جَبَّانة القاهرة التاريخية تنتظر قرارات «صعبة»

ترانيم الدفن المصرية تتلعثم في تطورات مُربكة

TT

جَبَّانة القاهرة التاريخية تنتظر قرارات «صعبة»

عمليات حفر لتشييد طريق قرب مدافن بجنوب القاهرة القديمة في يوليو عام 2020 (أ.ف.ب)
عمليات حفر لتشييد طريق قرب مدافن بجنوب القاهرة القديمة في يوليو عام 2020 (أ.ف.ب)

وقف كاهن هرم الملك «ونيس» آخر ملوك الأسرة الخامسة (2300 قبل الميلاد)، مودّعاً الملك قبيل دفنه قائلاً: «التحيات لك يا أبي أوزير، أنا حورس، جئتُ إليك، لأفتح فمك مع بتاح، ولأمجدك مع تحوت، أرد لك قلبك في أحشائك، كي تتذكر ما نسيت، أعطيك خبزاً، لتأكل متى تشاء، كما كنت تفعل على الأرض».

هذه الترنيمة الجنائزية التي حفظتها أفئدة الكهنة لعصور طويلة، لتوديع الملوك، تعدّ النبع الذي فاضت منه كل صور الأدب الجنائزي في مصر القديمة، وتركت أثرها على مراسم الدفن المصرية في الفترات اللاحقة، مؤكدة أن اهتمام المصريين بشعائر الدفن وبناء المقابر كان يضاهي اهتمامهم بالحياة والبيوت وربما أكثر.

وعلى مدار القرون الماضية، نالت المنطقة المتاخمة لسفح هضبة المقطم (شرق القاهرة)، اهتماماً واسعاً من قِبل حكام «المحروسة» (مصر)، على اختلاف مذاهبهم وأفكارهم، حيث عدُّوها منطقة «مُباركة»، تتواجد بها أضرحة الصحابة والتابعين وتشكل نواة للجبَّانة التاريخية، التي أثار هدم عشرات المقابر بها اعتراضات واسعة.

قرافة الإمام الشافعي حيث يتم إنشاء مشروع طريق جديدة في العاصمة المصرية في صورة التُقطت في 31 مايو (أيار) الماضي (رويترز)

ولأن هذه الجَبَّانة حَوَت أيضاً أضرحة لرموز مصرية حديثة، مثل «أمير الشعراء» أحمد شوقي، والأديب يحيى حقي، فإن كثيرين يترقبون ما ستسفر عنه أعمال اللجنة الوزارية التي وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخيراً بتشكيلها لتقييم الأوضاع في هذه البقعة التراثية الفريدة، التي تنفذ فيها الحكومة المصرية محاور مرورية جديدة، للربط بين الطرق الرئيسية شرق القاهرة وجنوبها؛ من أجل تخفيف الزحام المروري.

سوسيولوجيا الدفن

عُرف المصريون القدماء بالعناية الشديدة بموتاهم؛ استناداً إلى الاعتقاد بوجود حياة أخرى أبدية، وفق الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، الذي يؤكد أن «المصريين الحاليين توارثوا الاهتمام بالمقابر وتشييدها وتزيينها بأفخم الإمكانات المتاحة، من أسلافهم في العصور القديمة، فالشعب المصري يُعدّ متفرداً في الزيارات الدورية للمقابر، والإقامة بداخل أحواشها، وجلب المقرئين لقراءة القرآن أمام القبور».

وبعد الفتح الإسلامي للبلاد، تفرّد المصريون بإطلاقهم على الجبَّانات اسم «القرافة»، وهو مشتق من اسم قبيلة «بني قرافة» اليمنية التي حضرت إلى مصر مع عمرو بن العاص.

جسر يتم تشييده قرب مقابر البساتين في القاهرة في صورة التُقطت في 15 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

وبدأ الدفن مبكراً في شرق مدينة الفسطاط المعروفة باسم «القرافة الكبرى»، وفق الدكتور أحمد سلامة، المدرس بكلية اللغة العربية، جامعة الأزهر.

ورغم اختلاف الأزمنة وتنوع العادات والتقاليد خلال العصر الإسلامي، فإن المصريين اشتركوا في التوصية بالدفن بجوار مقابر أئمة العلم، وآل البيت للتبرك، وهو ما يبرز جلياً في الكثير من جَبَّانات القاهرة. فبعد انتهاء العصر الفاطمي الشيعي في مصر، والذي انعكست ملامحه ومظاهره على القرافة الكبرى، حرص الحكام الأيوبيون السُّنة على تغيير تلك المظاهر، عبر إنشاء القرافة الصغرى بالقرب من قبر الإمام الشافعي الذي توفي عام 204 هجرية.

وأمر السلطان الكامل الأيوبي ببناء ضريح للإمام الشافعي، قبل دفن والدته إلى جوار الإمام تبركاً به، كما دُفن بضريح الشافعي السلطان العزيز بالله، ابن صلاح الدين الأيوبي.

وتضم قرافة الإمام الشافعي قبور عدد من العلماء، منهم الليث بن سعد، وابن عطاء السكندري، وذو النون المصري، بينما يوجد في القرافة الكبرى قبر أحمد بن طولون، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، والي مصر، في عهد علي بن أبي طالب، وعدد كبير من نسله.

ضريح الإمام الشافعي (الشرق الأوسط)

ويخشى علماء اجتماع وخبراء آثار إسلامية من تسبب الطرق الجديدة في قطع الأوصال بين الجَبَّانة الصغرى على غرار ما فعلته طريق «الأوتوستراد» (طريق سريعة تربط جنوب القاهرة بشرقها) في الجَبَّانة الكبرى.

وتسعى مصر للاستفادة من مقومات القاهرة التاريخية، التي تبلغ مساحتها نحو 30 كيلومتراً مربعاً عبر تدشين مشروع طموح، يتضمن إعادة إحياء المدينة، والترويج لها كمزار سياحي، خصوصاً بعد افتتاح المتحف القومي للحضارة بهذه المنطقة، ونقل المومياوات الملكية إليه.

وتستعد وزارة الإسكان، لطرح نحو ألفي وحدة سكنية جديدة للبيع، خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى افتتاح فندق، و«مول» تجاري؛ ما يستلزم ربط الطرق الرئيسية (شرق القاهرة وجنوبها) بوسط القاهرة التاريخية، مروراً بالجَبَّانة، التي يرى خبراء ومسؤولون أن هدم بعض مقابرها «ضروري» من أجل السيولة المرورية.

ولم يرُق لكثير من المصريين مشاهدة الجرَّافات وهي تزيل المقابر، بجانب «رفض فكرة نقل الرفات من المناطق المأهولة إلى أماكن صحراوية»، بحسب وصف الدكتورة سوسن فايد، أستاذة علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.

جبانات القاهرة القديمة تتزين بالأشجار (الشرق الأوسط)

«وبينما تتميز المدافن والأحواش القديمة بمدافن القاهرة بمساحاتها الشاسعة وأشجارها الوارفة، فإن المقابر الجديدة التي تم إعدادها بمعرفة الحكومة لنقل الرفات إليها، ضيقة وتوجد في مناطق بعيدة»، وفق ما ذكره أشخاص تم نقل رفات ذويهم إلى العاشر من رمضان، (شرق القاهرة).

نهى حقي، ابنة الكاتب الراحل يحيى حقي، أعربت عن حزنها الشديد لنقل رفات والدها من مرقده بجوار مقابر السيدة نفيسة إلى مقبرة في مدينة العاشر من رمضان، مؤكدة أنها «لم تستطع التصدي لمهمة نقل رفات والدها صاحب (قنديل أم هاشم) من المكان الذي عشقه في حياته، وأوصى بالدفن به بعد مماته».

«دفن طبقي»

على غرار نمط السكن والتعليم والعلاج الراهن في مصر، فإن «نمط الموت والدفن يتسم بالطبقية»، على حد تعبير الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الذي يرى أن «الطبقية تظهر ملامحها في مصر بشدة عبر الكمبوندات السكنية، وشاليهات الساحل الشمالي والمطاعم التي تختار زبائنها بعناية وحتى صالونات الحلاقة».

عمليات حفر لتشييد طريق قرب مدافن بجنوب القاهرة القديمة في يوليو عام 2020 (أ.ف.ب)

وبينما يبلغ متوسط سعر المدفن الواحد مساحة 20 متراً في مدينة 15 مايو (جنوب القاهرة) مائة وخمسين ألف جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 30.9 جنيه مصري)، فإن أسعار بعض مدافن القاهرة الجديدة (شرق القاهرة) الواقعة بالقرب من طريق (السويس - القاهرة) تزيد على 750 ألف جنيه، بمساحة تبلغ 40 متراً.

وتنتشر المدافن الجديدة في محيط العاصمة المصرية، شرقاً وغرباً وجنوباً، في أماكن صحراوية، وتتميز بطرازها المعماري الذي يحاكي المدافن التاريخية بالقاهرة بالقرافتين الكبرى والصغرى.

وتتميز المقابر الجديدة للأثرياء والمشاهير المصريين، على أطراف مدينة القاهرة، بتوافر جميع وسائل الراحة والنظافة، بحسب صادق الذي يؤكد أن «الأثرياء وأصدقاءهم يفضّلون تقديم واجب العزاء والمواساة في جَبَّانات مجهزة بالمقاعد والأسقف والأشجار والأرضيات الممهدة».

في المقابل، فإن أقل تكلفة دفن راهناً في قرافات القاهرة القديمة، تبلغ خمسمائة جنيه مصري، وهي أجرة التُربي (عامل الدفن) في الدفنة الواحدة، وفق تأكيد أحمد السيد، وهو «تُربي» يقيم بمدافن الإمام الشافعي.

أضرحة أثرية بمنطقة السيدة عائشة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

جَبَّانة تراثية

من أسفلٍ، تبدو المنطقة التي تحتضنها هضبة المقطم، شرق القاهرة، كبساط أصفر، تتخللها القباب والمآذن السامقة، والأشجار التي تسر زهورها الملوّنة الزائرين. في حين تُضفي شواهد المدافن التراثية وزخارفها أجواء تاريخية، ونفحات دينية يدور صداها في ضريح الإمام الشافعي، ومدافن «العائلة المالكة» المعروفة باسم «حوش الباشا» والمدفون بها عدد كبير من نسل محمد علي، والتي تتميز بزخارفها ونقوشها الفريدة على القطع الرخامية النادرة.

وتستهوي القرافة مجموعات كبيرة من محبي التراث المصري، والباحثين الآثاريين، من بينهم ندى زين الدين، وهي باحثة أثرية تنظم جولات متكررة بجَبَّانات القاهرة. تقول ندى: إن مدافن الليث ابن سعد، والسيدة عائشة، والإمام الشافعي، من أبرز المناطق التي تحب التجول بها باستمرار مع أصدقائها بسبب كنوزها التراثية والشخصيات المدفونة بها.

منظر من الجو لقلعة صلاح الدين الأيوبي ومقابر البساتين في وسط شرقي القاهرة يوم 28 أبريل 2023 (أ.ف.ب)

وفاجأ ندى ومن معها من محبي التراث، طراز مدفن عائلة «عظم» المعماري، وقباب مدفن عائلة محمد فاضل باشا درامللي، الذي استقبل زائريه بلوحة رخامية تشير إلى تسجيل المدفن ذي القباب المميزة، بقائمة لجنة الطراز المعماري المتميز، في محاولة من العائلة لإثناء الجهات المختصة عن هدم المدفن الذي يقع في طريق الجسر المزمع إنشاؤها، وهو ما تكرر كذلك في مدافن يحيى باشا إبراهيم.

أجواء المقابر الموحشة، التي يخشاها كثيرون في العادة، في فترات الظهيرة والمساء، لا يوجد لها أثر في قرافات القاهرة، بسبب «ونس» سكان المقابر الأحياء، الذين يسيرون على مدار الساعة بين دروبها، وشوارعها الفسيحة، حيث يرحّبون بالغرباء بعد رمقهم بنظرات فاحصة.

إلى جوار مقابر «الأسرة المالكة»، بجَبَّانة الإمام الشافعي، تقبع مدافن رموز أدبية وسياسية مصرية وعائلات شهيرة، من بينها الأديب والمؤرخ المصري أحمد تيمور باشا، وعائلة النحاس، وعائلة الشماشرجي، وأنختار أغاسي، وعلي باشا فهمي، وضريح إسماعيل باشا صدقي وأسرته، ومدفن علوي باشا، ومسجد وضريح محمود باشا الفلكي.

«نطاق مدافن القاهرة يُعدّ نسيجاً عمرانياً متفرداً، لا يصح قطعه بشق طرق أو كباري؛ فالمدن التراثية لا ينظر إليها بشكل جزئي، بل بنظرة شمولية وحضارية»، وفق ما قالت لـ«الشرق الأوسط» الدكتورة سهير زكي حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بجامعة القاهرة، وعضو مجلس إدارة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.

منظر جوي لعمليات بناء في منطقة تقع جنوب متحف الحضارات وقرب مدافن تاريخية في القاهرة القديمة في 28 أبريل 2023 (أ.ف.ب)

«مقبرة الخالدين»

ويترقب متابعون عمل اللجنة الوزارية المكلفة إنشاء مقبرة للخالدين، حيث لا يستسيغ كثيرون نقل الرفات من موقعها الحالي إلى مكان جديد بالصحراء.

ويعدّ الدكتور محمد عبد المقصود إنشاء مقبرة للخالدين «عملاً محفوفاً بالمخاطر والصعوبات الميدانية»، ونوّه إلى أن «الأزمة الراهنة تجاوزت إهمال الأبنية التراثية إلى الأبنية الأثرية، وخصوصاً في جَبَّانة السيوطي بمنطقة السيدة عائشة».

وفي المقابل، أشاد الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية السابق، والذي يُعدّ أحد أبرز الداعمين لفكرة إنشاء مقبرة الخالدين، بتوجيهات الرئيس المصري الأخيرة، مقترحاً إنشاء المقبرة على غرار النمط الفرنسي، لتضم رفات الكبار والعظماء في مجالات السياسة والأدب والفنون والموسيقى. ويرى الفقي أن «المقبرة ستكون بمنزلة تكريم لرموز مصر»، كما طالب بـ«تقسيم أماكن الدفن بحسب تخصصات (الخالدين)»، مؤكداً أن «هذا المشروع سيكون رائداً بين دول الشرق».

مقابر السيدة عائشة التاريخية في القاهرة في صورة التُقطت في 24 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

سيولة مرورية

ويشهد إقليم القاهرة الكبرى كثافة سكانية كبيرة، تستلزم شق طرق وجسور جديدة، للقضاء على الاختناقات المرورية الشديدة، ببعض الأحياء، ومن بينها منطقة جَبَّانات القاهرة، وفق الدكتور حسن مهدي، أستاذ النقل والطرق، بكلية الهندسة، جامعة عين شمس.

ويدافع الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، عن مشروعات الطرق الجارية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذا مشروع قومي مهم جداً، لا يؤثر على الآثار الموجودة بالجَبَّانة»، مطالباً بـ«عدم تحميله مسؤولية كل ما يحدث في الجَبَّانة لكثرة الجهات المشرفة عليها».

رموز

وقد شارك في إنشاء مدافن القاهرة عدد من كبار المعماريين الأجانب، منهم المهندس الإيطالي إرنستو فيروتشي، كبير المهندسين في السرايات الملكية، وصاحب تصميم قصر رأس التين، ومبنى معهد الموسيقى العربية، وإضافات قصر عابدين.

وتضم جَبَّانة القاهرة بين جوانبها مقابر بعض الشخصيات الشهيرة، أمثال ابن ورش، صاحب «قراءة ورش» القرآنية، والشيخ محمد رفعت وعبد الخالق باشا ثروت، والشمسي باشا، وعثمان مصطفى، ومحمد نسيم توفيق.

كما تضم رفات فنانين مشاهير، من بينهم يوسف وهبي، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وأسمهان، وفريد الأطرش، وهند رستم، وصلاح ذو الفقار.

قرافة الإمام الشافعي حيث يتم إنشاء مشروع طريق جديدة في العاصمة المصرية في صورة التُقطت في 31 مايو (أيار) الماضي (رويترز)

ومن الشعراء تضم مقبرة محمود سامي البارودي، الذي خدم وزيراً للحربية، و«شاعر النيل» حافظ إبراهيم، و«عميد الأدب العربي» طه حسين.

وكما كانت حكايا الدفن وترانيمه شغلاً شاغلاً للمصريين على مدى آلاف السنين، يبدو أنها ستظل كذلك لقرون أخرى عديدة.


مقالات ذات صلة

مصر: انتشال 3 جثث بعد غرق مركب سياحي في البحر الأحمر

شمال افريقيا عناصر من رجال الإسعاف والإنقاذ المصري يسعفون أحد الناجين من ركاب المركب (المتحدث العسكري المصري - «فيسبوك»)

مصر: انتشال 3 جثث بعد غرق مركب سياحي في البحر الأحمر

صرح عمرو حنفي محافظ البحر الأحمر في مصر بأنه تم انتشال 3 جثث من مركب سياحي غرق قبالة سواحل البحر الأحمر أمس (الاثنين)، ولا يزال 13 شخصاً مفقودين.

رياضة عربية نور الشربيني حافظت على صدارة التصنيف العالمي للاعبات الإسكواش (رويترز)

مصر تواصل هيمنتها على التصنيف العالمي للإسكواش

حافظ الثنائي المصري علي فرج ونور الشربيني على صدارة التصنيف العالمي للإسكواش لفئتي الرجال والسيدات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

بدأت وقائع محاكمة ألماني أمام المحكمة الإقليمية الأولى في ميونيخ بتهمة احتجاز ألمانية في شقة على مدار شهرين في منتجع الغردقة المصري.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ )
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي لدعم وتعزيز «الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة» يوم الاثنين المقبل بمشاركة إقليمية ودولية واسعة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.