معد فياض
كاتب وصحافي عراقي مقيم في لندن يعمل في "الشرق الأوسط" مند 1988
TT

نتائج الانتخابات العراقية بين الأرنب والغزال!

المثل العراقي الشائع يقول: «تريد غزال، خذ أرنب.. تريد أرنب، خذ أرنب». نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية جرت وفق هذا المثل، وتطبيقا لمبدئه تماما. نوري المالكي، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، وزعيم ائتلاف دولة القانون الذي رفع منذ الانتخابات الماضية التي جرت في 2010 شعار «ما ننطيها»، ويعني السلطة، أكد عندما وضع صوته في صندوق الاقتراع بفندق الرشيد صباح يوم 30 من الشهر الماضي، وبلغة الواثق: «ائتلاف دولة القانون هو الفائز»، ولم يقل مثلا نتوقع أو إن شاء الله أو نتمنى، بل قالها وكأنه يعلن عن خبر يقين، هو ذات اليقين الذي تأكد من فوزه مقدما وقبل إجراء الانتخابات أو إعلان النتائج، وبالفعل جاءت الرياح بما تشتهي سفن المالكي وحقق فوزا من المستحيل أن يتحقق في عراق فيه مكونات دينية ومذهبية وقومية إذا انحازت إلى ممثليها فلن تأتي بالنتائج التي حصل عليها رئيس الحكومة المنتهية ولايته.
قبيل الانتخابات وزع المالكي عشرات أو المئات من قطع الأراضي على من سماهم الفقراء، جرى الكشف فيما بعد عن أن هذه القطع ليست موجودة على خريطة العراق، ربما في الفضاء الخارجي، وجرى توزيع مئات الملايين من الدولارات من خزينة الدولة، طبعا على مرشحين وناخبين، وجرى تعيين الآلاف في القوات الأمنية للحصول على بطاقات الناخبين الإلكترونية، حتى الآن لم ترفع طلبات تعيينهم للجهات المسؤولة، بما يعني أن تعييناتهم جرت لأغراض انتخابية ليس إلا. وأيضا قبيل الانتخابات جرى فتح سدة الفلوجة على المدن السنية وإغراقها وتطويق مدينة الفلوجة عسكريا ومنع الناخبين من الوصول إلى صناديق الاقتراع في البلدات والأحياء السنية داخل وخارج بغداد وفي ديالي وكركوك وقصف بعض مراكز الانتخابات في صلاح الدين.
أي ديمقراطية هذه؟ وأي انتخابات تلك؟ فقد جرى العثور على صناديق اقتراع مرمية على حافات الطرق الخارجية، إذ استبدلت بصناديق أخرى، وإلا كيف يمكن تفسير انتخاب 80 في المائة من سكان مناطق حزام بغداد وكلهم من العرب السنة للمالكي الذي اضطهدهم وسجن أبناءهم وهجرهم؟ كما سيطرت قوات «سوات»، وهي ميليشيات حكومية تابعة لمكتب المالكي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، على مراكز انتخابية وحاصرت حتى إعلان النتائج مركز الفرز والعد الرئيس في معرض بغداد الدولي وسط العاصمة العراقية، وقبل هذا وذاك فإن تعيين أمناء المفوضية (المستقلة) للانتخابات جرى بإشراف من مكتب رئيس الحكومة (المالكي)، وهذه المفوضية أبعدت أسماء مرشحين بتهم واهية من قبيل «التطاول على رئيس الوزراء بتصريحات إعلامية»، ثم اللعبة المفضوحة الأخيرة وهي تأخير إعلان نتائج الانتخابات للتأكد من أن الناخب العراقي سيحصل على أرنب، سواء أراد الغزال أم الأرنب.
النتائج جاءت وفق ما خطط لها المالكي وليس وفق ما أراده الناخب العراقي الذي رفع شعار التغيير، إذ كيف لنا أن نتخيل أن مناطق سكانها من العرب السنة فاز فيها المالكي وخسر فيها مرشحون من العرب السنة؟ وكيف لنا أن نتخيل حصول من تظاهر ضده العراقيون على مدى أربع سنوات واتهامه مع حكومته بالفساد المالي وفشله في معالجة ملفات الأمن والخدمات والاقتصاد على 700 ألف صوت و25 مقعدا برلمانيا؟ أنا لست ممن يلومون العراقيين باعتبارهم انتخبوا الفاسدين أو من خذلهم، بل أنا مع الرأي الذي يؤكد حصول تزوير كبير لأصوات المقترعين وتلاعب في إرادة الناخب العراقي من أجل أن يبقى المالكي لولاية ثالثة ومثلما أراد وقرر، وهذا يعني أربع سنوات أخرى من تراجع العراق واستمرار القتل اليومي والفساد المالي وخراب البلد، هذا على المستوى الداخلي، أما على مستوى العلاقات الخارجية فالعراق لا تربطه أي علاقات طيبة مع دول العالم باستثناء إيران المتحكمة في الملف العراقي إلى درجة أن طهران هي من تقرر من سيكون رئيس الحكومة المقبلة مثلما قررت في الانتخابات الماضية وفوتت على الناخب العراقي فرصته في أن يقود العراق من اختاره العراقيون عندما فاز ائتلاف «العراقية» بزعامة إياد علاوي الذي وضعت إيران خطا أحمر عليه بسبب مواقفه الوطنية والقومية.
العراقيون اليوم متشائمون في أن يتغير أي شيء نحو الأفضل، فالحكومة القادمة لن تتشكل بسهولة بسبب الصراعات على منصب رئيس الحكومة بين الأحزاب الشيعية نفسها المكونة للتحالف الوطني (المجلس والتيار الصدري ودولة القانون)، مع إصرارهم على ألا يخرج هذا المنصب من البيت الشيعي، وهذا يعني فقدان الأمل باختيار شخصية وطنية يتفق عليها مثل علاوي أو برهم صالح أو نيجيرفان بارزاني أو أي شخصية عراقية مهما كانت قوميتها أو دينها أو مذهبها مثلما يؤكد الدستور، والمالكي صاحب نظرية «ما ننطيها» سيكرس نفسه ديكتاتورا جديدا والحاكم بأمره باعتباره القائد العام للقوات المسلحة ورئيس السلطة التنفيذية والمتحكم بأموال ومصير العراق.
يبقى ثمة أمل واحد، وهو إصرار القوى السياسية العراقية بمختلف انتماءاتها القومية والدينية والمذهبية على التغيير، وإن تتكاتف من أجل ألا تسمح بنهج السيطرة على السلطة أن يتكرر، وألا يتجاوز حكم المالكي إلى الولاية الثالثة، وأن يحترموا إرادة الناخب العراقي الذي سعى إلى تغيير الوجوه والسياسات لإنقاذ وضعه وبلده، وأن يكون من حق أي عراقي أن يأخذ ما يريد، سواء كان غزالا أم أرنبا.