تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن

«الصحة العالمية» احتفلت بمرور 47 عاماً على بدء استخدام اللقاحات

وزير الصحة اليمني في إحدى حملات التطعيم ضد شلل الأطفال (سبأ)
وزير الصحة اليمني في إحدى حملات التطعيم ضد شلل الأطفال (سبأ)
TT

تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن

وزير الصحة اليمني في إحدى حملات التطعيم ضد شلل الأطفال (سبأ)
وزير الصحة اليمني في إحدى حملات التطعيم ضد شلل الأطفال (سبأ)

احتفلت منظمة الصحة العالمية بمرور 47 عاماً على تأسيس مبادرتها للتحصين الموسع والأساسي في اليمن، بينما أكدت «اليونيسيف» أن اللقاحات وسيلة فعالة وغير مكلفة، وتعود بالفوائد الاقتصادية العالية، إلى جانب إنقاذها أرواح اليمنيين، وسردت المنظمتان وقائع وأرقاماً عن عودة انتشار كارثية للأوبئة في البلاد التي تعاني من الصراع والفقر.

ومع إعلان منظمة الصحة العالمية إصابة 237 طفلاً يمنياً بفيروس شلل الأطفال خلال السنوات الثلاث الماضية، كشفت «اليونيسيف» عن وفاة 41 ألف طفل خلال العام قبل الماضي جراء إصابتهم بأمراض يمكن الوقاية منها، حيث شهدت كل 13 دقيقة وفاة طفل بتلك الأمراض.

عاملة صحية في عدن تضع علامة على أصبع طفلة تلقت اللقاح (الأمم المتحدة)

وحذرت «اليونيسيف» من أن اليمن يشهد عودة لأمراض كان يعتقد أنها صارت من الماضي، كشلل الأطفال، الذي تزداد حالات الإصابة به في المناطق الشمالية (الخاضعة للحوثيين)، مع تراجعها في المحافظات الجنوبية، حيث سيطرة الحكومة الشرعية، مرجعة ذلك إلى حملات التطعيم التي تستهدف القضاء عليه جنوباً وتراجعها شمالاً، حيث يمثل أي طفل لم تشمله التطعيمات رقماً كبيراً لا يمكن الاستهانة به.

ولكي تكون اللقاحات منقذة؛ اشترطت المنظمة الأممية في تقريرها الصادر حديثاً بعنوان «اللقاحات تنقذ حياة الأطفال وتحمي اقتصاد اليمن»، أن تصل اللقاحات إلى كل طفل في كل مكان.

وذكرت «اليونيسيف» أن الوضع الصحي للأطفال في اليمن يستدعي بذل جهود مكثفة للارتقاء بها إلى مستويات أفضل، منوهة بأنه حان الأوان لتغيير القصة التي وصفتها بالمأساوية، لضمان حصول كل طفل في اليمن على اللقاحات أينما وجد، وما يتطلبه ذلك من دعم نظام الرعاية الصحية، وتوفير الموارد اللازمة للوصول إلى المناطق النائية.

وبعد ما يقارب العقد ونصف العقد من إعلان خلو اليمن من مرض شلل الأطفال، عاود الفيروس انتشاره في شمال البلاد، نتيجة سياسات الجماعة الحوثية المناهضة للقاحات.

عوائد اقتصادية للقاحات

يوفر إعطاء اللقاحات للوقاية من الأمراض كثيراً من النفقات المباشرة التي تتكلفها الأسرة، بنحو 16 ضعفاً لتكلفة التطعيم، بالإضافة إلى أن كل دولار ينفق على التطعيم، يحقق عائداً على الاستثمار قدره 20 دولاراً في البلدان ذات الدخل المنخفض طبقاً لتقرير «اليونيسيف».

تراجع كبير في تقديم اللقاحات للأطفال اليمنيين بسبب الحرب والدعاية الحوثية (غيتي)

ولا يتلقى جرعات التطعيم الكاملة سوى أقل من 30 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و 3 سنوات، الأمر الذي ينذر بانتشار الأوبئة.

وأورد التقرير أن معدلات التطعيم ضد الحصبة، وشلل الأطفال، واللقاح الثلاثي للدفتيريا، والكزاز، والسعال الديكي 41 في المائة، و46 في المائة، و55 في المائة على التوالي، وهي أرقام بعيدة كل البعد عن المستوى المطلوب لضمان تحقيق المناعة الجماعية، وحماية صحة الأطفال.

ومن الأسباب التي ساقها التقرير لعودة انتشار أمراض جرت السيطرة عليها من قبل، صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية، والتردد بشأن اللقاحات، والنزاع.

ووصف التقرير ضعف التغطية بالتطعيم بالأمر المقلق، ففي العام الماضي أصيب 137 طفلاً دون سن الخامسة بمرض الحصبة شديد العدوى، بعد أن حُرموا من الحصول على أي جرعة تطعيم نهائياً، بما في ذلك التطعيمات الروتينية، في حين أفقد شلل الأطفال أحلام 227 طفلاً بجعلهم يفقدون قدرتهم على اللعب والاستكشاف بحرية بسبب الشلل الذي لا يمكن علاجه.

عاملة صحية في عدن برفقة زوجها خلال حملات التطعيم الميدانية (الأمم المتحدة)

وشهد العام الماضي الإبلاغ عن 51 ألف حالة يشتبه إصابتها بالحصبة، و8679 حالة بالسعال الديكي، توفي منهم 11، ووفاة 122 طفلاً بالدفتيريا من أصل 2055 حالة مشتبهاً بإصابتها، ما يعني أن 7 من كل 100 طفل مريض توفوا بسبب هذا المرض، بينما جرى الإبلاغ عن 271 حالة مصابة بشلل الأطفال حتى نهاية العام، منها 240 حالة، أي بنسبة 88.5 في المائة في المحافظات الشمالية.

وبلغت نسبة الأطفال الذين تلقوا كامل جرعات التطعيم ممن تتراوح أعمارهم ما بين عام وعامين، 49.9 في المائة في المناطق الحضرية، و33.7 في المائة في المناطق الريفية، بإجمالي 38.3 في المائة، في حين بلغت نسبة الأطفال الذين تلقوا كامل التطعيمات ممن تتراوح أعمارهم بين عامين و3 أعوام، 36.6 في المناطق الحضرية، و26.5 في المناطق الريفية، بإجمالي 29.5 في المائة.

وأدت ممارسات الجماعة الحوثية إلى انهيار النظام الصحي قبل أن تتجه إلى انتهاج الدعاية المضادة للقاحات، وتبني خطاب ينعت التطعيمات بالمؤامرة الغربية.

ضرورة التوعية

تمكنت كثير من دول العالم من كبح انتشار الأمراض مثل الحصبة والسعال الديكي بفضل ارتفاع معدلات التطعيم؛ إلا أن مستويات تغطية التحصين في اليمن لا تزال متأخرة ودون المستوى المطلوب، بسبب تدني معدلات تطعيم الأطفال الصغار بشكل مقلق وفق «اليونيسيف»، ما يستدعي بذل جهود مكثفة للارتقاء بها إلى مستويات أفضل.

ومن جهتها، نبهت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها بعنوان «القضاء على شلل الأطفال في اليمن خطوة بخطوة» إلى عدم إغفال أهمية تثقيف المجتمعات حول أهمية وسلامة اللقاحات، وأهمية ألا يفقد أي طفل حياته بسبب مرض يمكن الوقاية منه بسهولة.

طفل يمني يتلقى لقاحاً ضد الكوليرا ضمن الحملات الميدانية للتطعيم (غيتي)

ووفقاً للمنظمة فإنه و«في سياقات النزاع والمجتمعات الضعيفة، مثل اليمن، يمكن أن يكون الأطفال أكثر عرضة للخطر بشكل خاص، وبإصابة طفل واحد بشلل الأطفال، يصبح جميع الأطفال غير المطعمين عرضة للإصابة بالمرض».

وجاء في التقرير أن طفلاً من كل 4 أطفال في اليمن لا يمكنه الحصول على جميع اللقاحات الموصى بها في جدول التحصين الوطني الروتيني، بينما لم يتلق 17 في المائة من أطفال اليمن أي جرعة من اللقاح.

وفسر التقرير تدهور الوضع الصحي للأطفال في اليمن بـ«انخفاض معدلات التحصين، وازدياد تردد الآباء والأمهات في تلقيح أطفالهم»، إلى جانب آثار النزاع، وتراجع الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تركت كثيراً من الأطفال في اليمن عُرضة للإصابة بالمرض.

وفي مواجهة هذا الوضع الكارثي الذي سردت المنظمتان الأمميتان بعض أرقامه ووقائعه، تحذّر الحكومة اليمنية باستمرار، من مواصلة الجماعة الحوثية سياستها في منع اللقاحات والدعاية المضادة لها، وما يتسبب به ذلك من تفشٍّ للأوبئة والفيروسات في عموم البلاد والدول المجاورة، وتدعوان المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغوط الكافية للسماح بالتطعيمات، ووقف التحذير منها.


مقالات ذات صلة

موجة إسرائيلية رابعة تضرب مطار صنعاء ومنشآت طاقة خاضعة للحوثيين

العالم العربي دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

موجة إسرائيلية رابعة تضرب مطار صنعاء ومنشآت طاقة خاضعة للحوثيين

نفذت إسرائيل رابع موجة من ضرباتها الجوية مستهدفة منشآت حيوية خاضعة للحوثيين المدعومين من إيران شملت مطار صنعاء ومنشآت أخرى حيوية في المدينة ذاتها وفي الحديدة.

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي عمود من النيران في أعقاب ضربات على مدينة الحديدة الساحلية التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون 20 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

«حماس» تدين «العدوان» الإسرائيلي على الحوثيين في اليمن

أدانت حركة «حماس» الفلسطينية التي تخوض حرباً مع إسرائيل في قطاع غزة، الخميس، الضربات الإسرائيلية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي تصاعد الدخان بعد غارات إسرائيلية بالقرب من مطار صنعاء باليمن 26 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 00:38

غارات إسرائيلية تستهدف مطار صنعاء... ونتنياهو يتوعد الحوثيين

شدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتنياهو، الخميس، في أعقاب ضربات شنّها جيشه في اليمن، على أن بلاده ستواصل ضرب المتمرّدين الحوثيين «حتى إنجاز المهمة».

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي سجناء في الحديدة أُفرج عنهم مقابل الالتحاق بالجبهات (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يستقطبون عشرات السجناء في الحديدة للقتال

استقطبت الجماعة الحوثية عشرات السجناء على ذمة قضايا مختلفة في محافظة الحديدة اليمنية (226 كيلومتراً غرب صنعاء) وألحقتهم ببرامج تعبوية ودورات عسكرية.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي خلال سنوات التمرد الحوثية اكتشف الجيش اليمني شبكة أنفاق في محافظة صعدة (إعلام محلي)

قادة الحوثيين إلى الكهوف... وحي الجراف يستنسخ ضاحية بيروت

مع تصاعد تهديد إسرائيل للحوثيين فرَّ قادة الجماعة إلى كهوف صعدة شمالاً وتحصّن آخرون في حي الجراف شمال صنعاء، واستنفروا قطاع الصحة، وسط مخاوف السكان من التداعيات

محمد ناصر (تعز)

بدء انتشال رفات «ما لا يقلّ عن مائة» امرأة وطفل أكراد من مقبرة جماعية بجنوب العراق

انتشال رفات نحو مائة امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في عهد صدام حسين (أ.ف.ب)
انتشال رفات نحو مائة امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في عهد صدام حسين (أ.ف.ب)
TT

بدء انتشال رفات «ما لا يقلّ عن مائة» امرأة وطفل أكراد من مقبرة جماعية بجنوب العراق

انتشال رفات نحو مائة امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في عهد صدام حسين (أ.ف.ب)
انتشال رفات نحو مائة امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في عهد صدام حسين (أ.ف.ب)

بدأت السلطات العراقية انتشال رفات «نحو مائة» امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في الثمانينات في عهد الرئيس السابق صدام حسين، من مقبرة جماعية كُشفت هذا الأسبوع، على ما أفاد به ثلاثة مسؤولين لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتقع هذه المقبرة الجماعية في منطقة تل الشيخية في محافظة المثنى بجنوب العراق، وتبعد عن الطريق العام المعبّد بين 15 إلى 20 كيلومتراً، بحسب مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية».

وفتحت فرق متخصصة هذه المقبرة في منتصف ديسمبر (كانون الأول) بعد اكتشافها في 2019، وهي ثاني مقبرة جماعية تُفتح في هذا الموقع، بحسب ضياء كريم مدير دائرة المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء الحكومية المكلفة العثور على المقابر الجماعية والتعرف على الرفات.

وقال كريم لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الأربعاء: «بعد رفع الطبقة الأولى للتربة وظهور الرفات بشكل واضح، تبيّن أن جميع الرفات يعود لأطفال ونساء يرتدون الزي الكردي الربيعي».

ورجّح أن يكونوا جميعهم متحدّرين من قضاء كلار بمحافظة السليمانية في شمال العراق، مقدّراً أن يكون عددهم «لا يقلّ عن مائة»، غير أن عمليات الانتشال لا تزال جارية والأعداد غير نهائية.

وأُعدم الرئيس السابق صدام حسين الذي أطيح نظامه في عام 2003 بعيد غزو أميركي للبلاد، قبل انتهاء محاكمته بتهمة «إبادة» آلاف الأكراد في إطار «عمليات الأنفال» التي شنها عام 1988.

وتقول الأمم المتحدة إن نحو 290 ألف شخص بينهم مائة ألف كردي اختفوا قسراً في إطار حملة الإبادة الجماعية التي شنها صدام حسين في كردستان العراق بين 1968 و2003.

وأوضح كريم أن عدداً كبيراً من الضحايا «أُعدموا في هذا المكان بطلقات نارية في الرأس من مسافة قريبة»، مرجّحاً مع ذلك أن يكون البعض الآخر «دُفنوا وهم أحياء»، إذ لا دليل وفق قوله على وجود رصاص في جمجماتهم.

من جهته، أشار أحمد قصي، رئيس فريق التنقيب عن المقابر الجماعية في العراق إلى «صعوبات نواجهها الآن في هذه المقبرة بسبب تداخل الرفات ببعضها، إذ بعض الأمهات كنّ يحضنّ أطفالهنّ الرضّع» حين قُتلوا.

وبالتزامن مع بدء عمليات الانتشال في هذه المقبرة الجماعية، «تم العثور على مقبرة جماعية أخرى» بحسب ضرغام كامل رئيس الفريق الوطني لفتح المقابر الجماعية.

وتقع تلك المقبرة، وفق قوله، في منطقة قريبة من سجن نقرة السلمان السيئ الصيت، حيث كان يخفي نظام صدام حسين معارضيه السياسيين.

وتشير تقديرات حكومية إلى أن أعداد المفقودين بين العامين 1980 و1990، من جراء القمع الذي كان يمارسه نظام صدام حسين، بلغت نحو 1.3 مليون شخص.

وإضافة إلى المقابر الجماعية المرتبطة بعهد صدام حسين، ما زالت السلطات العراقية تعثر على مقابر جماعية مرتبطة بجرائم تنظيم «داعش». وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن التنظيم الجهادي ترك خلفه أكثر من 200 مقبرة جماعية يرجح أنها تضم نحو 12 ألف جثة.

واكتشف العراق نحو 289 مقبرة جماعية منذ 2006، بحسب مؤسسة الشهداء.