ليونيد بيرشيدسكي
TT

لماذا ألمانيا أفضل في مقاومة الأخبار المكذوبة؟

تتحدد انتخابات العصر الحديث تبعاً لفريقين: الأول فريق من يثقون بوسائل الإعلام التقليدية، والثاني فريق من يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي بديلاً يقدم أخباراً مكذوبة في أغلب الأحيان. وفي الوقت الذي يخيّم فيه انتشار مواقع التواصل الاجتماعي على طبيعة الصراع في الولايات المتحدة الأميركية، تعد ألمانيا نموذجاً للمجتمع الذي رُسمت فيه حدود ووُضعت فيه نقاط المعركة بوضوح.
أوضحت دراسات عديدة في الولايات المتحدة أن الديمقراطيين يثقون بوسائل الإعلام التقليدية أكثر مما يثق بها الجمهوريون، وهذا أمر منطقي. مع ذلك يمر جزء كبير من الاستهلاك الإعلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى حد يصبح معه من غير المجدي السؤال عن الفريق الذي يثق بها أكثر من غيره. حسب استطلاع رأي أجرته شركة «إبسوس» في يونيو (حزيران) 2017، فقد فاق عدد الديمقراطيين عدد الجمهوريين فيما يتعلق بالثقة بمواقع التواصل الاجتماعي. وحسب استطلاع الرأي نفسه، يعد «فيسبوك» هو المصدر الرئيسي للأخبار بالنسبة إلى الديمقراطيين، والثاني بالنسبة إلى الجمهوريين بعد المحطات التلفزيونية.
ولكن وضع ألمانيا مختلف عن ذلك، حيث لا يتابع سوى 26 في المائة فقط من الألمان -أي نحو نصف المستوى في الولايات المتحدة الأميركية- الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كذلك يتجه أكثر من نصف متابعي الأخبار مباشرة نحو المواقع الإلكترونية للجهات المقدمة للأخبار المفضلة لديهم.
مع ذلك يوضح تقرير حديث عن الأخبار المكذوبة خلال الفترة السابقة للانتخابات البرلمانية التي أجريت الشهر الماضي أصدره مركز الأبحاث «شتيفتنغ نيو فيرانتفورتنغ»، في برلين، الذي تابع الظاهرة منذ الأيام الأولى للحملة الانتخابية، أن الناخبين الذين صوّتوا لصالح «حزب البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، وهو مثل الجمهوريين في الولايات المتحدة، أقل ثقة بوسائل الإعلام التقليدية، مقارنةً بالألمانيين الآخرين، خصوصاً أصحاب الفكر السياسي الليبرالي.
لقد كانت مواقع التواصل الاجتماعي هي المصدر الأهم للمعلومات الخاصة بالانتخابات بالنسبة إلى نحو 6 في المائة من إجمالي عدد الألمان، لكن بالنسبة إلى 16 في المائة من الذين صوّتوا لصالح حزب «البديل من أجل ألمانيا». وكان الناخبون، الذين ينتمون إلى تيار اليمين المتطرف، أقل استهلاكاً للأخبار التي يتم الحصول عليها من المصادر التقليدية مثل التلفزيون، والإنترنت، والصحف التقليدية مقارنةً بغيرهم.
بسبب هذا النمط الاستهلاكي، حصل أولئك المصوتون على قدر أكبر من الأخبار المكذوبة. ربما لأنهم تجاهلوا مصادر الأخبار الأخرى، اتجهوا إلى تصديق تلك الأخبار.
على سبيل المثال كانوا أكثر ميلاً إلى تصديق أن الحكومة الألمانية تدفع المال للاجئين للحصول على رخص قيادة، وأن أسقفاً ينتمي إلى مدرسة لوثر قال في خطاب له إن كل الألمان نازيون، أو إن اللاجئين القادمين من ولاية ألمانية محددة، كثيراً ما يذهبون إلى دولهم الأم في إجازات.
ألمانيا أقل إصابة بفيروس مواقع التواصل الاجتماعي، ومتأخرة كثيراً في تطور وسائل الإعلام اليمينية مثل «بريتبارت»، و«فوكس نيوز»، بفضل القوانين المفعّلة جيداً والخاصة بالخطابات التي تحضّ على الكراهية، لذا تصلح لأن تكون مجموعة معيارية بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية. من الأسهل هنا تتبع الدور الكبير الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في تقديم الأخبار المتنوعة للأشخاص الذين لا يثقون بالصحافيين المحترفين.
يحدث مثل هذا في الولايات المتحدة، لكنه ليس واضحاً بهذا القدر في البيانات. وقد أوضح تحليل حديث صادر عن «بي سي وورلد» أن «فيسبوك» يقدم إلى مؤيدي دونالد ترمب قدراً أكبر من الأخبار المكذوبة، والتضليل الحزبي مما يقدمه إلى الديمقراطيين. تم ضبط لوغاريتمات الإخطارات بالأخبار على «فيسبوك» لتلبية الطلب، وهذا هو ما تقوم به، وهو تقديم البديل إلى من يريده.
لهذا السبب تعد مواقع التواصل الاجتماعي العدو الطبيعي للأحزاب السياسية الليبرالية، وتلك التي تنتمي إلى تيار الوسط، والتي تتداخل برامجها وتشتبك مع الصحافيين المحترفين. قد يكون هذا التحيز الوسطي مشكلة أيضاً، وقد يعني إصلاحه في ألمانيا، على سبيل المثال، منح مساحة أكبر لمشكلات دمج المهاجرين المسلمين، وهو ما لا يحب المحررون فعله، خوفاً من الانتقام من القادمين الجدد.
إجمالاً من المرجح أن يمثل صعود مواقع التواصل الاجتماعي في السوق المحرومة من روايات تيار اليمين، مشكلة كبرى بسبب فقدان السيطرة التحريرية، حتى تلك التي تمارسها «فوكس نيوز»، وغيرها من وسائل الإعلام اليمينية الأميركية الأخرى. حين يتعلق الأمر بالأخبار، فقد يكون غياب المسؤولية والقيود أمراً خطيراً. تتقدم ألمانيا على الولايات المتحدة في تنظيم مواقع التواصل الاجتماعي؛ فعلى سبيل المثال تلزمها بمحو أي خطاب يحضّ على الكراهية سريعاً، وإلا سيتم فرض غرامة مالية كبيرة عليها، وذلك لأن المؤسسة السياسية الوسطية لا تريد أن تواجه مصير نظيراتها من المؤسسات الأميركية. بعد النتيجة التي حققها حزب «البديل من أجل ألمانيا» في الانتخابات، التي أجريت الشهر الماضي، ينبغي انتظار اتخاذ الحكومة مزيداً من الخطوات للحد من الخطر القادم من «فيسبوك» والمواقع الشبيهة.

*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»