جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

جميلة... قليلة الحظ!

لا شك أن الجمال الداخلي هو الأهم، ولكن يبقى الشكل الخارجي الإشارة الأولى التي تنطلق ذبذباتها إلى الآخرين لتتحول إلى كيمياء تقرب أو تبعد البشر.
ولطالما ارتبط الجمال بالمرأة، ولو أن هذا الأمر لا يخدم الجنس اللطيف في جميع الأحيان، عندما يتحول شكل وجمال المرأة إلى سلعة تُشترى وتباع تهمش مضمونها وفكرها وثقافتها.
ففي دراسة أخيرة أُجريت في واشنطن من قبل الجمعية النفسية الأميركية تبين أن الأشخاص الذين حباهم الله بالشكل الحسن قد يلقون معاملة جيدة عند تقديم طلبات العمل، ولكن السحر ينقلب على الساحر عندما يقوم هؤلاء بالتقدُّم لوظائف بسيطة بمدخول متواضع؛ فيتحول الجمال إلى نقمة حقيقية، بحسب الدراسة.
وهذه الدراسة برأيي مبنية على نوع من الصحة، فالجميلة تكون قليلة الحظ في كثير من الأحيان، لأن جمالها يُشعِر المحيطين بها بعدم الارتياح، ولهذا السبب نجد في بعض الأحيان أن الأقل جمالاً يتجمعن في حلقات خاصة بهن في أماكن العمل، وحتى في الأوساط الاجتماعية، في حين أن الأشخاص الأكثر جمالاً لهم حلقاتهم وتجمعاتهم أيضاً.
الجمال يظلم صاحبه أو صاحبته أحياناً، فإذا أخذنا المرأة الجميلة مثالاً؛ فهي تتعب لإثبات وجودها في معترك الحياة، لأن النظرة إليها تُبنى على مظهرها وشكلها، وتثبت لمن هم حولها إمكاناتها، ولكن بعد جهد جهيد.
كما أن المرأة الأكثر جمالاً يخاف أرباب العمل منها، لأنها قد تكون مصدر قلق لهم في المستقبل، والسبب الآخر (بحسب الدراسة) أيضاً أن الجميلة متطلباتها أعلى من حيث الراتب.
وهذه الدراسة إذا ما دَلَّت على شيء؛ فهي تدل على نظرة المجتمع الخاطئة تجاه الأفراد والحكم عليهم من منطلق الشكل، وما توصلت إليه الدراسة هو أن الأشخاص أصحاب الشكل الجميل يبرعون في الوصول إلى المهن المهمة، في حين لا يلتفت إليهم أصحاب القرار لمنحهم وظائف بسيطة وعادية.
لا يمكن لأحد أن يُنكِر أن النظرة الأولى تتمحور حول الشكل والهندام، وبعدها تتبلور الصورة وتظهر علامات الشخصية التي تدمر أو تعمر صورة الجمال وتكملها أو تحطمها؛ فالشكل الخارجي من دون شخصية محببة وقوية (باتّزان) ليس بجمال، لأن الروح الداخلية لا يمكن إخفاؤها، وبعد فترة نتعدى مرحلة الشكل ونركز على المضمون.
في ظل ما يحدث من فضائح في أوروبا والولايات المتحدة والحبل على الجرار... ملف المرأة وتعرضها للتحرش عاد يطفو إلى السطح؛ فعدنا أدراجنا إلى فترة الخمسينات والستينات والسبعينات، وتناسينا وضع المرأة التي تتبوأ اليوم أهم المناصب السياسية والاجتماعية.
الله جميل يحب الجمال، ولكنه لا يرضى بالحكم على صاحبه بمجرد النظر إليه؛ فالشكل الحسن بالنسبة للجنسين شيء إيجابي، ولكن يجب ألا يرتبط بالعمل، إلا في حالات محددة؛ عندما تتطلب الوظيفة شكلاً محبباً يريح العين، وصوتاً يُطرِب الأذن، وأعتقد أنكم استنتجتم بأنني أتكلم عن العمل التلفزيوني، ولكن هذا لا يعني أن الجمال مفتاح نجاح المذيع أو المذيعة، وليس من الضروري أن يكون العمل التلفزيوني حكراً على ملوك وملكات الجمال.
هذه الدراسة عمل عليها عدد كبيرة من أصحاب الشهادات العليا الذين قاموا بإجراء كثير من استقصاءات الرأي على أكثر من 100 شخص، وهذا ما يثبت أن الجمال لا يزال من الأشياء التي تشغل العالم، وأكثر ما يهمهم، في ظل شبكات التواصل الاجتماعي التي عَقَّدت الأمر، وأسهمت في خلق مشكلات إضافية للفوز بلقب الجمال، ولو من خلال صورة زائفة لا تمت بالواقع بصلة.
الجمال يجب ألا يحدد هويتنا، ولا يجوز أن تكون الجميلة قليلة الحظ، لأنها تدفع ضريبة شيء لم تختره.
الجمال بكل أشكاله جميل فلا تحكموا عليه بالإعدام!