تيلر كوين
TT

لا... أفريقيا ترسل أفضل ما لديها

انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب عدم قبول الولايات المتحدة المزيد من المهاجرين من النرويج، في حين أنها تستقبل المزيد من المهاجرين من هايتي والسلفادور وأفريقيا، مستخدماً بعض المفردات المنمقة التي لا أود إعادة ذكرها في مقالي. ولقد كانت هناك ردود فعل عاطفية وصاخبة بشأن تصريحات الرئيس الأميركي، ولكنني أود أن ألتزم قدراً من الواقعية باستعراض ما تشير إليه البيانات فعلياً، مع التركيز على أفريقيا والنرويج.
إحدى أبرز حقائق الهجرة إلى الولايات المتحدة، وغير المعروفة حتى لدى المدافعين عن الهجرة، هي ارتفاع مستويات التعليم لدى الأفارقة القادمين إلى الولايات المتحدة. وإذا نظرنا إلى البالغين من فئة 25 عاماً العمرية، والمولودين في أفريقيا ويعيشون في الولايات المتحدة، فإن نسبة 41.7 في المائة منهم حاصلون على درجة البكالوريوس أو ما بعدها، وفقاً لبيانات صادرة في 2009. وعلى النقيض من ذلك، فإن السكان المولودين في الولايات المتحدة من الحاصلين على درجة البكالوريوس أو ما بعدها لا تتجاوز نسبتهم نحو 28.1 في المائة، وفق البيانات نفسها. ويبلغ إجمالي البالغين المولودين في الخارج من الحاصلين على درجة جامعية نحو 26.8 في المائة، وكلتا النسبتين أقل بكثير من معدل الأفارقة.
فماذا عن درجات الشهادة الثانوية؟ يفتقر نحو ثلث المهاجرين بوجه عام للحصول على هذه الشهادة، ولكن نسبة 11.7 في المائة فقط من المهاجرين المولودين في أفريقيا لا يحملون شهادة الثانوية العامة. وهذه النسبة تقترب بشكل كبير من معدل الأميركيين المولودين في الولايات المتحدة، الذين تقدر نسبتهم بنحو 11.4 في المائة من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة.
أو لعلنا ننظر إلى حالة الأميركيين من أصول نيجيرية، إذ تعد نيجيريا أكثر الدول اكتظاظاً بالسكان في أفريقيا. غير أن مستويات التعليم هناك هي من أعلى المستويات في الولايات المتحدة، وهي تفوق مستويات الآسيويين، مع نسبة 17 في المائة من المهاجرين النيجيريين يحملون درجة (التخصص) الماجستير في مختلف التخصصات.
بالإضافة إلى ذلك، يتحدث نحو ثلاثة أرباع المهاجرين الأفارقة اللغة الإنجليزية، ولديهم معدلات أعلى من المتوسط من العمالة المشاركة. كما أنهم أقل عرضة لارتكاب الجرائم العنيفة من الأفراد المولودين في الولايات المتحدة.
وهذه كلها من قبيل الأنباء السارة بكل تأكيد، كما أنها تشير إلى إمكانية قبول المزيد من المهاجرين الأفارقة مع المنفعة المتبادلة. ومن الناحية الذاتية، أود أيضاً أن أشير إلى أن جنوب الصحراء الأفريقية هي المنطقة التي أجد فيها أقل المشاعر المعادية للولايات المتحدة. وهذا يتسق بشكل عام مع نتائج الاستطلاع المشار إليها.
وبصفتي من سكان العاصمة واشنطن، فإنني أعيش إلى جانب عدد كبير من المهاجرين الأفارقة. ومن المعروف جيداً في هذه المنطقة أن المهاجرين الأفارقة يتفوقون من حيث التعليم، وتأسيس الشركات الناشئة، والسلامة، والاستيعاب الثقافي، والإيجابية.
«إنهم لا يرسلون إلينا بأفضل ما لديهم» هي المزاعم التي سمعت الرئيس ترمب يقولها في خطاباته والمؤتمرات الصحافية. ومع ذلك، فهذا يناقض الحقيقة على طول الخط عندما يتعلق الأمر بالأفارقة.
حسنا، ماذا عن النرويجيين؟ خلال الأيام الأولى من عصر الهجرة الجماعية للولايات المتحدة، الذي بدأ في أواخر القرن التاسع عشر، تلقت هذه البلاد العديد من المهاجرين من النرويج. وكان من المرجح بصورة خاصة أن يكونوا من ذوي المهارات المتواضعة، وكانت تواجههم مشاكل كبيرة في الاستيعاب الثقافي، وانتهى الأمر بنحو 70 في المائة منهم بالعودة إلى موطنهم الأصلي. فإذا ما عقدنا المقارنة بين 16 مجموعة من المهاجرين من ذلك الوقت، وفق البيانات المتوفرة لدينا، فإن المهاجرين من النرويج والبرتغال كانوا الأسوأ من حيث ثغرات الأجور.
ولكي أكون واضحاً، أعتقد أن تجربة المهاجرين النرويجيين قد عادت بنتائج باهرة، إذ يحظى النرويجيون الأميركيون الآن بأعلى مستويات الدخل، وقد تمكنوا من الاستيعاب الثقافي بصورة كبيرة. ولكنها قصة تبعث على الحذر، وهي تشير إلى أن المجموعات التي قد تعتقد في نجاحها على الفور تواجه في الغالب العقبات الكبيرة. وتعكس رواية «عمالقة الأرض» التي تدور حول الهجرة النرويجية إلى ولاية داكوتا في عشرينات القرن الماضي، أن المؤسسة كانت محفوفة للغاية بالمخاطر الجمة، وكان الاستيعاب الثقافي من أكبر العقبات على الطريق. ومن الجدير بالذكر أن الرواية نشرت أول الأمر باللغة النرويجية، في حين أن الروايات النيجيرية والنيجيرية - الأميركية اليوم عادة ما تؤلف وتنشر باللغة الإنجليزية.
وسوف يكون من قبيل الخطأ الفادح النظر إلى هذه المقارنات ونستنتج أن الأفارقة، بطريقة أو بأخرى، متفوقون أصلاً على النرويجيين. ففي واقع الأمر، هناك نظرية اقتصادية بسيطة جداً تفسر الأمر. كلما ازدادت صعوبة الهجرة من بلد إلى آخر، ارتفع مستوى اختيار عملية الهجرة للأفراد الطموحين والناجحين بشكل خاص.
ويقترح الخبير الاقتصادي إدوارد لازير إجراء تجربة بسيطة. اختيار مهاجرين إلى الولايات المتحدة من الجزائر، وإسرائيل، واليابان، وتصنيفهم وفق الأكثر تعليماً إلى الأقل تعليماً. وسوف تكون الإجابة الصحيحة هي: الجزائر، ثم إسرائيل، ثم اليابان. وفي حين أن هذا غير بديهي للوهلة الأولى، فمن اليسير للغاية معرفة كيف تعمل النظرية. إن كنت جزائرياً ومتعلماً، أو تطمح لأن تتعلم جيداً، فإن فرصك في الجزائر ضعيفة للغاية، وربما تسعى إلى المغادرة والهجرة. في حين أن المواطن الموهوب والمتعلم في اليابان أو إسرائيل يمكنه أن يعيش حياة جيدة من دون مغادرة بلاده. وتفسر هذه الاعتبارات نحو 73 في المائة من التباين الواضح في النتائج التعليمية لجموع المهاجرين.
وبعبارة أخرى، إن الرئيس ترمب لم يكن هجومياً في تصريحاته، بل إنه كان على خطأ كذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»