محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

لا طموح ولا موهبة

إذا شئنا التمحيص، قليلون من أهل السينما في مختلف فروعها يعرفون أكثر من البديهيات عن الأعمال السينمائية التي يقومون بها.
من الكتابة عن السينما إلى كتابة السيناريوهات، ومن التمثيل إلى الإخراج مروراً بكل الصُّعُد الأخرى، هناك رغبة في التماثل مع السينمات الغربية على أساس أنّها الأصل، وبذلك يضع هؤلاء أنفسهم في مرتبة المقلدين.
حتى في السنوات الأولى من عهد السينما العربية سارعنا إلى التقليد. أفلام الكاوبوي صارت أفلام البادية. مشاهد الخناقات والمعارك اليدوية في حانات الغرب الأميركي صارت مشاهد المعارك اليدوية في المقاهي والحانات الشعبية. الحكايات الغرامية ذاتها. القصص البوليسية نفسها والمشكلات أحياناً هي واحدة.
لكن هذا التشابه ليس المشكلة الأولى وليس حكراً على السينما العربية. المشكلة الأهم هي أنّ صانعيها أخذوا من هوليوود، خصوصاً، أسلوب الحكاية والسرد والتقسيم التصنيفي للأفلام (بوليسي، وكوميدي، وعاطفي، وغنائي... إلخ).
بذلك حكموا على الجمهور باكراً بتقديم نمط عربي لما هو في أساسه غربي كبديل وحيد. لاحقاً ما اشتد عزم السينمائيين العرب المختلفين في المبادئ والغايات فقرروا تقديم أفلام أخرى هي في صلبها ليست جماهيرية وبالتالي معرضة، وسط اللامبالاة بها، إلى الغرق.
لولا المهرجانات العربية على اختلاف أحجامها، وكثير منها هو بدوره تقليد للغرب، لما كان للسينما المختلفة عن السائد أي مكان تلجأ إليه لكي تعرض ما لديها على الجمهور المهتم. هل كان من الممكن أن يتلقف مهرجان دبي مئات الأفلام الروائية والتسجيلية الجادة، لولا أنّه يوفر الخامة الصحيحة للعرض، ولديه جوائز تعوّض عدم وجود صالات عارضة إلا فيما ندر؟
رغم ذلك، المشكو منه هذا اليوم ما زال في كثير من النماذج، هو عدم فهم السينما لدرجة الإبداع فيها. غالبية ما نشاهده، على وجهيه التقليدي والبديل، يستعير من السينما الغربية (أوروبية أو أميركية) معالجاته، وأحياناً ما يتجاوز هذه المعالجات إلى التفاصيل.
كثيرون يفشلون حتى في النقل، لكن هناك الفاشلين من دون هم الاستيحاء من الآخر، لأنهم لا يعرفون من السينما سوى الكاميرا المهتزة باليد والشخصية النرجسية في اليد الأخرى. أحدهم خدعهم حين أقنعهم بأن السينما هي التعبير عن الذات «فاصنعوا أفلامكم لتعبر عن ذاتكم». لكن أحداً لم يسأل «وماذا لو لم تكن ذواتنا صالحة للتعبير عنها؟» ولا سأل: «ماذا عن الموهبة نفسها؟ أليس من الضروري أن أدرس حقيقة السينما ولغاتها ومفرداتها؟».
الغالب أنه لو سأل لجاءه الجواب نفياً وبطريقة خطابية أخرى مثل القول إن السينما هي المعالجة الواقعية لمشكلاتنا الحقيقية. هي مرآة عالمنا والمطلوب من المخرج أن يصنع فيلماً يشبهه.
النتيجة واضحة للعيان: 70 في المائة من الأفلام الجادة لا لزوم لها ولا تفيد أو تغني من جوع.
هناك أفلام كثيرة لمخرجين ينبتون مثل حقول الذرة، لكن أعمالهم لا تنجز قفزة أمامية بل قفزات عمودية يرتفع فيها العمل ويهبط في مكانه. أليس لدى أحد الطموح الكافي ليكون فيلليني عصره؟ برغمان زمانه؟ تاركوفسكي وطنه؟ ترنس مالك فنه؟ أم نحن من الذين نرقص على صوت أقرب دف؟
بدأت بمعاداة التقليد النمطي، وانتهيت للتذكير ببعض العمالقة، لكنني ما زلت أدعو إلى الإبداع فيما نقدمه، وما ذكر من سبق من المبدعين الأصليين إلا من باب تقديم بعض النماذج التي من النافع الاقتداء بها.