في العمق: تحقيقات وقضايا
لا يمكن لمن يتابع الأوضاع في بريطانيا والأزمات التي تتخبط بها هذه الأيام، أن يتساءل: هل أصبحت تلك الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس عاجزة عن إنتاج شخصية مثل تشرشل الذي لمع في قيادة تلك الإمبراطورية التي امتد استعمارها إلى الهند، وشمال وجنوب أفريقيا، ونيجيريا، وآسيا، والشرق الأوسط؟ ربما من المفيد تذكير الذين يتولون القيادة في بريطانيا، وربما تعريف الأجيال الجديدة في بريطانيا وغيرها من الدول، بتلك الشخصية التي تشعبت ميزاتها في عدة اتجاهات متجانسة أحياناً ومتناقضة أحياناً أخرى.
بعد أن فتح كارل ماركس طريق النقد من خلال إعلانه موت الفلسفة كممارسة تأملية، وبعد أن حاول فهم التاريخ باعتباره يقوم على عدة مستويات، اقتصادية وسياسية وآيديولوجية، قاطعاً بذلك مع فكرة التاريخ القائم على أحادية الجوهر، كان يمهد بطريقة غير مباشرة لفلسفة الاختلاف وغياب الواحد. ولقد بدأت إرهاصات فلسفة الاختلاف مع نيتشه بعد أن لاحظ سيطرة إرادة العدم في إرادة القوة التي ليست سوى إرادة القوى الفاعلة والارتكاسية المتصارعة في عملية الصيرورة والتي تشكل مصادر وظهورات الكينونة. وبما أن القوة هي التي تريد، فإن انتصار إحدى القوى على القوى الأخرى يحدد مسار صيرورة الإنسان في الكينونة.
في معظم الوظائف والمهن، إذا فعلت شيئاً ولم تحقق النجاح، يعتبر رؤساؤك في العمل ذلك أمراً سيئاً، وقد يتم طردك من العمل. لكن هذا بالتأكيد ليس قراراً سليماً. فليس كل جهد يبذله الإنسان ينتهي بتحقيق النجاح بالضرورة. بعبارة أخرى، الفشل أمر لا مفر منه في جميع جوانب الحياة تقريباً. ونظراً لأن التطلعات والجهود المبذولة في أي عمل تنتج عنها دائماً توقعات بالنجاح، فإن الإخفاقات قد تفتح أبواب البؤس في حياة أي شخص. ومع ذلك، فإن كراهية الفشل من شأنها أن تجعلنا نغفل جانباً مهماً من الصورة الكاملة لحقيقة الحياة البشرية.
«بدلاً من أن يكون التعليم العامل الممكّن العظيم، فإنه الآن يتحوّل بسرعة إلى الفاصل العظيم. يتمتع الأثرياء بإمكانية الوصول إلى أفضل الموارد والمدارس والجامعات، مما يمكّنهم من الحصول على أفضل الوظائف، بينما يواجه الفقراء، وخصوصاً الفتيات، عقبات كبيرة في الحصول على المؤهلات التي تمكّنهم من تغيير حياتهم»، على حدّ تنبيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. يعرّف البنك الدولي التعليم بأنه «حق من حقوق الإنسان ومحرك قوي للتنمية وأحد أقوى أدوات الحد من الفقر وتحسين الصحة والمساواة بين الجنسين والسلام والاستقرار.
لطالما طُرح هذا السؤال في التسعينات، بصورة مكثفة لم تكن موجودة من قبل: من هو المرشد الأعلى للصحوة (الإسلامية)؟ كنا نتساءل صادقين عن المرجعية. عندنا في السعودية، كان يقال إن سلمان العودة وسفر الحوالي هما من قام بهذه الوظيفة. إلا أن هذا الجواب يرد عليه أن في كل قطر عربي هناك أسماء تقوم بنفس مهمة الحوالي والعودة. كل هؤلاء في دائرة واحدة، مجرد بيادق ومرجعيات صغرى.
في مثل هذا الشهر قبل عامين، فوجئ معظم الأميركيين، صباح 6 يناير (كانون الثاني) 2021، بالهجوم على مبنى الكونغرس من قبل بعض الجماعات المتمردة التي رفضت قبول نتيجة الانتخابات الرئاسية.
تَنهج المجتمعات الإنسانيّة النهج الذي يلائم طبيعتها ومناخها وبيئتها، ويستند إلى تصوّراتها وحقائقها واقتناعاتها، ويستلهم مثُلَها ومبادئها وقيَمها. ما كان الغرب غرباً لو نُحت على صورتنا ومثالنا، والشرق شرقاً لو نُسج على منوال الغرب. ليست المشكلة في الاختلاف بين الشرق والغرب، بل في إساءة فهم الحضارتَين. من علامات الإساءة أنّ بعضاً منّا يرشق الغرب بتهمة الانحطاط الأخلاقيّ.
منذ عقود من الزمن، يلاحظ كثير من المسافرين المصريين إلى بريطانيا ظاهرة ضابط الجوازات من الأصل الهندي الذي يستقبلهم في مطار هيثرو. كثير منهم لم تعجبهم هذه الحال، كانوا يفضلون وجود «بريطاني حق» في انتظارهم. هناك بالطبع وجهة نظر مقابلة تقر بإيجابية ظاهرة موظفي الجوازات من أصول مهاجرة، فالمقصود منها ربما الترحيب، من خلال الإيحاء بأن المسافر يصل إلى مكان يتقبل الآخر وإمكانية اندماجه بالكامل، إلى درجة منحه قرار دخول الناس إلى البلد الذي تبناه.
ما الإدراك؟! ما كُنهُهُ...؟! ما حقيقته؟ ما أماراته؟ ما أثره؟! هل تعريفه مسألة حاكمة في حياة الإنسان على الأرض... أم أنها تهويمات فلسفية لا بأس بها أن تقبع في رؤوس أصحابها أو في دوائر الجدل المرسل وتظل هناك بلا أمل يرجى أو بأس يتقى؟! ما مدى محورية تعريفه في توجيه حياتنا أخلاقياً واجتماعياً ودينياً واقتصادياً وقانونياً وسياسياً؟! هل يستطيع أو استطاع أحد أن يقطع بتعريف كنه الإدراك؟ هل هو الملاحظة؟ هل هو المشاهدة... والقدرة على الرصد؟ هل هو القدرة على التمييز اللوني أو البيولوجي؟ هل هو الشعور والقدرة على التقييم؟ هل هو المعاناة؟ البحث في كنه الإدراك ليس قضية علمية أو فلسفية وكفى...
يستبطن الفكر الإلحادي مسلَّمة أساسية، هي أن الاعتقاد الديني نتاج وعي بدائي، وأن تطور العقل ينطوي بالضرورة على تجاوز الإيمان، حيث يسود تصوُّر عن مباراة صفرية تدور رحاها بين الدين والعلم؛ فلا بد أن يختفي الأول تماماً مع التطور الفائق للثاني، ونجاحه في تأسيس سلطته الواسعة على مفهوم الحقيقة. وفي اعتقادنا أن ذلك الفهم لا يعدو أن يكون اختزالاً يضيِّق من أفق الوعي الإنساني، لأن المفاهيم المجردة والقضايا المعنوية، كالإيمان الروحي، هي ثمرة عقل متطور بالفعل، على عكس العقل البدائي الذي يقتصر إدراكه على الخرافي والمحسوس.
يكاد تنظيم «الإخوان المسلمين» يكمل مائة عام من الوجود الصاخب، ورغم فشله في كل الساحات والمساحات وخصومته الممتدة مع المجتمعات والحكومات بما كان يحتم عليه أن يحرص على المراجعة الجادة لأهداف مشروعه ووسائله وسلوكه في السعي لأهدافه، خصوصاً مع ما تكبده من خسائر وما سبَّبه من دمار وخراب، أصاب مصائر الكثير من الدول التي ابتُليت بوجوده بين ظهرانيها.
يصعب فهم الإنسان المعاصر على نحو دقيق خارج المجتمع السيبراني، والهواتف الذكية، والأقمار الصناعية، ومنصات التواصل الاجتماعي. إنه تحول جديد لم نعهده من قبل، أثار - ولا يزال - مخاوف متفاوتة.
يتم تناول الديمقراطية - في معظم الأوساط الفكرية - بوصفها النموذج الأمثل للحكم وإدارة الشأن السياسي. وهي التطبيق الأكثر نضجاً للنمط العقلاني الذي فضّله ماكس فيبر على النمطين التقليدي (الذي يمثله الحكم الوراثي) والكاريزمي (الذي يقوم على القائد الملهم). وبتطبيق الديمقراطية في معظم الدول الغربية، أصبحت تُسوّق بوصفها النموذج الناضج والمتقدم مقابل النماذج المتخلفة، لدرجة استهجان مجرد مقارنة الديمقراطية مع غيرها من نماذج الحكم.
في السابع عشر من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم احتفل العالم باليوم العالمي للفلسفة. ولكن كيف يمكن لهذا الاحتفال أن يكون مناسبة وحافزاً لاستقبال وقبول الفكر الفلسفي لدى أجيال العصر الراهن المحكوم من ثورة التكنولوجيا وسرعة الاتصالات ومن سيطرة نمط الحياة السريع في كل المجالات؟ وهل يمكن لهذا الجيل أن يجد الوقت الكافي لقراءة مجلدات الفلاسفة الكبار الذين أغنوا تاريخ الفلسفة بفلسفاتهم حول مصير الكون والإنسان والطبيعة؟
الهندسة الوراثية (وتسمى أيضاً التعديل الجيني)، هي عملية تعديل صناعية للتركيب الجيني لكائن حي. وتتضمن هذه العمليات نقل الجينات من كائن لآخر ليكتسب الكائن الذي تم نقل الجينات إليه صفات معينة من جينات الكائن الأول، وتُسمَّى الكائنات التي تم تعديل جيناتها صناعياً بـ«الكائنات المعدَّلة وراثياً». ويتم أيضاً من خلال الهندسة الوراثيَّة تغيير في المادة الوراثيَّة للكائن الحي، وذلك عن طريق التدخل المباشر في العمليات الجينيَّة، ويتم هذا التغيير لأكثر من هدف سواء لإنتاج مواد جديدة، أو تحسين وظائف الكائن الحي الموجودة فيه. فتح تطور الهندسة الوراثية فرصاً هائلة في الطب والزراعة.
إنه لمن المبهج حقاً أن أنشأت القيادة السعودية مجمع الملك سلمان للحديث النبوي الشريف في 2017 لدراسة كل القضايا والمشكلات المتعلقة بتدوين الحديث، وقد جاء في مواد الإعلان عن قيام هذا المجمع أن من وظائفه حماية السنة النبوية من أي تجاوزٍ في الفهم أو الاستدلال، وتعزيز مفاهيم الوسطية والاعتدال ومكافحة مسببات الغلو والتطرف والإرهاب ثمة كتاب للباحث الجادّ دكتور جورج طرابيشي، اسمه «من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث: النشأة المستأنفة»، صدر عن دار الساقي في 2010.
تنقسم دول العالم، إلى دولة كبيرة أو صغيرة، تختلف باختلاف أنظمتها، وتخضع كل دولة لقوانينها الخاصة وفقاً لسياساتها، منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والاستشفائية وغيرها من الأمور المختلفة، بحسن إدارة الدولة وحياة المواطنين وسبل عيشهم. كذلك اقتصادها، يختلف سير العمل فيه تبعاً لقوانين وأنظمة كل دولة.
يقتضي الحوار الناجح بين البشر المختلفين، ثقافياً ودينياً ومذهبياً، تغييراً جوهرياً في ذهنية أطرافه، من بنية استعلائية تدرك الحقيقة باعتبارها واحدة ومطلقة، أكثر ما تطمح إليه هو مجرد تسامح الذات مع آخرين تراهم خاطئين - قاصرين بالضرورة، تتعاطف فقط مع لحظات ضعفهم ومواطن قصورهم، إلى بنية تشاركية، تدرك الحقيقة باعتبارها نسبية ومتعددة، تنهض على أساس التفاهم بين ذوات متكافئة، لا يملك أي منها الحقيقة كاملة، بل يمتلك فقط تصوره الخاص عنها، ومن ثم يقبل تصور الذوات الأخرى لها، كي يقبلوا بدورهم تصوراته هو عنها.
حتى الآن، لم يدخل قرار تدريس مقرر الفلسفة في المدارس والجامعات السعودية حيّز التنفيذ. ولكننا نكاد نتحسس أهم التحديات والإشكالات التي تواجه تطبيقه في التعليم النظامي. ومن أبرز التحديات أمام هذا التحوّل الواعد في المملكة هي: بعض التيارات الاجتماعية، والمنهج التعليمي، والأستاذ القيّم على تدريس مادة يختلف مقررها عن بقية المقررات التربوية المعهودة... وهذه تشكّل معاً ركائز التعليم السليم.
طرحت تغريدة للمفكر السياسي وأستاذ العلاقات الدولية الأميركي يوشيهيرو فرنسيس فوكوياما سؤالاً مفاده: هل لتوقعات المفكرين دور في مسار الحروب؟ يبدو أن الأمر كذلك؛ إذ أعادت تغريدة فوكوياما أطروحات هذا الفيلسوف المثيرة للجدل إلى الواجهة مرة أخرى. ففي 3 أكتوبر (تشرين الأول)، توقع فوكوياما في تغريدة نشرها على حسابه في «تويتر» «انهياراً روسياً أكبر بكثير سيتجلى خلال الأيام المقبلة».
إن موضوع الثقافة يمتاز بكونه حيّاً وراهناً؛ كيف لا ونحن نفتخر بثقافتنا دوماً معياراً لأصالتنا وتمجيداً لتراثنا. ولكثرة ما نتباهى بالثقافة ونحمّلها معظم الأحيان أوزار تفاهتنا واصطناعيتا وازدواجيتنا، أضحى معنى الثقافة مقيماً في مجال التتفيه ويقع تحت قوانين الاستهلاك. في الواقع، يجري الحديث في بلادنا عن الثقافة والمثقفين ضمن مستويات تختلف باختلاف منطلقات وغايات المتحدثين، حيث يضيع المعنى ويصبح موضوعاً لمونولوجات الطرشان. قبل أن ندخل في موضوعنا، لا بد لنا من التوقف عند مسألة تعريف الثقافة.
الكتابة عن «الترفيه» متعة في حد ذاتها، خاصة أن عبقرية اللغة العربية تقود الأفكار بسلاسة. المصدر «رفه» في معاجم اللغة، يشير إلى الإمتاع والتسلية واللعب والتنفيس والاستجمام والراحة والرفاهية، ويتجلى في العديد من الأنشطة التي يمارسها الإنسان – والجماعة - بكامل إرادته، في الزمان والمكان المناسبين، ويتحدى الملل والرتابة وضغوط الحياة؛ حتى يستعيد لياقته الذهنية والوجدانية والجسدية. هذه المعاني والدلالات قلما نجدها «مجتمعة» في لغة أخرى غير لغة الضاد، التي تشير بوضوح إلى أننا كبشر نستحق «الترفيه»، أو قل: أن ننعم «بحق التمتع»، ومن ثم فإنها تأخذ «الترفيه» على محمل «الجد»، وهي أحدث صيحة في العالم اليوم.
يذهب عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم (1858 - 1917) إلى أن الظاهرة الاجتماعية بشكل عام تخضع إلى متغيرين أساسيين: أولاً، الاندماج (Integration) الذي يمثل درجة ارتباط الفرد بالمجتمع. وثانياً، التنظيم (Regulation) الذي يمثل درجة القيد الذي يفرضه المجتمع على الفرد. وباختلاف درجتي الاندماج والتنظيم، تختلف محفزات الظواهر الاجتماعية. درس دوركهايم الانتحار بوصفه ظاهرة اجتماعية خاضعة لدرجة ارتباط الفرد بمجتمعه ومستوى صرامة القيود التي تفرضها الجماعة على الفرد. وحسب دوركهايم: «يسود الفرد واقع أخلاقي يتجاوزه - الواقع الجمعي».
ما زلنا نطل على العقد المفقود (2020 - 2030) بكل تجلياته، وكنا في المقال السابق قلنا إننا على أعتاب عقد فريد، وكأنه مدرج للتسليم والتسلم بين إنسانيتين... وكأن الإنسانية تخلع عن كاهلها معاني وأفهاماً ومصطلحات وأدوات - شكلت واقعها لثلاثمائة سنة - لتبدأ سطوراً أولى في فصل جديد به مفردات اقتصاد جديد وسياسة جديدة، ووعي جديد ومجتمع جديد، بِسُنَّةِ الحياة، جديد أفضل من سابقه ليس على إطلاقه ولكن بنسبية حياتنا. عالم ستحدد قسماته ثنائية سيكون لها القول الفصل في ولاية عقل أو في تسيد جهل... في عموم عدل أو في تفشي ظلم... في رشادة تعاون أو في شطط صراع... في تأجيج مخاطر أو في ترسيخ سلم وأمن...
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة