حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

القيصرية تبعث من جديد!

الصورة تغني عن ألف كلمة، وكم كانت هذه العبارة حاضرة وبقوة شديدة جداً خلال مشهد نزول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاعدة العسكرية الروسية بسوريا، وطائرته العملاقة تفتح أبوابها، ليهبط منها ويستقبله رئيس القاعدة العسكرية الجنرال الروسي، ومن بعده «سُمح» لبشار الأسد بالسلام على بوتين، وحصل المشهد نفسه في وقت مغادرة الرئيس الروسي للقاعدة العسكرية بعد لقاء سريع وضح فيه للعالم مَن يدير الشؤون والأمور في سوريا، وأن كل سوريا بمن فيها رئيس النظام لا تزيد على موظف عند بوتين، بل إن قائد الجيش السوري حضر الاجتماع جالساً في صف الوفد الروسي في رسالة بالغة الأهمية والدلالة على «ولاء» المؤسسة العسكرية السورية العميق لروسيا (على عكس أجهزة الاستخبارات في سوريا التي ولاؤها لإيران في المقام الأول) كما هو معروف.
روسيا باتت هي المسيطر الأول والأهم على الوضع في سوريا وعلى النظام نفسه. ويظهر بوتين اليوم في مظهر رئيس يمكن «الاعتماد» عليه لدى حلفائه، فهو يعود بقوة إلى مصر عن طريق العلاقات العسكرية والاقتصادية والنفطية والسياحية والأمنية. ويفتح لنفسه أمام الأتراك خياراً عسكرياً واقتصادياً جاداً لهم، بعيداً عن المعسكر الغربي الذي توترت علاقاته بقوة مع أنقرة مؤخراً، وهو يقدم نفسه شريكاً موثوقاً للدول الخليجية المنتجة للنفط في اتفاقيات مثالية لزرع الاستقرار في سوق مضطربة ومتذبذبة، وفي الوقت نفسه يقدم نفسه خياراً عسكرياً يمكن الوثوق به، ولديه خيارات استثمارية قوية.
فلاديمير بوتين رجل ليس بالبسيط؛ هو حاكم قوي النفوذ. يحكم بسلطة الاستخبارات والمعلومات والمال والتأثير، ويعلم أنه محاط بأعداء يرغبون في إسقاطه، ولكنه مغرم بفكرة إعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية عبر المال والقوة والفن والثقافة. حرص على استضافة أهم المناسبات مثل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية وكأس العالم لكرة القدم وغيرهما من المناسبات العالمية. أعلن عن ترشحه مجدداً لرئاسة روسيا، مما يعني أن لديه مزيداً من الطموحات الكبرى والبرامج الواعدة والمؤثرة.
الرئيس بوتين لديه نفوذ هائل على القارة الأوروبية، بسبب كونه المورد الأساسي للطاقة إليها، ويعود بقوة في آسيا عبر تعاون مهم جداً مع الصين، ونفوذه المتزايد في الشرق الأوسط يؤكد أن حضوره غير مؤقت. التعامل مع روسيا بوتين هو تعاون مع شخص ذي طموح وزعيم يعتمد عليه ولديه الكلمة والفعل. هو يقدم نموذجاً مختلفاً بديلاً عن الغرب، ولكن يظل بمفرده وليس عبر حكم مؤسسات سيسير على دربه من يأتي بعده.
لعل أكبر المستفيدين في منطقة الشرق الأوسط من فوضى الربيع العربي كان فلاديمير بوتين، فهو اليوم يضحك أخيراً وبيده مفاتيح وخيوط أطراف الكثير من الحلول المؤثرة، واستطاع بحنكة ودهاء أن يقلب الطاولة لصالحه في أكثر من مناسبة مختلفة. بوتين حالة تستحق الدراسة والتأمل والبحث عنها، لأنه يمثل مشهداً صارخاً على الاستغلال السليم للموقف عبر دهاء سياسي استثنائي.
القيصر الروسي يعود مجدداً بشكل جديد، وكأن الثورة التي قامت ضد القيصرية ذات يوم تسمح لها بأن تبعث مجدداً.