هل ما تعرضت له مصر الأيام القليلة الماضية هو جزء من كل يراد به الانتقام منها ومعاقبتها على ما أقدمت عليه في المحافل الدولية مؤخراً؟
الاعتداء الإرهابي الآثم على بعض المصلين الأقباط صباح الجمعة الماضي، لا يختلف كثيراً عن اعتداءات إرهابية كثيرة تعرضت لها المحروسة خلال الأشهر القليلة الماضية، فقد سقط ضحايا داخل المساجد والكنائس وفي الكمائن الأمنية، وعلى الدروب والطرقات، غير أن العزف سيئ السمعة على أوتار أقباط مصر إنما يراد منه إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد.
الأول هو شق الصف الاجتماعي المصري، وتفكيك النسيج الواحد للمصريين، والثاني استخدام الأقباط أنفسهم كورقة تلاعب دولي للضغط على مصر من الخارج.
لكن ما تقدم مردود عليه من خلال فهم المصريين الواعي الذي يفشل المؤامرات الخارجية الخبيثة؛ فالمصريون عن بكرة أبيهم يدركون أن مصر هي المستهدفة، وأنها كانت وستبقى حاضنة للجميع، دون تفرقة أو عنصرية، وأن الأمر لم يتوقف يوماً عند حدود المسيحيين أو المسلمين، فقد عاش اليهود في مصر أجمل عقود حياتهم، وما الخلاف إلا من تحت رأس الصهيونية كمنطلق آيديولوجي سقيم.
خلال الدقائق العشر التي استغرقها حادث حلوان تبدت مصر بمسلميها ووجهها المشرق في دفاعها عن أقباطها، وفوجئ الجيران بإمام مسجد مقابل للكنيسة المستهدفة ينادي بأعلى صوته، بعد أن قطع صلاة الجمعية، مطالباً بحماية المصلين الأقباط والتصدي للإرهابيين، وقد فعل المصريون ليثبتوا للعالم أن مصر عصية على الإرهاب، وأن الإرهابيين لا مكان لهم مهما بدا خلاف ذلك، ولذا هجموا على الجاني المسلح بصدورهم العارية هجمة رجل واحد، في مشهد مقاومة شعبوي، وقبل أن تصل قوات الشرطة، وبعد أن ضحى أمين الشرطة المسلم المكلف حماية الكنيسة بحياته ذوداً عن الأقباط.
من يقف وراء تلك الجماعات الإرهابية؛ داعشية أم قاعدية؟ لا يهم الاسم. الجواب يعود بنا إلى الدائرة الشيطانية نفسها التي استغلت ولا تزال جماعات الإسلام السياسي بداية كواجهة لها لتنفيذ مخططات الخراب والدمار للعالم العربي، وفي الوقت ذاته لا تزال تستغل الأجنحة المسلحة لتلك الجماعات لتنفيذ ما عجزت عن الوصول إليه.
يعن لنا أن نتساءل هل المراد هو إسقاط الدولة المصرية بأكثر من أي غرض آخر ولهذا نرى البحث عن «البطن الرخوة» ومحاولة إحداث الوجع المصري بها؟
منذ 30 يونيو (حزيران) 2013، أي الثورة التي أفشلت أكبر خطة لمسخ المنطقة العربية، والضربات تتوالى على مصر متغيرة ألوانها وأشكالها، من الداخل تارة ومن الخارج تارة أخرى، ومع اقتراب أعياد الأقباط يعاود الظالمون الكرة، ليسقط الضحايا من الأقباط، غير أن صوت البقية الباقية تهتف في نفس واحد لا يتعدل ولا يتبدل رغم الألم والدماء والدموع «تحيا مصر».
يستلفت النظر في الاعتداء الأخير على الأقباط أنه جاء مواكباً لأمرين؛ الأول الزيارة التي لم تتم لنائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى مصر وقد تردد أنه سيفتح الباب واسعاً لمناقشة شؤون الأقباط وشجونهم، الأمر الذي رفضته الكنيسة القبطية وكبار رجالاتها من الإكليروس والعلمانيين.
فيما الثاني له علاقة بعدد من نواب الكونغرس الأميركي الذين يستعدون لتقديم مشروع يتصل بأحوال أقباط مصر، ودور عبادتهم وممارستهم لشعائرهم الدينية، الأمر الذي يعد ضرباً من ضروب تجاوز السيادة الوطنية المصرية، وهو ما رفض من عموم المصريين، مسيحيين ومسلمين، وقد أدرك الجميع أن «حماية الأقباط» شعار أميركي زائف، وأداة من أدوات اللعب السياسي.
لم يعد الأمر سراً أن المحروسة باتت في «عين البوغاز» كما يقال، ومحاولات فرض واقع جديد يتصل بصفقات سياسية تدور في أذهان الأميركيين والإسرائيليين يكثر الحديث عنها، ويبدو أن ما لا تقبله مصر طوعاً يراد أن يفرض عليها عبر المؤامرة قسراً.
استهداف مصر يجري على قدم وساق دون تهوين أو تهويل، وما يجري على حدودها الجنوبية يوضح بجلاء أن هناك أنصاراً - آيديولوجياً - لبن غوريون، يمارسون أو يخيل إليهم أنهم يفعلون، خطة شدة الأطراف، من أجل إزعاج مصر، أطراف بعضها يحمل لمصر عداء عقائدياً تاريخياً، والبعض الآخر يحمل أوهاماً لإحياء ممالك تهالكت وفشلت في تحقيق اندماجها في الشمال مع الشركاء الأوروبيين، والآن يسعون للعب أدوار «مسرحية» في الجنوب، في مكايدة سياسية لا تخطئها العين.
المؤسف في المشهد قبول أطراف يظن أنها عربية وشقيقة أن تكون خنجراً في الخاصرة المصرية، وكأنها تتساوق مع حملة السلاح المصوب إلى صدور المصريين.
مهما يكن من أمر الآخرين، فإن المصريين يدركون تمام الإدراك ما يحاك لهم، وأن ما يجري من حوادث تبدو وكأنها متقطعة ليست إلا سيناريو يراد به ما هو أخطر، غير أن «عودة الروح» لمصر هذه الأيام كفيلة بإبطال مشورات «أخيتوفل» كافة، وقد علّمت التجربة بل التجارب المصريين كيف يحافظون على مكتسباتهم الإنسانية والوطنية، كيف يحمون حدود وطنهم بالسهر والعرق والدم إن تطلب الأمر دون اعتداء على أحد أو افتئات على آخر. عظمة مصر الحقيقية التي تقهر أعداءها في شموخها ونبلها، في وحدة شعبها... إنه سر الخلود الذي لا يدركه المرجفون ولا يفهمه الكائدون... جاءت مصر... ثم جاء الزمان... تحيا مصر أمس واليوم وإلى الأبد.
7:44 دقيقه
TT
مصر... مؤامرة أكبر من إرهاب
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة