طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«مالمو» تتكلم عربي

للموسيقار الشيخ سيد مكاوي أغنية شهيرة يردِّدها بصوته، وهي «الأرض بتتكلم عربي»، التي وضع فيها مؤلفها شاعر العامية الكبير فؤاد حداد، اللغة وجهاً آخر للهوية.
وهكذا وجدتُ أمامي في مدينة «مالمو» بالسويد الأفلام، وأيضاً الأغلبية من الضيوف، تتحدث العربية، بدأ مهرجان «مالمو» للسينما في نسخته الأولى عام 2011، رافعاً شعار «العربية».
المخرج والمنتج الفلسطيني الأصل - السويدي الجنسية محمد قبلاوي كان صاحب المبادرة في إقامة هذا المهرجان، الذي واكب ثورات الربيع العربي، التي يحاول البعض الآن وصفها بـ«الخريف الحزين»، التقط فكرة إلقاء الضوء على الواقع العربي، من خلال أكثر الفنون جماهيرية وهى السينما، في وقت شهد فيه العالم كيف أن الشباب العربي انتفض ثائراً ليقتنص حريته، وكأن المهرجان قد جاء في موعده بالضبط مع الحراك السياسي والاجتماعي العربي.
في الطبعة السابعة للمهرجان تتعدد اللهجات... مصري، وشامي، وخليجي ومغاربي، وتتباين الأفلام التي تستطيع من خلالها أن ترصد بالضبط أين نقف إبداعيّاً كعالم عربي، من المهم أن تُطل على المشهد بزاوية رؤية مختلفة من مدينة مالمو جنوب السويد.
بعض المهرجانات العربية تعتقد أن الطريق للعالمية يبدأ باستبدال الإنجليزية باللغة العربية، وهي بالقطع تضل الطريق، حيث ترسل أخبارها وتقيم ندواتها وتطبع منشوراتها ولا تستخدم سوى الإنجليزية، وتتعمد أن تنسى حتى الترجمة للعربية، المنطقي أن يُعلن كل مهرجان عن هويته ومنذ لحظة الميلاد بلغة البلد فهذا الذي يمنحه مذاقاً وطعماً.
عندما نحضر أي مهرجان عالمي نجد أن لغة الدولة المضيف في الصدارة، في «كان» الفرنسية، و«برلين» الألمانية، و«فينيسيا» الإيطالية، و«سان سباستيان» الإسبانية وهكذا.
عدد من الندوات حضرتها في «كان»، كانوا أحياناً يغفلون حتى الترجمة من الفرنسية للإنجليزية، وهو قطعاً خطأ، إلا أنه يدل على أن اللغة الأم في المهرجان تكفي، ليت عدداً من المهرجانات العربية تعتز أكثر بلغة الضاد.
في المهرجان لغة إضافية. إنها المال والاقتصاد، وهي التي تضمن للفعاليات استمرارها، هكذا تتعدد الأسواق بهدف إنتاج الأفلام، ونتابع منتجين وموزعين، كل منهم لديه فكرة وهدف يبحث عن المشروع الذي يحقق أهدافه، فيلم افتتاح هذه الدورة «على كف عفريت» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، كان مشروعاً في الدورة الماضية أسهم فيه «مالمو»، وحصل على منحة وأثبت جدارته وعُرض في مهرجان «كان» الدورة الماضية، في قسم «نظرة ما»، وهو الآن ينافس على الجوائز مع عدد من الأفلام العربية الأخرى المميزة.
استطاع المهرجان أن يجذب الكثير من الجاليات العربية، في مدينة مالمو، حتى إنهم أطلقوا على مقهى هناك اسم «أم كلثوم»، بما يحمله من اعتزاز بصوت «الست» سيدة الغناء العربي، وكما كانوا يرددون في الماضي: «اختلف العرب في كل شيء، واتفقوا فقط على صوت أم كلثوم»، حتى في السويد كانت أم كلثوم قادرة على تجميع العرب.
الخصوصية لا تنفي أبداً الانفتاح على كل الثقافات والدائرة تتسع لكل الجنسيات التي من الممكن أن تجد في الفيلم العربي هدفاً لها. مهرجان «مالمو» يحمل في جيناته قدرة على النمو، فهو ينطلق من دورة إلى أخرى إلى آفاق أرحب وسماء أبعد، مؤكداً في كل مرة أن «مالمو»... تتكلم عربي.