جَبَّانة القاهرة التاريخية تنتظر قرارات «صعبة»

ترانيم الدفن المصرية تتلعثم في تطورات مُربكة

TT

جَبَّانة القاهرة التاريخية تنتظر قرارات «صعبة»

عمليات حفر لتشييد طريق قرب مدافن بجنوب القاهرة القديمة في يوليو عام 2020 (أ.ف.ب)
عمليات حفر لتشييد طريق قرب مدافن بجنوب القاهرة القديمة في يوليو عام 2020 (أ.ف.ب)

وقف كاهن هرم الملك «ونيس» آخر ملوك الأسرة الخامسة (2300 قبل الميلاد)، مودّعاً الملك قبيل دفنه قائلاً: «التحيات لك يا أبي أوزير، أنا حورس، جئتُ إليك، لأفتح فمك مع بتاح، ولأمجدك مع تحوت، أرد لك قلبك في أحشائك، كي تتذكر ما نسيت، أعطيك خبزاً، لتأكل متى تشاء، كما كنت تفعل على الأرض».

هذه الترنيمة الجنائزية التي حفظتها أفئدة الكهنة لعصور طويلة، لتوديع الملوك، تعدّ النبع الذي فاضت منه كل صور الأدب الجنائزي في مصر القديمة، وتركت أثرها على مراسم الدفن المصرية في الفترات اللاحقة، مؤكدة أن اهتمام المصريين بشعائر الدفن وبناء المقابر كان يضاهي اهتمامهم بالحياة والبيوت وربما أكثر.

وعلى مدار القرون الماضية، نالت المنطقة المتاخمة لسفح هضبة المقطم (شرق القاهرة)، اهتماماً واسعاً من قِبل حكام «المحروسة» (مصر)، على اختلاف مذاهبهم وأفكارهم، حيث عدُّوها منطقة «مُباركة»، تتواجد بها أضرحة الصحابة والتابعين وتشكل نواة للجبَّانة التاريخية، التي أثار هدم عشرات المقابر بها اعتراضات واسعة.

قرافة الإمام الشافعي حيث يتم إنشاء مشروع طريق جديدة في العاصمة المصرية في صورة التُقطت في 31 مايو (أيار) الماضي (رويترز)

ولأن هذه الجَبَّانة حَوَت أيضاً أضرحة لرموز مصرية حديثة، مثل «أمير الشعراء» أحمد شوقي، والأديب يحيى حقي، فإن كثيرين يترقبون ما ستسفر عنه أعمال اللجنة الوزارية التي وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخيراً بتشكيلها لتقييم الأوضاع في هذه البقعة التراثية الفريدة، التي تنفذ فيها الحكومة المصرية محاور مرورية جديدة، للربط بين الطرق الرئيسية شرق القاهرة وجنوبها؛ من أجل تخفيف الزحام المروري.

سوسيولوجيا الدفن

عُرف المصريون القدماء بالعناية الشديدة بموتاهم؛ استناداً إلى الاعتقاد بوجود حياة أخرى أبدية، وفق الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، الذي يؤكد أن «المصريين الحاليين توارثوا الاهتمام بالمقابر وتشييدها وتزيينها بأفخم الإمكانات المتاحة، من أسلافهم في العصور القديمة، فالشعب المصري يُعدّ متفرداً في الزيارات الدورية للمقابر، والإقامة بداخل أحواشها، وجلب المقرئين لقراءة القرآن أمام القبور».

وبعد الفتح الإسلامي للبلاد، تفرّد المصريون بإطلاقهم على الجبَّانات اسم «القرافة»، وهو مشتق من اسم قبيلة «بني قرافة» اليمنية التي حضرت إلى مصر مع عمرو بن العاص.

جسر يتم تشييده قرب مقابر البساتين في القاهرة في صورة التُقطت في 15 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

وبدأ الدفن مبكراً في شرق مدينة الفسطاط المعروفة باسم «القرافة الكبرى»، وفق الدكتور أحمد سلامة، المدرس بكلية اللغة العربية، جامعة الأزهر.

ورغم اختلاف الأزمنة وتنوع العادات والتقاليد خلال العصر الإسلامي، فإن المصريين اشتركوا في التوصية بالدفن بجوار مقابر أئمة العلم، وآل البيت للتبرك، وهو ما يبرز جلياً في الكثير من جَبَّانات القاهرة. فبعد انتهاء العصر الفاطمي الشيعي في مصر، والذي انعكست ملامحه ومظاهره على القرافة الكبرى، حرص الحكام الأيوبيون السُّنة على تغيير تلك المظاهر، عبر إنشاء القرافة الصغرى بالقرب من قبر الإمام الشافعي الذي توفي عام 204 هجرية.

وأمر السلطان الكامل الأيوبي ببناء ضريح للإمام الشافعي، قبل دفن والدته إلى جوار الإمام تبركاً به، كما دُفن بضريح الشافعي السلطان العزيز بالله، ابن صلاح الدين الأيوبي.

وتضم قرافة الإمام الشافعي قبور عدد من العلماء، منهم الليث بن سعد، وابن عطاء السكندري، وذو النون المصري، بينما يوجد في القرافة الكبرى قبر أحمد بن طولون، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، والي مصر، في عهد علي بن أبي طالب، وعدد كبير من نسله.

ضريح الإمام الشافعي (الشرق الأوسط)

ويخشى علماء اجتماع وخبراء آثار إسلامية من تسبب الطرق الجديدة في قطع الأوصال بين الجَبَّانة الصغرى على غرار ما فعلته طريق «الأوتوستراد» (طريق سريعة تربط جنوب القاهرة بشرقها) في الجَبَّانة الكبرى.

وتسعى مصر للاستفادة من مقومات القاهرة التاريخية، التي تبلغ مساحتها نحو 30 كيلومتراً مربعاً عبر تدشين مشروع طموح، يتضمن إعادة إحياء المدينة، والترويج لها كمزار سياحي، خصوصاً بعد افتتاح المتحف القومي للحضارة بهذه المنطقة، ونقل المومياوات الملكية إليه.

وتستعد وزارة الإسكان، لطرح نحو ألفي وحدة سكنية جديدة للبيع، خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى افتتاح فندق، و«مول» تجاري؛ ما يستلزم ربط الطرق الرئيسية (شرق القاهرة وجنوبها) بوسط القاهرة التاريخية، مروراً بالجَبَّانة، التي يرى خبراء ومسؤولون أن هدم بعض مقابرها «ضروري» من أجل السيولة المرورية.

ولم يرُق لكثير من المصريين مشاهدة الجرَّافات وهي تزيل المقابر، بجانب «رفض فكرة نقل الرفات من المناطق المأهولة إلى أماكن صحراوية»، بحسب وصف الدكتورة سوسن فايد، أستاذة علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.

جبانات القاهرة القديمة تتزين بالأشجار (الشرق الأوسط)

«وبينما تتميز المدافن والأحواش القديمة بمدافن القاهرة بمساحاتها الشاسعة وأشجارها الوارفة، فإن المقابر الجديدة التي تم إعدادها بمعرفة الحكومة لنقل الرفات إليها، ضيقة وتوجد في مناطق بعيدة»، وفق ما ذكره أشخاص تم نقل رفات ذويهم إلى العاشر من رمضان، (شرق القاهرة).

نهى حقي، ابنة الكاتب الراحل يحيى حقي، أعربت عن حزنها الشديد لنقل رفات والدها من مرقده بجوار مقابر السيدة نفيسة إلى مقبرة في مدينة العاشر من رمضان، مؤكدة أنها «لم تستطع التصدي لمهمة نقل رفات والدها صاحب (قنديل أم هاشم) من المكان الذي عشقه في حياته، وأوصى بالدفن به بعد مماته».

«دفن طبقي»

على غرار نمط السكن والتعليم والعلاج الراهن في مصر، فإن «نمط الموت والدفن يتسم بالطبقية»، على حد تعبير الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الذي يرى أن «الطبقية تظهر ملامحها في مصر بشدة عبر الكمبوندات السكنية، وشاليهات الساحل الشمالي والمطاعم التي تختار زبائنها بعناية وحتى صالونات الحلاقة».

عمليات حفر لتشييد طريق قرب مدافن بجنوب القاهرة القديمة في يوليو عام 2020 (أ.ف.ب)

وبينما يبلغ متوسط سعر المدفن الواحد مساحة 20 متراً في مدينة 15 مايو (جنوب القاهرة) مائة وخمسين ألف جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 30.9 جنيه مصري)، فإن أسعار بعض مدافن القاهرة الجديدة (شرق القاهرة) الواقعة بالقرب من طريق (السويس - القاهرة) تزيد على 750 ألف جنيه، بمساحة تبلغ 40 متراً.

وتنتشر المدافن الجديدة في محيط العاصمة المصرية، شرقاً وغرباً وجنوباً، في أماكن صحراوية، وتتميز بطرازها المعماري الذي يحاكي المدافن التاريخية بالقاهرة بالقرافتين الكبرى والصغرى.

وتتميز المقابر الجديدة للأثرياء والمشاهير المصريين، على أطراف مدينة القاهرة، بتوافر جميع وسائل الراحة والنظافة، بحسب صادق الذي يؤكد أن «الأثرياء وأصدقاءهم يفضّلون تقديم واجب العزاء والمواساة في جَبَّانات مجهزة بالمقاعد والأسقف والأشجار والأرضيات الممهدة».

في المقابل، فإن أقل تكلفة دفن راهناً في قرافات القاهرة القديمة، تبلغ خمسمائة جنيه مصري، وهي أجرة التُربي (عامل الدفن) في الدفنة الواحدة، وفق تأكيد أحمد السيد، وهو «تُربي» يقيم بمدافن الإمام الشافعي.

أضرحة أثرية بمنطقة السيدة عائشة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

جَبَّانة تراثية

من أسفلٍ، تبدو المنطقة التي تحتضنها هضبة المقطم، شرق القاهرة، كبساط أصفر، تتخللها القباب والمآذن السامقة، والأشجار التي تسر زهورها الملوّنة الزائرين. في حين تُضفي شواهد المدافن التراثية وزخارفها أجواء تاريخية، ونفحات دينية يدور صداها في ضريح الإمام الشافعي، ومدافن «العائلة المالكة» المعروفة باسم «حوش الباشا» والمدفون بها عدد كبير من نسل محمد علي، والتي تتميز بزخارفها ونقوشها الفريدة على القطع الرخامية النادرة.

وتستهوي القرافة مجموعات كبيرة من محبي التراث المصري، والباحثين الآثاريين، من بينهم ندى زين الدين، وهي باحثة أثرية تنظم جولات متكررة بجَبَّانات القاهرة. تقول ندى: إن مدافن الليث ابن سعد، والسيدة عائشة، والإمام الشافعي، من أبرز المناطق التي تحب التجول بها باستمرار مع أصدقائها بسبب كنوزها التراثية والشخصيات المدفونة بها.

منظر من الجو لقلعة صلاح الدين الأيوبي ومقابر البساتين في وسط شرقي القاهرة يوم 28 أبريل 2023 (أ.ف.ب)

وفاجأ ندى ومن معها من محبي التراث، طراز مدفن عائلة «عظم» المعماري، وقباب مدفن عائلة محمد فاضل باشا درامللي، الذي استقبل زائريه بلوحة رخامية تشير إلى تسجيل المدفن ذي القباب المميزة، بقائمة لجنة الطراز المعماري المتميز، في محاولة من العائلة لإثناء الجهات المختصة عن هدم المدفن الذي يقع في طريق الجسر المزمع إنشاؤها، وهو ما تكرر كذلك في مدافن يحيى باشا إبراهيم.

أجواء المقابر الموحشة، التي يخشاها كثيرون في العادة، في فترات الظهيرة والمساء، لا يوجد لها أثر في قرافات القاهرة، بسبب «ونس» سكان المقابر الأحياء، الذين يسيرون على مدار الساعة بين دروبها، وشوارعها الفسيحة، حيث يرحّبون بالغرباء بعد رمقهم بنظرات فاحصة.

إلى جوار مقابر «الأسرة المالكة»، بجَبَّانة الإمام الشافعي، تقبع مدافن رموز أدبية وسياسية مصرية وعائلات شهيرة، من بينها الأديب والمؤرخ المصري أحمد تيمور باشا، وعائلة النحاس، وعائلة الشماشرجي، وأنختار أغاسي، وعلي باشا فهمي، وضريح إسماعيل باشا صدقي وأسرته، ومدفن علوي باشا، ومسجد وضريح محمود باشا الفلكي.

«نطاق مدافن القاهرة يُعدّ نسيجاً عمرانياً متفرداً، لا يصح قطعه بشق طرق أو كباري؛ فالمدن التراثية لا ينظر إليها بشكل جزئي، بل بنظرة شمولية وحضارية»، وفق ما قالت لـ«الشرق الأوسط» الدكتورة سهير زكي حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بجامعة القاهرة، وعضو مجلس إدارة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.

منظر جوي لعمليات بناء في منطقة تقع جنوب متحف الحضارات وقرب مدافن تاريخية في القاهرة القديمة في 28 أبريل 2023 (أ.ف.ب)

«مقبرة الخالدين»

ويترقب متابعون عمل اللجنة الوزارية المكلفة إنشاء مقبرة للخالدين، حيث لا يستسيغ كثيرون نقل الرفات من موقعها الحالي إلى مكان جديد بالصحراء.

ويعدّ الدكتور محمد عبد المقصود إنشاء مقبرة للخالدين «عملاً محفوفاً بالمخاطر والصعوبات الميدانية»، ونوّه إلى أن «الأزمة الراهنة تجاوزت إهمال الأبنية التراثية إلى الأبنية الأثرية، وخصوصاً في جَبَّانة السيوطي بمنطقة السيدة عائشة».

وفي المقابل، أشاد الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية السابق، والذي يُعدّ أحد أبرز الداعمين لفكرة إنشاء مقبرة الخالدين، بتوجيهات الرئيس المصري الأخيرة، مقترحاً إنشاء المقبرة على غرار النمط الفرنسي، لتضم رفات الكبار والعظماء في مجالات السياسة والأدب والفنون والموسيقى. ويرى الفقي أن «المقبرة ستكون بمنزلة تكريم لرموز مصر»، كما طالب بـ«تقسيم أماكن الدفن بحسب تخصصات (الخالدين)»، مؤكداً أن «هذا المشروع سيكون رائداً بين دول الشرق».

مقابر السيدة عائشة التاريخية في القاهرة في صورة التُقطت في 24 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

سيولة مرورية

ويشهد إقليم القاهرة الكبرى كثافة سكانية كبيرة، تستلزم شق طرق وجسور جديدة، للقضاء على الاختناقات المرورية الشديدة، ببعض الأحياء، ومن بينها منطقة جَبَّانات القاهرة، وفق الدكتور حسن مهدي، أستاذ النقل والطرق، بكلية الهندسة، جامعة عين شمس.

ويدافع الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، عن مشروعات الطرق الجارية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذا مشروع قومي مهم جداً، لا يؤثر على الآثار الموجودة بالجَبَّانة»، مطالباً بـ«عدم تحميله مسؤولية كل ما يحدث في الجَبَّانة لكثرة الجهات المشرفة عليها».

رموز

وقد شارك في إنشاء مدافن القاهرة عدد من كبار المعماريين الأجانب، منهم المهندس الإيطالي إرنستو فيروتشي، كبير المهندسين في السرايات الملكية، وصاحب تصميم قصر رأس التين، ومبنى معهد الموسيقى العربية، وإضافات قصر عابدين.

وتضم جَبَّانة القاهرة بين جوانبها مقابر بعض الشخصيات الشهيرة، أمثال ابن ورش، صاحب «قراءة ورش» القرآنية، والشيخ محمد رفعت وعبد الخالق باشا ثروت، والشمسي باشا، وعثمان مصطفى، ومحمد نسيم توفيق.

كما تضم رفات فنانين مشاهير، من بينهم يوسف وهبي، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وأسمهان، وفريد الأطرش، وهند رستم، وصلاح ذو الفقار.

قرافة الإمام الشافعي حيث يتم إنشاء مشروع طريق جديدة في العاصمة المصرية في صورة التُقطت في 31 مايو (أيار) الماضي (رويترز)

ومن الشعراء تضم مقبرة محمود سامي البارودي، الذي خدم وزيراً للحربية، و«شاعر النيل» حافظ إبراهيم، و«عميد الأدب العربي» طه حسين.

وكما كانت حكايا الدفن وترانيمه شغلاً شاغلاً للمصريين على مدى آلاف السنين، يبدو أنها ستظل كذلك لقرون أخرى عديدة.


مقالات ذات صلة

تفاعل مصري بعد تشبيه السيسي الوضع الراهن بـ«نكسة 67»

شمال افريقيا السيسي خلال كلمته في حفل «اتحاد القبائل والعائلات المصرية» (الرئاسة المصرية)

تفاعل مصري بعد تشبيه السيسي الوضع الراهن بـ«نكسة 67»

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن «حرب أكتوبر» ستظل «حكاية ملهمة لن تنتهي»، والنصر الذي تحقق كانت وراءه إرادة شعب كامل، رفض الهزيمة وتحدّى نفسه والظروف.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يشهد احتفالية «اتحاد القبائل والعائلات المصرية» بمناسبة ذكرى انتصار أكتوبر (الرئاسة المصرية)

مصر: «اتحاد القبائل» يوسّع كيانه... وينال «شرعية» بحضور رئاسي

مرحّباً بانضمام العائلات والتكتلات الوطنية كافةً وسع «اتحاد القبائل والعائلات المصرية» كيانه، ونال «شرعية» بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي حفلاً نظمه مساء السبت.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصطفى مدبولي خلال متابعة مستجدات تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع رأس الحكمة (مجلس الوزراء المصري)

مصر تتابع تنفيذ المرحلة الأولى من «رأس الحكمة» و«تعويضات» الأهالي

دشّن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مطلع الشهر الحالي، مشروع «رأس الحكمة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا بنايات على نيل القاهرة (الشرق الأوسط)

«داخلية مصر» تتهم «الإخوان» بنشر إشاعات حول ضباط الشرطة والسجون

اتهمت وزارة الداخلية المصرية جماعة «الإخوان»، التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية» بـ«نشر إشاعات حول ضباط الشرطة والسجون»، عبر 3 إفادات رسمية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا محافظ الأقصر والأطباء مع الطالبات في المستشفى (محافظة الأقصر)

مصر: تحقيق في ملابسات «تسمم» طالبات جامعة الأزهر بالأقصر

تباشر النيابة المصرية، وكذا جامعة الأزهر، التحقيق في ملابسات «تعرض عدد من طالبات المدينة الجامعية لجامعة الأزهر في مدينة الأقصر المصرية (جنوب البلاد) للتسمم».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.