كان صيف 1982 في لبنان صيف المصائر والمفترقات.
من مبنى في الشطر الشرقي من بيروت راقب وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون، صعود ياسر عرفات إلى باخرة نقلته إلى المنفى الجديد في تونس. توهّم شارون أنه نجح في قصم ظهر المقاومة الفلسطينية وأبعدها لتهرم مع قضيتها بعيداً من الأرض التي كانت تحلم بالعودة إليها. لم ينجح الغزو في استدراج لبنان إلى معاهدة سلام مع إسرائيل. لبنان الحالي أكثر تشدداً حيال الدولة العبرية من لبنان الذي غزته.
على دوي تلك الحرب ستوضع اللبنات الأساسية للتحالف السوري - الإيراني، وعلى الدويّ نفسه تمت ولادة «حزب الله» اللبناني. سوريا التي أرغمها الغزو على سحب قواتها من بيروت عادت إليها بعد سنوات، لتخرج مجدداً في 2005 على دوي اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أما الاتحاد السوفياتي الذي كشف الغزو شيخوخته، فلم يعد قائماً، لكن وريثه فلاديمير بوتين يحارب اليوم على أرض أوكرانيا كأنه يثأر من إذلال روسيا بمحاولة إذلال الغرب، ولو أدى ذلك إلى شطب أوكرانيا أو تدميرها.
كنت هناك في المدينة المحاصرة. راودتني لاحقاً فكرة جمع الشهادات والحكايات. التقيت معظم من كانوا في موقع القرار السياسي والأمني. حاولت الحصول على شهادة عرفات نفسه، لكنه اعتذر بذريعة أنه لا يريد أن يعاقب الشعب الفلسطيني بسبب ذكرياته.
قال عرفات في تونس: «ماذا تريد أن أحكي؟ هل أروي لك مثلاً قصة صبري البنّا (أبو نضال) الذي احتضنته تباعاً ثلاث عواصم عربية؛ هي بغداد ودمشق وطرابلس، والذي كان هاجسه اغتيال الفلسطينيين لا الإسرائيليين؟ هل تريدني أن أحكي لك قصة ما سموه انتفاضة في (فتح) وهي تمت بقرار سوري وتمويل ليبي؟ أم تريدني أن أشكو من بعض الممارسات التي أقدمت عليها منظمات فلسطينية وأساءت إلى صورة نضالنا أو تسببت في وصمنا بالإرهاب أو بررت استهدافنا في هذه العاصمة أو تلك؟ أنا لا أقول إن (فتح) كانت بلا أخطاء. جميعنا أخطأنا لكننا حاولنا دائماً ألا نضل طريقنا ونخسر قضيتنا».
وأضاف: «عوقب الشعب الفلسطيني كثيراً. عوقب بسبب تمسكه بقضيته. وبسبب انطلاق الرصاصة الأولى. واعتبار المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وبسبب تمسكنا بعدم تحوّل القضية الفلسطينية ورقة في أيدي آخرين. عوقبت منظمة التحرير حين تشددت وعوقبت حين اعتدلت. هل تريد أن يعاقب الفلسطينيون أيضاً بسبب ذكرياتي؟ لا أريد فتح الجروح. تذكر بالتأكيد أن صحافياً سألني وأنا أغادر بيروت: إلى أين؟ فأجبته إلى القدس. نحن نستعد لموعدنا مع فلسطين والقدس وليس لنا موعد آخر».
تذكرت صيف المصائر والمفترقات وعدت إلى الشهادات وقلت أشرك قراء «الشرق الأوسط» فيها.
جنرال الـ«كي جي بي» وإيران
في 1980 تلقّى سفير فلسطين في طهران وعضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» هاني الحسن، دعوة عاجلة للتوجه إلى بيروت. فور وصوله أبلغه ياسر عرفات: «سنذهب إلى اجتماع في السفارة السوفياتية وأريدك أن تعبّر بشدة وبدقة». فهم الحسن أن عليه أن يعبّر عن رأي عرفات الذي كان يدرك مدى حضور السوفيات في جسم الثورة الفلسطينية، خصوصاً في أجهزتها الأمنية وعواقب قيامه شخصياً برفض مقترحات سوفياتية حساسة.
حضر الاجتماع من الجانب الفلسطيني عرفات وعضوا اللجنة المركزية في «فتح»؛ صلاح خلف (أبو إياد) وخليل الوزير (أبو جهاد)، وحضر من الجانب السوفياتي الجنرال «ألكسندر» مسؤول الشرق الأوسط في جهاز الاستخبارات (كي جي بي). الإصرار على الاجتماع بالقيادة الفلسطينية لا بمن يمثلها كان يعني أن موسكو تتوقع أن ينتهي الاجتماع بقرار.
تحدث الجنرال «ألكسندر» عن الوضع في المنطقة؛ تحديداً في إيران، لا سيما بعد الدخول العسكري السوفياتي إلى أفغانستان. وفي ختام تحليله، اعتبر أن الوقت حان لتعاون الجانب الفلسطيني مع بلاده لضمان قيام وضع في إيران يسهّل سيطرة الحزب الشيوعي فيها «توده» على مقاليد الأمور. وهذا يعني أن يوسّع الاتحاد السوفياتي سيطرته في المنطقة نظراً لما تعنيه إيران لجهة موقعها وثرواتها. ثم إن الاتحاد السوفياتي كانت تربطه معاهدة «صداقة وتعاون» مع نظام الرئيس صدام حسين.
فوجئ الحسن بالطرح وطلب من عرفات السماح له بمغادرة الاجتماع، لكن الأخير رفض وأجابه: «دعنا نتناقش». ردّ الحسن قائلاً: «أنا لا أناقش موقفاً ضد الثورة الإيرانية التي قدّمت لنا خدمات كبيرة جداً»، في إشارة إلى إسقاطها ما كانت عليه العلاقات الإيرانية - الإسرائيلية في أيام الشاه محمد رضا بهلوي. تكهرب الجو وثار الجنرال الزائر وقال: «أنتم لن تخرجوا عن هذه الدائرة ولن تصنعوا شيئاً من دوننا». فرد الحسن: «إن دخولك إيران يعني أن قيمة إسرائيل الاستراتيجية ستزداد بنسبة مليون في المائة لدى الغرب، وبالتالي إيّاك أن تفكر في هذا. نحن من جانبنا سنبذل كل جهدنا من أجل قيام علاقات إيرانية - سوفياتية جيدة. وسبق أن أحضرنا عرضاً من الإيرانيين في شأن أفغانستان وخروج السوفيات منها مقابل التعاون».
توترت أجواء الاجتماع. التزم عرفات والوزير الصمت، وبدا أبو إياد قريباً من الموقف السوفياتي. ورأى الحسن أن الاجتماع كشف الطريقة التي كان السوفيات يتعاملون بها مع الوضع في لبنان وإيران والعراق وأفغانستان ومستقبل الصراعات في هذه الدول.
لقاء في غابة سوفياتية
موعد حساس آخر كان شديد التعبير. في بداية السبعينات عقد في غابة قريبة من موسكو لقاء بقي طويلاً طي الكتمان. في تلك الغابة التقى مسؤول «المجال الخارجي» في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» الدكتور وديع حداد، رئيس الـ«كي جي بي» يوري أندروبوف، الذي سيتولى في الثمانينات زعامة الاتحاد السوفياتي. كانت السرية مطلوبة إلى أقصى درجة، فحداد كان يدير منذ سنوات عمليات خطف الطائرات قبل أن يطلق في وجه العالم رجلاً اسمه كارلوس وكان لقبه في التنظيم «سالم». خلال اللقاء طلب حداد بعض الأسلحة النوعية الصغيرة وهو تسلمها لاحقاً قبالة شواطئ عدن.
أول اتصال رفيع بين موسكو والثورة الفلسطينية حصل في 1968 وبمبادرة من الرئيس جمال عبد الناصر. فبعد معركة الكرامة الشهيرة في تلك السنة التي واجه خلالها الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية الجيش الإسرائيلي، استقبل عبد الناصر وفداً من «فتح». حضر اللقاء عرفات وأبو إياد وهاني الحسن. تبلورت خلال الاتصال فكرة إجراء اتصال فلسطيني مع السوفيات. قرر عبد الناصر أن يصطحب عرفات معه في زيارته إلى موسكو. انضم عرفات إلى الوفد باسم مستعار واتُفق على إبقاء قصة الرحلة سرية. بعد ذلك بعامين التقى مبعوث سوفياتي سراً عرفات في أحراج الأردن، وبعده خرجت العلاقة إلى العلن.
أدركت موسكو أهمية العلاقة مع الثورة الفلسطينية فراحت تنسج الروابط، الأمر الذي مكّنها بعد سنوات قليلة أن تكون صاحبة ثقل في التأثير على القرار الفلسطيني السياسي والأمني. أبرمت موسكو علاقات وثيقة مع منظمات اليسار الفلسطيني، وفي طليعتها «الجبهة الشعبية» و«الجبهة الديمقراطية»، وكذلك مع الاتجاه اليساري في حركة «فتح»، وكانت حاضرة في الأجهزة الأمنية للمقاومة الفلسطينية، خصوصاً بعدما قدّمت مباشرة أو عبر حلفائها في أوروبا الشرقية مساعدات من قماشة التسليح أو التدريب.
هذه العلاقة مع الاتحاد السوفياتي دفعت المقاومة الفلسطينية والأحزاب الحليفة في لبنان إلى استبعاد احتمال أن يقرع الغزو الإسرائيلي للبنان في 6 يونيو (حزيران) 1982، أبواب بيروت ويدخلها. في يوم انطلاق الغزو، التقى في غرفة عمليات المقاومة الفلسطينية في محلة الفاكهاني ببيروت عدد من المسؤولين في «فتح» وفي الحركة الوطنية اللبنانية. كان حاضراً أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد وأبو الوليد (سعد صايل)، وجورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، ومحسن إبراهيم الأمين العام لـ«منظمة العمل الشيوعي».
جرى الحديث عن أن الاجتياح الاسرائيلي قد يكون هذه المرة أوسع من السابق، خصوصاً مع وجود حكومة إسرائيلية يرأسها مناحيم بيغن ويتولى حقيبة الدفاع فيها آرييل شارون. لم يستبعد بعض الحاضرين أن تتخطى قوات إسرائيلية مدينة صور وتتقدم باتجاه مدينة صيدا، لكنهم لم يتوقعوا أن يتوغل الجيش الإسرائيلي أكثر في اتجاه مداخل بيروت. وكان من أسباب هذه القناعة قراءة الوضع الدولي على نحو يترك للاتحاد السوفياتي دوراً كبيراً فيها. يضاف إلى ذلك أن وحدات من الجيش السوري كانت ترابط في بيروت والاشتباك معها يُنذر بإطلاق حرب سورية - إسرائيلية، ما يعني التحرش بحليف لموسكو التي استبعدوا أن تفرّط بموقعها في المنطقة ومصير حلفائها، خصوصاً في ضوء رصيد الثورة الفلسطينية في العالمين العربي والإسلامي.
لم تصطدم القوات الإسرائيلية بالمقاومة التي كانت متوقعة. لم يكن هناك أمر رسمي بالانسحاب؛ لكن حصلت حالة من الضياع رافقتها معارك متفرقة، إلى أن وقعت المواجهات في خلدة على أبواب بيروت، ولم يتأخر الجيش الإسرائيلي في تطويق العاصمة اللبنانية. وأظهرت الأحداث أيضاً أنه لم تكن لدى السوفيات أو حلفائهم، معلومات عن احتمال وصول الاجتياح الإسرائيلي إلى بيروت. والأمر نفسه بالنسبة للقيادة السورية، ذلك أن الوحدات السورية كانت منتشرة في بيروت على نحو لا يوحي بأنها قد تستهدف بعملية تطويق من هذا النوع. وفي مشهد غير مسبوق في تاريخ النزاع العربي - الإسرائيلي، تتالت المفاجآت، وكان أبرزها ما يتعلق بالموقف السوفياتي.
موعد مع بشير الجميل
كان الجيش الإسرائيلي بلغ منطقة الشوف في جبل لبنان حين عقد اجتماع بعيداً عن الأضواء. كلّف أبو عمار الحسن الذهاب إلى ذلك الاجتماع مع قائد «القوات اللبنانية» بشير الجميل في منزل مدير المخابرات بالجيش اللبناني جوني عبده. وكان الجميل من بادر إلى اقتراح الاجتماع لإيفاد رسالة إلى عرفات. قال الجميل في الاجتماع إن الإسرائيليين في الشوف. نظر إلى ساعته وأضاف: «إذا كنتم على استعداد لإلقاء سلاحكم والخروج من لبنان، فأنا مستعد أن أؤمن لكم الخروج السليم والكريم وأريد جواباً سريعاً قبل أن يصلوا إلى بيروت». اقترح الحسن الخروج إلى الشرفة تفادياً لاحتمال وجود تسجيل داخل منزل عبده.
قال بشير الجميل لهاني الحسن: إذا كنتم على استعداد لإلقاء سلاحكم والخروج من لبنان، فأنا مستعد لتأمين الخروج السليم والكريم لكم وأريد جواباً سريعاً قبل أن يصلوا إلى بيروت
روى الحسن أنه لاحظ قدراً من الاضطراب في سلوك بشير، وأنه لم يضرب بقبضته على الطاولة مستقوياً بالإسرائيليين. وقال إنه خاطب محاوره قائلاً: «يا بشير، اسمح لي أن أخاطبك بصراحة. أنا ممن يتابعونك، وعملي هو أن أتابعك. أنت مهتم برئاسة الجمهورية وهي لن تأتيك من هذا الطريق. وسجّل عليّ أنكم كما أتيتم بالسوريين لتضربوا الفلسطينيين فأنتم الآن تأتون بالإسرائيليين لتضربوا الاثنين، وستكون نتيجة هذه اللعبة أن نُضرب نحن وتنتهي أنت. في لبنان كثير من الخير ويغري من يدخله. لا الإسرائيلي سيخرج ولا السوري سيخرج. وأنت لا قِبل لك بهذا الطرف أو ذاك... لذلك أقول لك إذا كنت تعتقد أن هذا طريقك إلى رئاسة الجمهورية فأنت تخطئ. بخلاف ذلك إذا فكّرت معنا ومع الحركة الوطنية اللبنانية فإن الفرص ستكون أكبر».
وأضاف: «قلت لبشير أيضاً: من سيقبل باستضافة المسلحين الفلسطينيين؟ الأردن أم سوريا أم غيرهما؟ رد متعهداً بإيجاد حلّ على أن يبقى عدد صغير ويكون تابعاً للجيش اللبناني، أي فكرة الثكنتين التي ظهرت لاحقاً. بعد وصول الإسرائيليين إلى بيروت لم تعد اللعبة في يد بشير ولم يعد قادراً على القبول أو الرفض».
وتابع: «بعد عودتي من الاجتماع مع بشير عقدنا اجتماعاً في مكان مهجور. عرف محسن إبراهيم أنني التقيت بشير فطلب إبقاء الأمر سراً عن وليد جنبلاط لأنه سيشمئز. كان أبو عمار يميل إلى عدم قطع الاتصال مع بشير. حصلت مشادة بيني وبين محسن. وكان عنيفاً جداً ولعب دوراً رهيباً في تلك الفترة. المشكلة أن الحركة الوطنية كانت ضعيفة وتريد أن تلعب ورقة الفلسطينيين في مقابل الغطاء الذي كانت تعطيه لهم، ولكن بموقف متشدد ضد سوريا. أنا شخصياً كنت دائماً معارضاً لهذا الموقف».
روى محسن إبراهيم أنه تشاور مع عرفات وحاوي، وكان الهمّ الأول استكشاف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه موسكو في وقف العدوان الإسرائيلي. وكان من الطبيعي أن توكل هذه المهمة إلى حاوي بسبب علاقة حزبه الوثيقة بالسوفيات.
سألت حاوي لاحقاً، فأجاب: «كنت أعتقد أن تصفية الثورة الفلسطينية وضرب الحركة الوطنية قد يشكلان خطاً أحمر عند أحد جانبي المعادلة الدولية، تحديداً الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، لكنني بعد شهر وربما شهر ونصف الشهر خرجت بقناعة كاملة أن كل شيء مباح، وأن لا فعل للقرار العربي الرسمي والشعبي ولا أثر للقرار الدولي النقيض. وزادني قناعة ما لاحظته في كل مرة كنت أنظّم فيها لقاء بين السفير السوفياتي المتألم في سفارته والأخ عرفات».
وأضاف: «كنت آخذ عرفات في سيارة مدنية عادية، فنحن مكشوفون للاستخبارات الإسرائيلية والتصوير الإسرائيلي. عندما كنا نجتمع يبدأ القصف الإسرائيلي على محيط السفارة، فننزل إلى الملجأ. القصف كان رسالة من إسرائيل إلى عرفات مفادها: لا تتكلوا على السوفيات».
كان حاوي يأمل في أن تصدر موسكو تحذيراً يقارب التهديد. أن تعلن مثلاً عن إرسال قطعة بحرية إلى قبالة بيروت. أن ترسل على الأقل سفينة لنقل الجرحى. لم يستطع سفير الاتّحاد السوفياتي ألكسندر سولداتوف أن يعد بشيء من هذا النوع. وكان حاوي ينقل خيباته إلى عرفات وإبراهيم.
في الأسابيع الأولى لم يصدّق جورج حبش ونايف حواتمة أن الاتحاد السوفياتي سيتخذ موقف المتفرج. كانا يراهنان على تدخل سوفياتي في صورة ما. لكن الكلام القاطع سيسمعه عرفات من سولداتوف وفي حضور الحسن الذي طلب منه عرفات حضور الاجتماع.
قال عرفات للسفير السوفياتي مستغرباً: «أنا ياسر عرفات أخرج على ظهر مدمرات أميركية؟». رد السفير: «اخرج أنت وكوادرك، المهم المحافظة على الكوادر»
روى الحسن. جاء السفير سولداتوف وقال لعرفات: «اخرج من بيروت». رد عرفات: «كيف أخرج؟». أجابه: «اخرج على ظهر المدمرات الأميركية». قال عرفات مستغرباً: «أنا ياسر عرفات أخرج على ظهر مدمرات أميركية؟». رد السفير: «اخرج أنت وكوادرك، المهم المحافظة على الكوادر». قال عرفات: «والله لو خرجت من هنا لن أطاع، فأنا لست دولة». قال السفير: «إذن ستؤخذ أسيراً بالشبكة»، فرد عرفات: «إن قائداً في مسدسه طلقتان لا يؤخذ أسيراً». لياسر عرفات في الحرب مواقف تاريخية. أفهمَ السفير السوفياتي أن الجلسة باتت شبه منتهية.
وتابع الحسن: «ذهب السفير السوفياتي لزيارة حبش الذي سأله: متى تتدخلون؟ فأجابه: أي جنون هذا؟ أمن أجل بيروت نُدمّر العالم؟ اخرجوا. قال حبش: كيف؟ فرد السفير: اخرجوا تحت راية الصليب الأحمر. ذُهل حبش وطلب من بسام أبو شريف أن يناديني. سألني هل التقيت السفير السوفياتي، فأجبت: وهل جاءك بورقة النعي؟ يا حكيم منذ سنة ونحن نتحدث عن الهجوم (الإسرائيلي). بعدها اتخذ حبش قراره الشهير وأعلن أنه مع ياسر عرفات. قلت له: التدخل السوفياتي غير وارد، وعلينا أن ننتظر الدور العربي. والواقع أن كل الذين عارضوا (المغادرة) تسابقوا لاحقاً في تسجيل قواتهم بلوائح المغادرين».
غداً حلقة ثانية...