محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الوقوف على أكتاف العمالقة

كلما تجولت في ركن السير الذاتية أو التراجم في المكتبات تساءلت لم لا يكون هناك ركن للعمالقة الذين وقف هؤلاء الأعلام على أكتافهم؟ فمن وراء سر صنعة الأهرام الشامخة في مصر، ومدائن صالح في السعودية، وأروع المنتجات والخدمات، والمباني العصرية والأجهزة التكنولوجية البديعة بين أيدينا؟ لا بد أن من بين أفراد فريق العمل شخصاً كان يطلق عليه بلغة «البزنس» mentor أو «المرشد والموجه» الذي يعتبره من حوله قدوة تبدي استعداداً لمساعدة الناس في تطوير قدراتهم والنهل من علمه ومهاراته التي لا تضاهيها مهارات زملائه.
هذا المرشد أو ما نسميه مجازاً بلغة «السيراميك والشاورما»: «المعلّم» الذي أبدع صنعته يصبح لاحقاً وجهة يقصدها القاصي والداني. لكننا مع الأسف نتسرع في إحالة أبرز هؤلاء المتفانين إلى التقاعد بحجة تجاوز السن القانونية وإفساح المجال للجيل الجديد، وننسى أن ذلك الجيل يحتاج لمرشد يأخذ بيده إلى طريق التألق. والمفارقة أننا نلتزم بحذافير القانون عند إحالة هؤلاء للتقاعد ونتناسى أننا يمكن أن نعينهم على بند المكافآت إن كان علمهم ما زال صالحاً للجيل الجديد. و«المنتور» أو المرشد قد يكون صغيراً في السن، فالإرشاد والتوجيه ليس له علاقة بالعمر لأنه مرتبط بمدى عمق دراية الفرد بعمله مقارنة بمن حوله. وعادة لا يختلف المنصفون على من يستحق لقب «المنتور» (المرشد)، فلا يتجاهله سوى مكابر أو حاقد.
حينما يقضي شخص جل مسيرته الوظيفية ولم يقابل شخصاً يستحق لقب «المنتور» أو الموجه الفذ الذي يشار إليه ببنان الإعجاب، فحتماً هناك مشكلة حقيقية في كل الجهات التي عمل بها. فهي قد تكون بيئة طاردة للكفاءات بعدم تقديرها المادي أو المعنوي لهؤلاء الذين يبهرون من حولهم بقوة علمهم.
كما أننا لا نرى مرشداً حقاً بيننا لأن هذا العَلَم ربما لم يجد وظيفة تلبي شغفه بالعلوم أو الرياضيات أو الفنون أو الأدب أو البحث العلمي (سر تقدم الشعوب) فيضطر للعمل مسؤولاً مغموراً في دائرة حكومية، مثلما فعل الأديب نجيب محفوظ في إحدى الوزارات. ولو أنه تفرغ للكتابة التي توجته بجائزة نوبل كأول عربي ينالها لربما وجد متسعاً من الوقت ليكون معلماً لغيره. لكن الوظيفة تأكل نصف يوم المبدعين، كما قال. ذلك أنهم يضطرون إلى تعويض نشاطهم الإبداعي على حساب الأولويات الأخرى منها إرشاد من حولهم لينطلقوا بسرعة أكبر في مضمار العمل والتنافس.
وهذا ما فعله أبرز المعلمين في التاريخ المعلم «سنان» الذي بنى أشهر وأكبر وأبدع مساجد إسطنبول في «القرون الوسطى»، فصارت حتى عصرنا شاهداً شامخاً على إبداعه. وهو يعتبر بمنزلة فيليبو برونليسكي في عصر النهضة ثم سار على هداهما جيش من المعماريين.
وهذا يعني أن علمنا هو حجر في جدار من علمونا. ولهذا فإن موقع غوغل سكولر المتخصص في الأبحاث العلمية يتخذ من مقولة «الوقوف على أكتاف العمالة» شعاراً له ليذكر كل زائر بأنك مهما تعلمت فإنك لا تحاول سوى الوقوف على أكتاف العمالقة من قبلك.