المصريون الشباب وأكتوبر... فخر وتفاعل رغم التشويش

ميراث تحفظه حكايات المعاصرين وتوثّقه صور المقاتلين

TT

المصريون الشباب وأكتوبر... فخر وتفاعل رغم التشويش

أسرة مصرية تحضر عرضاً في متحف (بانوراما حرب السادس من أكتوبر) في القاهرة مطلع الشهر الحالي (أ.ف.ب)
أسرة مصرية تحضر عرضاً في متحف (بانوراما حرب السادس من أكتوبر) في القاهرة مطلع الشهر الحالي (أ.ف.ب)

عند كل ذكرى لحرب أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1973، موعد لا يخطئه المصريون مع جدل متجدد حول «آخر الحروب» الكبرى التي خاضها الجيش المصري. ورغم مضي خمسة عقود على الحرب، فإن أحاديث «الفخر» لا تزال ميراثاً متداولاً من جيل إلى جيل، تحفظه حكايات الجدات، وترسم معالمه ملامح الآباء الذين قضوا في الحرب، أو بعدها، تاركين خلفهم صورة في زي عسكري، تُزيّن جدران البيوت.

ويعزو مؤرخون ومواطنون ارتباط المصريين بالحرب إلى «وشائج ذات أبعاد عدة، تختلط فيها وقائع القتال، بتفاعلات اجتماعية، وقومية، وذاكرة جمعية تتفق على أهمية ذلك الفصل من التاريخ الوطني»، بحسب الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان.

يقول الدسوقي، لـ«الشرق الأوسط»: إن الجيل الشاب من المصريين يتفاعل مع ذكرى حرب أكتوبر من خلال ما يتم نشره من أحاديث مع رجالات الجيش في الحرب، والمذكرات واليوميات التي سبق نشرها، ويعاد طباعتها. وأشار المؤرخ المصري إلى أن الوسائط التكنولوجية الحديثة «ساعدت على زيادة التفاعل، من خلال سرعة تداول الإفادات، والسير البطولية، فضلاً عن توفير الكتب الرقمية».

وبينما يقرّ بتراجع الاهتمام أحياناً، يقول: إن ذلك «لم يؤثر على نظرة المصريين الشباب للصراع مع إسرائيل، وخاصة في ظل واقع القضية الفلسطينية».

أطفال مصريون يلتقطون صوراً لمشاهد تجسد حرب أكتوبر في متحف خاص بالمعركة في القاهرة (أ.ف.ب)

وعبر موقع «فيسبوك»، نشرت صفحة باسم «اكتشف معنا السويس»، صورة لمنزل قديم، في سبتمبر (أيلول)، قبل أيام من حلول ذكرى الحرب، تقول: «عند دخولك لهذه المدينة ستجد لافتة كُتب عليها: ارفع رأسك عالياً، أنت في مدينة الأبطال. بيوت السويس القديمة، وما زالت آثار طلقات النار على جدرانها موجودة حتى الآن».

ويحتفظ مواطنو مدن إقليم قناة السويس في مصر (الإسماعيلية والسويس وبورسعيد)، بمشاعر فخر إزاء الحرب، تغذيها أغنيات شعبية عن الصمود، عُرفت بها خلال سنوات الصراع في مطلع سبعينات القرن الماضي.

ويرى الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، أن هناك «معركة تديرها إسرائيل في الإعلام لإثبات أنها انتصرت في حرب 1973»، ويقول لــ«الشرق الأوسط»: «أجد شباباً مثقفين يعرفون حقيقة ما جرى، يردّون على الذين يشوّهون تاريخ حرب أكتوبر ويُفحمونهم بقراءاته. وهذا النوع من الشباب هو الذي نريده ليحافظ على وعيه التاريخي وهويته».

وخلال الأعوام القليلة الماضية، دأب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، على الترويج عبر المنصات الاجتماعية، مع حلول ذكرى الحرب، لإفادة تقول: إن هذه المواجهة «التي بدأت بمفاجأة كبيرة، انتهت بنصر عسكري إسرائيلي وفتحت أبواب السلام مع أعظم دولة عربية»، وهو ما قوبل بتعليقات مضادة من المصريين الذين دافعوا عن «السردية المصرية لمجريات الحرب ومآلاتها».

وهنا، يقول الأكاديمي المصري جمال شقرة: إن على المؤرخين والمؤسسات المعنية بالتنشئة الاجتماعية «مواجهة الأكاذيب والشائعات عبر العمل على تنمية الوعي التاريخي، وضخ مادة علمية موثّقة حول حرب أكتوبر في الفضاء الافتراضي، بأشكال مختلفة».

في عام 2019، حقق فيلم «الممر»، وهو إنتاج مصري عن كتيبة مصرية في فترة «حرب الاستنزاف» التي مهّدت لحرب أكتوبر، إيرادات عدّها نقاد قياسية، بلغت 73 مليوناً، و616 ألف جنيه (الدولار يساوي 30.9 جنيه) بعد عشرة أسابيع في دور العرض، وفق تقارير صحافية مصرية.

أسرة مصرية تحضر عرضاً في متحف (بانوراما حرب السادس من أكتوبر) في القاهرة مطلع الشهر الحالي (أ.ف.ب)

ويقول المصري حسام الجارحي (45 عاماً): إن حرب السادس من أكتوبر «عصيّة على النسيان أو التزييف مهما تباعدت السنون». ويوضح الشاب الذي يعمل مديراً بأحد مصانع مدينة السادات (أنشئت بقرار جمهوري في عام 1978)، أن تفاعل الشباب الآن «يمكن رصده من خلال المشاركة الواسعة عبر المنصات الاجتماعية عندما تحل ذكرى الحرب».

ويضيف، في نبرة حماسية لـ«الشرق الأوسط»: «أولادي لم يشهدوا الحرب، ومع ذلك يفاخرون بحكايات الأجداد والأقارب الذين قضوا سنوات طويلة في ثياب الجندية المصرية. كفاح المصريين في السادس من أكتوبر لم يكن مرتبطاً فقط بالجهد العسكري؛ فقد كانت الأمهات في البيوت، والآباء في الحقول، يوصون أبناءهم بالثأر العسكري من هزيمة 1967 القاسية».

ويشير الجارحي إلى أغنية ألّفها شاعر العامية المصري الراحل، أحمد فؤاد نجم، عقب نكسة 1967، عن قصة لمجند مصري يدعى عبد الودود يتلقى رسالة من أسرته عندما كان مرابضاً على الجبهة ومما جاء فيها: «واه يا عبد الودود... يا رابض عالحدود... ومحافظ عالنظام... كيفك يا واد صحيح... عسى الله تكون مليح... وراقب للأمام... عقولَّك وانت خابر... كل القضية عاد... حِسّك عينك تزحزح... يدّك عن الزناد... خليك يا عبدو راصد... لساعة الحساب... آن الأوان يا ولدي... ما عاد إلا المعاد».

ويضيف الجارحي: «هذه الأغنية عبّرت منذ كتابتها وتداولها، وحتى اليوم، عن الموقف الشعبي المصري في الحرب». ويبدي اعتقاده أن مصادر الشبان المصريين عن الحرب أكثر من أن تُحصى، وخاصة مذكرات الذين شاركوا في الحرب، وفي مقدمتهم الفريق سعد الشاذلي، (رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية بين 1971 وحتى أواخر 1973)، وصاحب أشهر مذكرات عسكرية عن الحرب، والمعنونة: «حرب أكتوبر... مذكرات الشاذلي».


مقالات ذات صلة

مقتل 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على شمال رفح

المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على رفح في غزة (د.ب.أ)

مقتل 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على شمال رفح

قُتل خمسة فلسطينيين وأصيب آخرون، اليوم (السبت)، في قصف إسرائيلي استهدف شمال مدينة رفح في جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي القوات الإسرائيلية تطلق قنابل إنارة فوق خان يونس في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: معارك خان يونس أجبرت 180 ألف شخص على النزوح

أفادت الأمم المتحدة بأن أكثر من 180 ألف فلسطيني اضطروا للنزوح خلال أربعة أيام من القتال العنيف حول مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (خان يونس)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

أميركا ترجئ ترحيل بعض اللبنانيين بسبب التوتر بين إسرائيل و«حزب الله»

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، الجمعة، أن الولايات المتحدة أرجأت ترحيل بعض المواطنين اللبنانيين من البلاد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية أعمدة دخان تتصاعد من موقع استهدفه قصف إسرائيلي في قرية طير حرفا الحدودية جنوب لبنان في 24 يوليو 2024 - وسط اشتباكات حدودية مستمرة بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي «حزب الله» (أ.ف.ب)

«حزب الله» يطلق صواريخ على طائرات حربية إسرائيلية ويستهدف موقعين إسرائيليين 

أعلن «حزب الله» في 3 بيانات منفصلة، الجمعة، أن عناصره أطلقوا صواريخ مضادة للطائرات على طائرات حربية إسرائيلية داخل الأجواء اللبنانية، واستهدفوا مواقع إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية جنود إسرائيليون يسيرون في منطقة تجمع غير معلنة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة وسط استمرار المعارك بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية (د.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي: جثث الرهائن استعيدت من داخل نفق في غزة

قال الجيش الإسرائيلي، الخميس، إن جثث الرهائن الإسرائيليين الخمس الذين استعادهم هذا الأسبوع من قطاع غزة كانت في نفق عميق تحت الأرض.

«الشرق الأوسط» (غزة)

يوم هزّت «أيلول الأسود» شباك «أولمبياد ميونيخ»


أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
TT

يوم هزّت «أيلول الأسود» شباك «أولمبياد ميونيخ»


أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)

تفتتح، غداً، في باريس دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024، وسط إجراءات استثنائية صارمة استدعتها المخاوف الأمنية وذكريات المجزرة التي شهدتها القرية الأولمبية في دورة ميونيخ عام 1972، إثر محاولة لاحتجاز رهائن إسرائيليين نفذتها مجموعة «أيلول الأسود» الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» تعيد تسليط الضوء على تلك «الكارثة الأولمبية» انطلاقاً من أسئلة طرحتها على العقلين المدبرين للعملية. ولدت فكرة الهجوم في لقاء عُقد في مقهى بروما وضم صلاح خلف «أبو إياد» عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» ومساعده فخري العمري ومحمد داود عودة «أبو داود» عضو «المجلس الثوري» لـ«فتح». جاءت الفكرة من العمري وتبناها «أبو إياد» وأوكل التنفيذ إلى «أبو داود».

وتكشف رواية «أبو داود» عن أنه نجح في استطلاع مقر البعثة الإسرائيلية، وأن «أبو إياد» تولى شخصياً إحضار الأسلحة برفقة «زوجته» اللبنانية المزيفة التي سُميت جولييت. وشاءت الصدفة أن يسهم رياضيون أميركيون عائدون من سهرة عامرة في مساعدة الفريق الفلسطيني المهاجم في تسلق السياج ومن دون معرفة غرض الفريق ومحتوى الحقائب التي يحملها.

وتؤكد الرواية أن ياسر عرفات كان على علم بالعملية وأن الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس (مسؤول المالية آنذاك) صرف للفريق المبلغ اللازم لتنفيذها. وانتهت العملية بمقتل 11 إسرائيلياً وخمسة من المهاجمين حين اختلط الرصاص الألماني بالرصاص الفلسطيني.