جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

الوحدة والسفر

تلقيت العام الماضي الكثير من الرسائل من قراء يفضلون السفر على طريقة الـ«سولو» Solo Travel أي بمفردهم إلى وجهات جميلة تتفهم نوعية سفرهم. وفي بادئ الأمر تعجبت من الأمر، لأن السفر وكما اعتدنا على أنماطه مخصص لتمضية العطلة مع أفراد العائلة أو الأصدقاء، والوحدة هي من الصفات الموحشة التي لم تقترن بالسفر من ذي قبل.
وهذا النمط الجديد من السفر عززته وسائل التواصل الاجتماعي لا سيما تطبيق «إنستغرام» الذي يركز على نشر الصور ليعد المسافرين بأجمل الأسفار التي يكون أبطالها أصحاب حسابات يسافرون بمفردهم إلى بلاد الله الواسعة لاكتشاف روعات مخفية وجماليات غير مسبوقة.
ونسبة سفر السياح بمفردهم زادت عن 51 في المائة العام الماضي بحسب موقع «لونلي بلانيت» ويتصدر الألمان جنسية السياح الذين يفضلون السفر من دون رفيق فوصلت نسبتهم إلى 80 في المائة ليأتي البريطانيون في المرتبة الثانية بنسبة 69 في المائة والكنديون بنسبة 67 في المائة.
وبحسب دراسة نشرت أخيرا تبين أن هناك موجة جديدة انتشار مواقع رحلات مخصصة للنساء فقط ونسبة هذه المواقع وصلت إلى 230 في المائة وتبين أيضاً أن النساء يفضلن تمضية العطلة في أماكن نائية لشحن طاقاتهن الإيجابية والتخلص من السموم في الجسم على طريقة الالتحاق بحصص اليوغا في أقاصي أصقاع العالم.
ليس الغريب في الأمر أن يسافر المرء بمفرده أو المرأة بمفردها، إنما المؤسف في الأمر هو أن طريقة عيشنا في ظل التطور التكنولوجي غير مسار حياتنا اليومية بما فيها عطلاتنا وأسفارنا لدرجة أن الشركات التي تعنى بتصنيع الإلكترونيات صبت إبداعها الفني على اختراع المعدات التي تستخدم في السفر الذي يناسب هؤلاء الذين يسافرون بمفردهم، وأول علامات هذا التوجه من السفر بدأ مع تصميم كاميرات الهواتف الجوالة بطريقة تمكن أصحابها من رؤية أنفسهم على الشاشة ولالتقاط الصور دون الحاجة لشخص آخر، وهذا أبرز دليل على «الفردية» في السفر بعدما أطلق على طريقة التصوير هذه «سيلفي» وتعني «الذاتية»، وأكثر ما يقلق في الأمر هنا هو أن وسائل التواصل الاجتماعي تفرق ولا وتقرب على عكس النظرة السائدة، وأفضل مثال على ذلك هو الجيل الصاعد الذي يفتقد إلى القدرة للتكلم مع الآخرين ويعتمد على الاختباء وراء أزرار الهاتف أو الألعاب الإلكترونية.
يتطلب السفر الفردي الكثير من الجرأة وهذا الأمر إذا ما دل على شيء فهو يدل على التصالح مع الذات أو على الاستقلال أو حتى يمكن أن يكون دليلا على مشكلات مع الذات.
وبما أن نسبة الذين يفضلون السفر بمفردهم على ازدياد، فهذا يعني بأن هناك سببا وجيها لهذا التغير اللافت في طريقة السفر، وهذا يعني أيضا أن البعض يفضل أن يكون وحيدا على أن يكون بصحبة الرفيق الخطأ الذي يحول الرحلة إلى مغامرة فاشلة.
الإنسان كائن اجتماعي بحسب تكوينه البيولوجي لا يمكن أن يعيش بمفرده، ولكن للأسف تغيرت مفاهيم الحياة تحت راية العصرية والتكنولوجيا وأمسينا نفتقد لمبدأ الاجتماعية والتواصل مع بعضنا البعض وهذا الأمر محزن، ففي الماضي كنا نسافر ونلتقط الصور لنا مع ذوينا وأصدقائنا لتبقى ذكرى خالدة، أما اليوم فالابتسامة مصطنعة نلتقطها لأنفسنا وجميع صورنا بمفردنا، وهذا ما جعل العلماء يتنبهون للأمر، فأجروا أبحاثهم وتوصلوا إلى أن هذه الحالة مرضية أطلقوا عليها اسم «سيلفيتي».
صورة «السيلفي» جميلة ولكنى تبقى الصورة الجماعية أجمل لأنها تظهر اللحظة الحقيقية التي نتشاركها مع الآخرين، فالاستقلالية جميلة ولكن مفهوم السفر بني على مبدأ المشاركة فيا ليته يعود إلى ما كان عليه في السابق.