ماذا حلّ بـ«القاعدة» بعد 22 سنة على هجمات «11 سبتمبر»؟

قيادة التنظيم تنتظر «خليفة الظواهري»... وفرع الساحل قد يستفيد من فوضى «دومينو الانقلابات»

دمار برجي مركز التجارة العالمية في هجمات 11 سبتمبر بنيويورك (أ.ب)
دمار برجي مركز التجارة العالمية في هجمات 11 سبتمبر بنيويورك (أ.ب)
TT

ماذا حلّ بـ«القاعدة» بعد 22 سنة على هجمات «11 سبتمبر»؟

دمار برجي مركز التجارة العالمية في هجمات 11 سبتمبر بنيويورك (أ.ب)
دمار برجي مركز التجارة العالمية في هجمات 11 سبتمبر بنيويورك (أ.ب)

تحل اليوم الذكرى الـ22 لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. يقيم الأميركيون، كعادتهم في كل سنة، مراسم كبيرة لتخليد ذكرى ضحاياها (قرابة ثلاثة آلاف قتيل). وفي الحقيقة، تبدو المناسبة اليوم وكأنها صارت مجرد حدث ضخم كغيرها من الأحداث التي باتت جزءاً من التاريخ. فالتهديد الذي شكّله فيما مضى تنظيم «القاعدة»، الذي نفّذ تلك الاعتداءات بطائرات مدنية مخطوفة في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا، قد زال إلى حد كبير. نجح الأميركيون، ومعهم طيف واسع من دول العالم، في القضاء على التنظيم وقادته البارزين، إلى درجة أن التهديد الإرهابي منذ عقد من الزمان لم يعد يرتبط بـ«القاعدة»، بل بمنافسه الأساسي في ساحة المتشددين: تنظيم «داعش».

كيف يبدو تنظيم «القاعدة» اليوم في ذكرى 11 سبتمبر؟

الجواب الذي يمكن أن يجمع عليه كثيرون هو أن التنظيم يعيش اليوم واحدة من أضعف مراحله، وإن كان ذلك الضعف لا يعني بالضرورة أنه انتهى كلياً. وليس أوضح من حقيقة ضعف التنظيم أنه بلا قيادة معلنة منذ أكثر من سنة، أي منذ نجح الأميركيون في قتل زعيمه أيمن الظواهري بغارة على مخبئه في كابل. قبل الظواهري، قتل الأميركيون سلفه أسامة بن لادن، في مخبئه بباكستان عام 2011. وبين التاريخين، قضت «الحرب ضد الإرهاب»، التي أعلنها الأميركيون ودول أخرى على خلفية هجمات 11 سبتمبر، على عشرات من القادة الأساسيين الذين مثلوا لفترات طويلة وجوهاً معروفة في التنظيم (على غرار أبو حفص المصري، وأبو يحيى الليبي، وعطية الله الليبي... واللائحة تطول بالطبع). وإضافة إلى هؤلاء، اعتقل الأميركيون القادة الأساسيين الذين يُعتقد أنهم وراء هجمات 11 سبتمبر، وهم يقبعون منذ سنوات في سجن قاعدة غوانتانامو بكوبا في انتظار محاكمتهم، وعلى رأس هؤلاء خالد الشيخ محمد «العقل المدبّر» للاعتداءات.

واجهة مبنى البنتاغون في واشنطن (أ.ب)

ومنذ مقتل الظواهري، التزم تنظيم «القاعدة» صمتاً مطبقاً، فلم يؤكد مقتله ولم ينفه، كما أنه لم يعلن عن اسم خليفته، وإن كان يُعتقد على نطاق واسع أن «الأمير الفعلي» حالياً هو سيف العدل، القيادي المصري الذي أقام لسنوات في إيران. ويكاد أن يكون سيف العدل هو الاسم الوحيد المعروف حالياً ممن تبقى من قادة «القاعدة» المخضرمين.

ويترافق التكتم الذي تلتزمه قيادة هذا التنظيم حالياً، مع تقارير مختلفة تؤكد أن «القاعدة» تعيد تموضعها في أفغانستان التي ينتقل إليها عناصر من التنظيم مع عائلاتهم. وبحسب المعلومات المتاحة، توفر حركة «طالبان»، التي عادت إلى حكم أفغانستان عقب الانسحاب الأميركي عام 2021، الحماية لضيوفها الجدد، علماً أنها تعهدت بأنها لن تسمح لضيوفها بأن يستغلوا أراضيها لشن هجمات ضد أي طرف خارجي. وليس هناك أي مؤشر إلى أنها خلفت وعدها، وإن كان من المبكر الحكم على ما إذا كانت «القاعدة» نفسها تفكر في إعادة الكرة مرة ثانية من خلال التصرف وكأنها «دولة داخل دولة»، تماماً كما فعلت في تسعينات القرن الماضي في ظل حكم «طالبان» الأول.

علم أميركي في موقع سقوط الطائرة المخطوفة في هجمات 11 سبتمبر بشانسكفيل في ولاية بنسلفانيا (أ.ب)

ورغم أن الأميركيين روجوا عندما قتلوا الظواهري قبل سنة لمعلومات تفيد بأنه كان في حماية «شبكة حقاني» في شقته بكابل، فإن عناصر «القاعدة» الذين انتقلوا إلى أفغانستان حالياً لا يعيشون فقط في مناطق نفوذ هذه الشبكة الواسعة النفوذ بالشرق الأفغاني، إذ إن هناك معلومات تفيد بأنهم يعيشون أيضاً في مناطق بقندهار في جنوب البلاد. ويعني ذلك في حال تأكده أن إقامتهم تتم بإذن من قيادة الحركة... بشرط عدم التورط في مؤامرات إرهابية انطلاقاً من أفغانستان.

فروع التنظيم

وإذا كان هذا حال «قيادة القاعدة»، فإن فروع التنظيم لا تبدو في وضع مختلف كثيراً. وبين كل فروع التنظيم، يبدو فرع الساحل الأفريقي الأكثر نشاطاً. إذ إن حكومات هذه المنطقة المدقعة في الفقر، تبدو عاجزة عن القضاء على تهديد «القاعدة»، ومنافسها «داعش»، في صحراء الساحل الأفريقي الشاسعة.

وفي الواقع، هذا العجز ليس أمراً جديداً، لكنه يبدو أكثر وضوحاً اليوم في ظل «دومينو» الانقلابات العسكرية التي عمت دول المنطقة، لا سيما في مالي وبوركينا فاسو وأخيراً النيجر. وهذه الدول الثلاث تُعدُّ محور نشاط «القاعدة» الأساسي في الساحل الأفريقي. وكانت هذه الدول تحظى على الأقل منذ عام 2012 بدعم واضح من فرنسا التي تدخلت عسكرياً في البداية انطلاقاً من مالي لمنع انهيار الدولة أمام زحف جماعات مسلحة (بينها القاعدة) امتلأت خزائنها بالأسلحة على خلفية الفوضى التي عمّت ليبيا عقب سقوط حكم العقيد معمر القذافي قبل ذلك بسنة. وإذا كان التدخل الفرنسي أوقف زحف المتشددين، إلا أنه لم يتمكن من القضاء كلياً على تهديد «القاعدة»، التي ظلّت تنشط في المناطق النائية وتنفذ بين الحين والآخر هجمات دامية على مواقع القوات الحكومية. وأثار تراجع الانخراط الفرنسي الفاعل في السنوات الأخيرة في الحرب ضد المتشددين سخطاً في أوساط عسكريي دول الساحل الذين لجأوا إلى الاستعانة بخدمات مجموعة «فاغنر» الروسية. لكن مجيء هؤلاء المرتزقة جاء على حساب رحيل الفرنسيين الذين كانوا يحظون، إلى جانب قدراتهم العسكرية الكبيرة، بدعم أميركي مهم، لا سيما انطلاقاً من النيجر، حيث للأميركيين والفرنسيين قواعد ومطارات.

مركز «أوكيولس» قرب النصب التذكاري لضحايا برجي مركز التجارة في نيويورك (أ.ف.ب)

ويبدو واضحاً في ظل الانقلابات العسكرية والانكفاء الفرنسي - الأميركي وضعف إمكانات «فاغنر» على خلفية مقتل زعيمها يفغيني بريغوجين، أن المنطقة قد تكون مقبلة على انفلات أمني أكبر، وهو أمر لا بد وأن يصب في خدمة «القاعدة» والتنظيمات الأخرى الشبيهة بها وعلى رأسها «داعش».

في المشرق العربي، يبدو تنظيم «القاعدة» أكثر ضعفاً من أي مكان آخر من أماكن انتشاره. فقد نجح «داعش» في القضاء عليه في العراق، فيما أعلن فرعه السوري (جبهة النصرة) فك ارتباطه به وغيّر اسمه إلى «هيئة تحرير الشام». ورغم أن هناك فرعاً سورياً ما زال على ولائه لـ«القاعدة» (حراس الدين)، فإن وجوده محصور في شمال غربي البلاد الخاضع لسلطة «تحرير الشام»، القوة الأساسية المهيمنة في المنطقة.

في منطقة الخليج العربي، يبدو نشاط التنظيم اليوم منحصراً في بعض المناطق باليمن، حيث يشن من وقت لآخر هجمات مسلحة وينفذ عمليات خطف رهائن مقابل الفدية. وإذا كان التنظيم في اليمن يبدو ضعيفاً عسكرياً، إلا أنه يعوّض عن ذلك بنشاط إعلامي أكثر بروزاً، كما يبدو أنه أكثر صلة من فروع أخرى بما تبقى من قيادة «التنظيم الأم»، وتحديداً محيط «الأمير الفعلي» لـ«القاعدة» حالياً سيف العدل.

أما في مصر، التي كان للتنظيم فرع قوي فيها في ما مضى، وتحديداً في شبه جزيرة سيناء، فإن وضعه حالياً يبدو بالغ الضعف. فمسلحو سيناء نقلوا ولاءهم إلى «داعش» في أوج نفوذ هذا التنظيم تحت قيادة أبو بكر البغدادي عام 2014 (ولاية سيناء)، لكنهم باتوا اليوم في وضع بالغ الضعف بعدما تمكنت قوات الأمن المصرية من طردهم من معاقلهم السابقة وإعادة الأمن إلى حد كبير إلى شبه الجزيرة. كما أن وضع فرع «القاعدة» في القرن الأفريقي يبدو بدوره صعباً، إذ تسجل «حركة الشباب» تراجعاً واضحاً ومستمراً في مناطق انتشارها بالصومال في مواجهة القوات الحكومية الصومالية التي تحظى بدعم جوي أميركي.

وفي ظل هذا الوضع لقيادة تنظيم «القاعدة» وفروعه حول العالم، يبدو أيضاً أن هجمات ما يُعرف بـ«الذئاب المنفردة» التي راجت في السنوات الماضية، باتت سلاحاً أساسياً ليس في أيدي «القاعدة»، بل في أيدي خصمها، تنظيم «داعش».


مقالات ذات صلة

باكستان تعلن توقيف «شريك مقرب» لبن لادن

آسيا بن لادن زعيم «القاعدة» الراحل /د ب أ

باكستان تعلن توقيف «شريك مقرب» لبن لادن

أعلنت السلطات الباكستانية، الجمعة، أنها أوقفت «أحد الشركاء المقربين» من زعيم تنظيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن الذي قتل في باكستان عام 2011.

«الشرق الأوسط» (لاهور (باكستان))
شؤون إقليمية أرشيفية لعناصر تنظيم «داعش» في سوريا (المرصد السوري)

نتيجة الصراع في غزة... تحذيرات من عودة نشاط «داعش» و«القاعدة»

حذر مسؤولون من دلائل على زيادة نشاط المسلحين في تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، معْربين عن قلقهم من أن الصراع في غزة سيوفر فرصة لإعادة بناء التنظيمات المتطرفة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا الشرطة السويسرية (أرشيفية - أ.ف.ب)

النيابة السويسرية تتهم جزائرياً يشتبه بأنه خطّط لهجوم في فرنسا

أعلنت النيابة العامة الفيدرالية السويسرية الخميس أن مواطناً جزائرياً يبلغ 51 عاماً محتجزاً في سويسرا، اتُهم بدعم «الجماعة الإرهابية المحظورة داعش»

«الشرق الأوسط» (جنيف )
أفريقيا رجال شرطة نيجيرية في أحد شوارع نيامي العاصمة بعد إعلان باريس عن عزمها على سحب قوتها العسكرية من النيجر (إ.ب.أ)

جيش النيجر يعلن مقتل 7 مدنيين في هجوم شنه «إرهابيون»

قُتل سبعة مدنيين هذا الأسبوع على يد «إرهابيين» في قرية بمنطقة تيلابيري في غرب النيجر، قرب بوركينا فاسو، حسبما أعلن الجيش الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (نيامي (النيجر))
آسيا صورة تظهر أعضاء مسلحين من «حركة طالبان باكستان» المحظورة (رويترز)

«طالبان الأفغانية» تبني مستوطنات دائمة للجماعات الإرهابية

شرعت حكومة طالبان الأفغانية في بناء 4 مستوطنات كبيرة في ولاية غزني، ويجري بناء إحدى هذه المستوطنات لمقاتلي تنظيم «القاعدة».

عمر فاروق (إسلام آباد)

يوم هزّت «أيلول الأسود» شباك «أولمبياد ميونيخ»


أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
TT

يوم هزّت «أيلول الأسود» شباك «أولمبياد ميونيخ»


أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)

تفتتح، غداً، في باريس دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024، وسط إجراءات استثنائية صارمة استدعتها المخاوف الأمنية وذكريات المجزرة التي شهدتها القرية الأولمبية في دورة ميونيخ عام 1972، إثر محاولة لاحتجاز رهائن إسرائيليين نفذتها مجموعة «أيلول الأسود» الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» تعيد تسليط الضوء على تلك «الكارثة الأولمبية» انطلاقاً من أسئلة طرحتها على العقلين المدبرين للعملية. ولدت فكرة الهجوم في لقاء عُقد في مقهى بروما وضم صلاح خلف «أبو إياد» عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» ومساعده فخري العمري ومحمد داود عودة «أبو داود» عضو «المجلس الثوري» لـ«فتح». جاءت الفكرة من العمري وتبناها «أبو إياد» وأوكل التنفيذ إلى «أبو داود».

وتكشف رواية «أبو داود» عن أنه نجح في استطلاع مقر البعثة الإسرائيلية، وأن «أبو إياد» تولى شخصياً إحضار الأسلحة برفقة «زوجته» اللبنانية المزيفة التي سُميت جولييت. وشاءت الصدفة أن يسهم رياضيون أميركيون عائدون من سهرة عامرة في مساعدة الفريق الفلسطيني المهاجم في تسلق السياج ومن دون معرفة غرض الفريق ومحتوى الحقائب التي يحملها.

وتؤكد الرواية أن ياسر عرفات كان على علم بالعملية وأن الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس (مسؤول المالية آنذاك) صرف للفريق المبلغ اللازم لتنفيذها. وانتهت العملية بمقتل 11 إسرائيلياً وخمسة من المهاجمين حين اختلط الرصاص الألماني بالرصاص الفلسطيني.