د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

هل استعد المغاربة لمحاربة الدواعش؟

بعد سنوات من الكر والفر ومحاربة ما يسمى تنظيم «داعش»، تأكد أن هذا التنظيم الإرهابي الذي لطالما وصفناه بالأخطبوط قد هُزم ويمكن الحديث بثقة عن نهاية هذا التنظيم السرطاني في منطقة الشرق الأوسط.
والآن يمكن بناء أفق شرق أوسطي جديد وفق أطراف واضحة على الأقل، ومهما كان الخلاف والصراع كبيراً؛ ذلك أن تنظيم داعش الذي نجح في تسويق نفسه تنظيماً لا مهرب من جرائمه ولا مستقبل إلا للدولة التي ينوي إقامتها بالقوة والكراهية، والتعصب والقطيعة مع الحاضر والعصر، قد تم إخراجه بشق الأنفس من معادلات الصراع وتكتيكه.
بلغة أخرى، كابوس «داعش» انقشع أو في خطواته الأخيرة من طرده نهائياً من الشرق الأوسط، التي مثل في السنوات الأخيرة عنوان أزمتها الأولى، وجعل من القضية المركز المتعلقة بفلسطين في مرتبة ثانوية.
السؤال اليوم: هل انتهى أمر تنظيم داعش نهائياً من الفضاء العربي ككل، أم أنه أخطبوطي وهيأ نفسه لسيناريو الطرد والهزيمة في الشرق الأوسط؟
يبدو لي، واستناداً إلى منطق الأشياء، أن تنظيم داعش كان من أكثر الأطراف علماً ودراية وثقة بأنه سيخرج من منطقة الشرق الأوسط مهزوماً، وأنه يقوم بدور تعطيل العالم العربي واستغلال مشاكله واستدراجه نحو الخلف والتراجع والتخلف. لذلك؛ أعد سيناريو منذ سنوات يتعلق بالمغرب العربي وبما سمته بعض التقارير المعلوماتية الأمنية الغربية تأسيس تنظيم «دامس» في منطقة المغرب العربي، محذرة من انتقال تنظيم داعش إلى ليبيا حتى أن مصدراً أمنياً من المنطقة المغاربية قال آنذاك إن مسألة الانتقال مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
كما تناقلت تقارير استخباراتية غربية علاقات إيجابية بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي. بل إن الأهم من كل هذه التفاصيل والمعلومات المهمة، أن المغاربة يشكلون عدداً مهماً مقارنة ببقية الجنسيات المنتمية له، ووصلت أخبار كثيرة تسرد بسالة التونسيين مثلاً في القتال، وفي ممارسة أقسى درجات العنف.
بمعنى آخر، فإن المغرب العربي والبلدان الأفريقية بشكل عام لم تكن مقطوعة الصلة بتنظيم داعش منذ نشأته، وذلك من خلال صلات متنوعة وروابط مختلفة الشكل والمعنى، الأمر الذي يرجح بقوة سيناريو فرار فلول «داعش» من الشرق الأوسط إلى ليبيا ومصر، وغيرهما.
كما أن الأحداث الدامية التي عرفها الصومال خلال الشهر الحالي نعتقد أنها تصب في سؤالنا، والمخاوف التي يطرحها هذا السؤال ونقصد حادثة انفجار شاحنة مفخخة منذ أقل من أسبوعين، التي أودت بحياة المئات، مع العلم أنه يوجد في الصومال - كما نعلم - ثاني أكبر قاعدة للجيش التركي. أيضاً، نشير إلى حادثة الواحات في مصر وتبني حركة «حسم» الإخوانية مسؤوليتها عن ذلك...
أظن أن هذه التفاصيل المتناثرة هنا وهناك في الجغرافيا ليست فارغة من الرسائل التي لا تزال إلى الآن في طورها المشفر. ومما يقوي من هذا التفكير أن الوضع في مصر وليبيا وحتى تونس، مع اختلافات نسبية، يتسم بالهشاشة. وتعد ليبيا حاضنة للتطرف، ولا يخفى أن الخلافات في ليبيا لا تزال قائمة رغم رسائل الطمأنة التي بعثت بها اجتماعات مجلس الدولة والنواب الليبيين في تونس مؤخراً، حيث لا تزال هناك نقاط خلافية كبرى، من ضمنها المادة الثامنة التي تمنح حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج سلطة تعيين قائد القوات المسلحة والعمل تحت سيطرته، وهو ما لا يوافق عليه المشير خليفة حفتر قائد القوات المنبثقة عن مجلس النواب. وقد وعد المبعوث الأممي غسان سلامة إلى طرابلس بحذف المادة الثامنة محل الخلاف الكبير.
لكن، بشكل عام، نحن أمام مناطق رخوة يسهل اختراقها وهي مخترقة أصلاً ومنذ سنوات وبشكل متفاوت في الحجم والحدّة. كما لا تفوتنا أن المشكلات الاقتصادية وضعف الدولة في أكثر من بلد أفريقي ومغاربي يجعل من الفضاء الأفريقي المغاربي لقمة سهلة لفلول الدواعش الذين ينوون استثمار حالات الإنهاك التي مهدت لها التنظيمات الراديكالية المتشددة منذ تاريخ ثورة تونس إلى اليوم، ومحاولة إقامة الدولة الإسلامية الدموية التي فشلوا في تأسيسها في بلاد العراق والشام.
السؤال الأكثر أهمية حالياً هو «إلى أي مدى يمكن الوثوق بيقظة دول المغرب العربي إزاء هذه الأخطار وللإمكانية القوية لانتقال مشروع تنظيم داعش إلى ليبيا ومنه إلى تونس؟». حذرت صحيفة «ديلي بيست» الأميركية في شهر أبريل (نيسان) 2015 من انتقال تنظيم داعش للتمركز في تونس؛ إذ ذكر تقرير الصحيفة أن التنظيم أطلق حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر صوراً ومنشورات ومقاطع مصورة لمقاتليه التابعين له في تونس، إضافة إلى دعوته التونسيين إلى الانضمام له)، وأيضاً إلى مصر وتحويل العلاقات الحدودية من كونها معابر اتصال سهلة إلى معابر توسع للأخطبوط الداعشي.
أيضاً، نتساءل عن التعاون المعلوماتي الاستخباراتي في المنطقة، وما إذا كان هناك شعور مغاربي حقيقي بوحدة الخطر؟
إن الحرب على «دامس» تبدأ الآن وتتمثل الجولة الأولى الأكثر أهمية استراتيجية دفاعية في معالجة الخلافات السياسية في ليبيا؛ فهي بوابة الدواعش و«عاصمتهم المغاربية» إذا تمكنوا من معاودة جريمتهم.