. ولا شك أن الأسماك قد أكلته، فالسمك في حاجة إليه! هذا ما تفعله بعدوك!