خيّبت موسكو عرفات وحبش وطالبتهما بالخروج من بيروت

شهادات من صيف المصائر والمفترقات حين حاصرت إسرائيل العاصمة اللبنانية واجتاحتها (1 من 3)

TT

خيّبت موسكو عرفات وحبش وطالبتهما بالخروج من بيروت

عرفات مع مجموعة من مساعديه في بيروت خلال الاستعدادات للتصدي للقوات الإسرائيلية عام 1982 (غيتي)
عرفات مع مجموعة من مساعديه في بيروت خلال الاستعدادات للتصدي للقوات الإسرائيلية عام 1982 (غيتي)

كان صيف 1982 في لبنان صيف المصائر والمفترقات.

من مبنى في الشطر الشرقي من بيروت راقب وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون، صعود ياسر عرفات إلى باخرة نقلته إلى المنفى الجديد في تونس. توهّم شارون أنه نجح في قصم ظهر المقاومة الفلسطينية وأبعدها لتهرم مع قضيتها بعيداً من الأرض التي كانت تحلم بالعودة إليها. لم ينجح الغزو في استدراج لبنان إلى معاهدة سلام مع إسرائيل. لبنان الحالي أكثر تشدداً حيال الدولة العبرية من لبنان الذي غزته.

على دوي تلك الحرب ستوضع اللبنات الأساسية للتحالف السوري - الإيراني، وعلى الدويّ نفسه تمت ولادة «حزب الله» اللبناني. سوريا التي أرغمها الغزو على سحب قواتها من بيروت عادت إليها بعد سنوات، لتخرج مجدداً في 2005 على دوي اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أما الاتحاد السوفياتي الذي كشف الغزو شيخوخته، فلم يعد قائماً، لكن وريثه فلاديمير بوتين يحارب اليوم على أرض أوكرانيا كأنه يثأر من إذلال روسيا بمحاولة إذلال الغرب، ولو أدى ذلك إلى شطب أوكرانيا أو تدميرها.

كنت هناك في المدينة المحاصرة. راودتني لاحقاً فكرة جمع الشهادات والحكايات. التقيت معظم من كانوا في موقع القرار السياسي والأمني. حاولت الحصول على شهادة عرفات نفسه، لكنه اعتذر بذريعة أنه لا يريد أن يعاقب الشعب الفلسطيني بسبب ذكرياته.

بيروت تحترق بالقصف الإسرائيلي خلال اجتياح عام 1982 (غيتي)

قال عرفات في تونس: «ماذا تريد أن أحكي؟ هل أروي لك مثلاً قصة صبري البنّا (أبو نضال) الذي احتضنته تباعاً ثلاث عواصم عربية؛ هي بغداد ودمشق وطرابلس، والذي كان هاجسه اغتيال الفلسطينيين لا الإسرائيليين؟ هل تريدني أن أحكي لك قصة ما سموه انتفاضة في (فتح) وهي تمت بقرار سوري وتمويل ليبي؟ أم تريدني أن أشكو من بعض الممارسات التي أقدمت عليها منظمات فلسطينية وأساءت إلى صورة نضالنا أو تسببت في وصمنا بالإرهاب أو بررت استهدافنا في هذه العاصمة أو تلك؟ أنا لا أقول إن (فتح) كانت بلا أخطاء. جميعنا أخطأنا لكننا حاولنا دائماً ألا نضل طريقنا ونخسر قضيتنا».

وأضاف: «عوقب الشعب الفلسطيني كثيراً. عوقب بسبب تمسكه بقضيته. وبسبب انطلاق الرصاصة الأولى. واعتبار المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وبسبب تمسكنا بعدم تحوّل القضية الفلسطينية ورقة في أيدي آخرين. عوقبت منظمة التحرير حين تشددت وعوقبت حين اعتدلت. هل تريد أن يعاقب الفلسطينيون أيضاً بسبب ذكرياتي؟ لا أريد فتح الجروح. تذكر بالتأكيد أن صحافياً سألني وأنا أغادر بيروت: إلى أين؟ فأجبته إلى القدس. نحن نستعد لموعدنا مع فلسطين والقدس وليس لنا موعد آخر».

تذكرت صيف المصائر والمفترقات وعدت إلى الشهادات وقلت أشرك قراء «الشرق الأوسط» فيها.

جنرال الـ«كي جي بي» وإيران

في 1980 تلقّى سفير فلسطين في طهران وعضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» هاني الحسن، دعوة عاجلة للتوجه إلى بيروت. فور وصوله أبلغه ياسر عرفات: «سنذهب إلى اجتماع في السفارة السوفياتية وأريدك أن تعبّر بشدة وبدقة». فهم الحسن أن عليه أن يعبّر عن رأي عرفات الذي كان يدرك مدى حضور السوفيات في جسم الثورة الفلسطينية، خصوصاً في أجهزتها الأمنية وعواقب قيامه شخصياً برفض مقترحات سوفياتية حساسة.

حضر الاجتماع من الجانب الفلسطيني عرفات وعضوا اللجنة المركزية في «فتح»؛ صلاح خلف (أبو إياد) وخليل الوزير (أبو جهاد)، وحضر من الجانب السوفياتي الجنرال «ألكسندر» مسؤول الشرق الأوسط في جهاز الاستخبارات (كي جي بي). الإصرار على الاجتماع بالقيادة الفلسطينية لا بمن يمثلها كان يعني أن موسكو تتوقع أن ينتهي الاجتماع بقرار.

تحدث الجنرال «ألكسندر» عن الوضع في المنطقة؛ تحديداً في إيران، لا سيما بعد الدخول العسكري السوفياتي إلى أفغانستان. وفي ختام تحليله، اعتبر أن الوقت حان لتعاون الجانب الفلسطيني مع بلاده لضمان قيام وضع في إيران يسهّل سيطرة الحزب الشيوعي فيها «توده» على مقاليد الأمور. وهذا يعني أن يوسّع الاتحاد السوفياتي سيطرته في المنطقة نظراً لما تعنيه إيران لجهة موقعها وثرواتها. ثم إن الاتحاد السوفياتي كانت تربطه معاهدة «صداقة وتعاون» مع نظام الرئيس صدام حسين.

ياسر عرفات في بيروت خلال الاجتياح الإسرائيلي (غيتي)

فوجئ الحسن بالطرح وطلب من عرفات السماح له بمغادرة الاجتماع، لكن الأخير رفض وأجابه: «دعنا نتناقش». ردّ الحسن قائلاً: «أنا لا أناقش موقفاً ضد الثورة الإيرانية التي قدّمت لنا خدمات كبيرة جداً»، في إشارة إلى إسقاطها ما كانت عليه العلاقات الإيرانية - الإسرائيلية في أيام الشاه محمد رضا بهلوي. تكهرب الجو وثار الجنرال الزائر وقال: «أنتم لن تخرجوا عن هذه الدائرة ولن تصنعوا شيئاً من دوننا». فرد الحسن: «إن دخولك إيران يعني أن قيمة إسرائيل الاستراتيجية ستزداد بنسبة مليون في المائة لدى الغرب، وبالتالي إيّاك أن تفكر في هذا. نحن من جانبنا سنبذل كل جهدنا من أجل قيام علاقات إيرانية - سوفياتية جيدة. وسبق أن أحضرنا عرضاً من الإيرانيين في شأن أفغانستان وخروج السوفيات منها مقابل التعاون».

توترت أجواء الاجتماع. التزم عرفات والوزير الصمت، وبدا أبو إياد قريباً من الموقف السوفياتي. ورأى الحسن أن الاجتماع كشف الطريقة التي كان السوفيات يتعاملون بها مع الوضع في لبنان وإيران والعراق وأفغانستان ومستقبل الصراعات في هذه الدول.

لقاء في غابة سوفياتية

موعد حساس آخر كان شديد التعبير. في بداية السبعينات عقد في غابة قريبة من موسكو لقاء بقي طويلاً طي الكتمان. في تلك الغابة التقى مسؤول «المجال الخارجي» في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» الدكتور وديع حداد، رئيس الـ«كي جي بي» يوري أندروبوف، الذي سيتولى في الثمانينات زعامة الاتحاد السوفياتي. كانت السرية مطلوبة إلى أقصى درجة، فحداد كان يدير منذ سنوات عمليات خطف الطائرات قبل أن يطلق في وجه العالم رجلاً اسمه كارلوس وكان لقبه في التنظيم «سالم». خلال اللقاء طلب حداد بعض الأسلحة النوعية الصغيرة وهو تسلمها لاحقاً قبالة شواطئ عدن.

أول اتصال رفيع بين موسكو والثورة الفلسطينية حصل في 1968 وبمبادرة من الرئيس جمال عبد الناصر. فبعد معركة الكرامة الشهيرة في تلك السنة التي واجه خلالها الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية الجيش الإسرائيلي، استقبل عبد الناصر وفداً من «فتح». حضر اللقاء عرفات وأبو إياد وهاني الحسن. تبلورت خلال الاتصال فكرة إجراء اتصال فلسطيني مع السوفيات. قرر عبد الناصر أن يصطحب عرفات معه في زيارته إلى موسكو. انضم عرفات إلى الوفد باسم مستعار واتُفق على إبقاء قصة الرحلة سرية. بعد ذلك بعامين التقى مبعوث سوفياتي سراً عرفات في أحراج الأردن، وبعده خرجت العلاقة إلى العلن.

أدركت موسكو أهمية العلاقة مع الثورة الفلسطينية فراحت تنسج الروابط، الأمر الذي مكّنها بعد سنوات قليلة أن تكون صاحبة ثقل في التأثير على القرار الفلسطيني السياسي والأمني. أبرمت موسكو علاقات وثيقة مع منظمات اليسار الفلسطيني، وفي طليعتها «الجبهة الشعبية» و«الجبهة الديمقراطية»، وكذلك مع الاتجاه اليساري في حركة «فتح»، وكانت حاضرة في الأجهزة الأمنية للمقاومة الفلسطينية، خصوصاً بعدما قدّمت مباشرة أو عبر حلفائها في أوروبا الشرقية مساعدات من قماشة التسليح أو التدريب.

هذه العلاقة مع الاتحاد السوفياتي دفعت المقاومة الفلسطينية والأحزاب الحليفة في لبنان إلى استبعاد احتمال أن يقرع الغزو الإسرائيلي للبنان في 6 يونيو (حزيران) 1982، أبواب بيروت ويدخلها. في يوم انطلاق الغزو، التقى في غرفة عمليات المقاومة الفلسطينية في محلة الفاكهاني ببيروت عدد من المسؤولين في «فتح» وفي الحركة الوطنية اللبنانية. كان حاضراً أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد وأبو الوليد (سعد صايل)، وجورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، ومحسن إبراهيم الأمين العام لـ«منظمة العمل الشيوعي».

وداع ياسر عرفات قبل مغادرته بيروت عام 1982 (غيتي)

جرى الحديث عن أن الاجتياح الاسرائيلي قد يكون هذه المرة أوسع من السابق، خصوصاً مع وجود حكومة إسرائيلية يرأسها مناحيم بيغن ويتولى حقيبة الدفاع فيها آرييل شارون. لم يستبعد بعض الحاضرين أن تتخطى قوات إسرائيلية مدينة صور وتتقدم باتجاه مدينة صيدا، لكنهم لم يتوقعوا أن يتوغل الجيش الإسرائيلي أكثر في اتجاه مداخل بيروت. وكان من أسباب هذه القناعة قراءة الوضع الدولي على نحو يترك للاتحاد السوفياتي دوراً كبيراً فيها. يضاف إلى ذلك أن وحدات من الجيش السوري كانت ترابط في بيروت والاشتباك معها يُنذر بإطلاق حرب سورية - إسرائيلية، ما يعني التحرش بحليف لموسكو التي استبعدوا أن تفرّط بموقعها في المنطقة ومصير حلفائها، خصوصاً في ضوء رصيد الثورة الفلسطينية في العالمين العربي والإسلامي.

لم تصطدم القوات الإسرائيلية بالمقاومة التي كانت متوقعة. لم يكن هناك أمر رسمي بالانسحاب؛ لكن حصلت حالة من الضياع رافقتها معارك متفرقة، إلى أن وقعت المواجهات في خلدة على أبواب بيروت، ولم يتأخر الجيش الإسرائيلي في تطويق العاصمة اللبنانية. وأظهرت الأحداث أيضاً أنه لم تكن لدى السوفيات أو حلفائهم، معلومات عن احتمال وصول الاجتياح الإسرائيلي إلى بيروت. والأمر نفسه بالنسبة للقيادة السورية، ذلك أن الوحدات السورية كانت منتشرة في بيروت على نحو لا يوحي بأنها قد تستهدف بعملية تطويق من هذا النوع. وفي مشهد غير مسبوق في تاريخ النزاع العربي - الإسرائيلي، تتالت المفاجآت، وكان أبرزها ما يتعلق بالموقف السوفياتي.

موعد مع بشير الجميل

كان الجيش الإسرائيلي بلغ منطقة الشوف في جبل لبنان حين عقد اجتماع بعيداً عن الأضواء. كلّف أبو عمار الحسن الذهاب إلى ذلك الاجتماع مع قائد «القوات اللبنانية» بشير الجميل في منزل مدير المخابرات بالجيش اللبناني جوني عبده. وكان الجميل من بادر إلى اقتراح الاجتماع لإيفاد رسالة إلى عرفات. قال الجميل في الاجتماع إن الإسرائيليين في الشوف. نظر إلى ساعته وأضاف: «إذا كنتم على استعداد لإلقاء سلاحكم والخروج من لبنان، فأنا مستعد أن أؤمن لكم الخروج السليم والكريم وأريد جواباً سريعاً قبل أن يصلوا إلى بيروت». اقترح الحسن الخروج إلى الشرفة تفادياً لاحتمال وجود تسجيل داخل منزل عبده.

قال بشير الجميل لهاني الحسن: إذا كنتم على استعداد لإلقاء سلاحكم والخروج من لبنان، فأنا مستعد لتأمين الخروج السليم والكريم لكم وأريد جواباً سريعاً قبل أن يصلوا إلى بيروت

روى الحسن أنه لاحظ قدراً من الاضطراب في سلوك بشير، وأنه لم يضرب بقبضته على الطاولة مستقوياً بالإسرائيليين. وقال إنه خاطب محاوره قائلاً: «يا بشير، اسمح لي أن أخاطبك بصراحة. أنا ممن يتابعونك، وعملي هو أن أتابعك. أنت مهتم برئاسة الجمهورية وهي لن تأتيك من هذا الطريق. وسجّل عليّ أنكم كما أتيتم بالسوريين لتضربوا الفلسطينيين فأنتم الآن تأتون بالإسرائيليين لتضربوا الاثنين، وستكون نتيجة هذه اللعبة أن نُضرب نحن وتنتهي أنت. في لبنان كثير من الخير ويغري من يدخله. لا الإسرائيلي سيخرج ولا السوري سيخرج. وأنت لا قِبل لك بهذا الطرف أو ذاك... لذلك أقول لك إذا كنت تعتقد أن هذا طريقك إلى رئاسة الجمهورية فأنت تخطئ. بخلاف ذلك إذا فكّرت معنا ومع الحركة الوطنية اللبنانية فإن الفرص ستكون أكبر».

وأضاف: «قلت لبشير أيضاً: من سيقبل باستضافة المسلحين الفلسطينيين؟ الأردن أم سوريا أم غيرهما؟ رد متعهداً بإيجاد حلّ على أن يبقى عدد صغير ويكون تابعاً للجيش اللبناني، أي فكرة الثكنتين التي ظهرت لاحقاً. بعد وصول الإسرائيليين إلى بيروت لم تعد اللعبة في يد بشير ولم يعد قادراً على القبول أو الرفض».

وتابع: «بعد عودتي من الاجتماع مع بشير عقدنا اجتماعاً في مكان مهجور. عرف محسن إبراهيم أنني التقيت بشير فطلب إبقاء الأمر سراً عن وليد جنبلاط لأنه سيشمئز. كان أبو عمار يميل إلى عدم قطع الاتصال مع بشير. حصلت مشادة بيني وبين محسن. وكان عنيفاً جداً ولعب دوراً رهيباً في تلك الفترة. المشكلة أن الحركة الوطنية كانت ضعيفة وتريد أن تلعب ورقة الفلسطينيين في مقابل الغطاء الذي كانت تعطيه لهم، ولكن بموقف متشدد ضد سوريا. أنا شخصياً كنت دائماً معارضاً لهذا الموقف».

وليد جنبلاط ونبيه بري يودعان عرفات قبل رحيله إلى تونس (غيتي)

روى محسن إبراهيم أنه تشاور مع عرفات وحاوي، وكان الهمّ الأول استكشاف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه موسكو في وقف العدوان الإسرائيلي. وكان من الطبيعي أن توكل هذه المهمة إلى حاوي بسبب علاقة حزبه الوثيقة بالسوفيات.

سألت حاوي لاحقاً، فأجاب: «كنت أعتقد أن تصفية الثورة الفلسطينية وضرب الحركة الوطنية قد يشكلان خطاً أحمر عند أحد جانبي المعادلة الدولية، تحديداً الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، لكنني بعد شهر وربما شهر ونصف الشهر خرجت بقناعة كاملة أن كل شيء مباح، وأن لا فعل للقرار العربي الرسمي والشعبي ولا أثر للقرار الدولي النقيض. وزادني قناعة ما لاحظته في كل مرة كنت أنظّم فيها لقاء بين السفير السوفياتي المتألم في سفارته والأخ عرفات».

وأضاف: «كنت آخذ عرفات في سيارة مدنية عادية، فنحن مكشوفون للاستخبارات الإسرائيلية والتصوير الإسرائيلي. عندما كنا نجتمع يبدأ القصف الإسرائيلي على محيط السفارة، فننزل إلى الملجأ. القصف كان رسالة من إسرائيل إلى عرفات مفادها: لا تتكلوا على السوفيات».

كان حاوي يأمل في أن تصدر موسكو تحذيراً يقارب التهديد. أن تعلن مثلاً عن إرسال قطعة بحرية إلى قبالة بيروت. أن ترسل على الأقل سفينة لنقل الجرحى. لم يستطع سفير الاتّحاد السوفياتي ألكسندر سولداتوف أن يعد بشيء من هذا النوع. وكان حاوي ينقل خيباته إلى عرفات وإبراهيم.

في الأسابيع الأولى لم يصدّق جورج حبش ونايف حواتمة أن الاتحاد السوفياتي سيتخذ موقف المتفرج. كانا يراهنان على تدخل سوفياتي في صورة ما. لكن الكلام القاطع سيسمعه عرفات من سولداتوف وفي حضور الحسن الذي طلب منه عرفات حضور الاجتماع.

قال عرفات للسفير السوفياتي مستغرباً: «أنا ياسر عرفات أخرج على ظهر مدمرات أميركية؟». رد السفير: «اخرج أنت وكوادرك، المهم المحافظة على الكوادر»

روى الحسن. جاء السفير سولداتوف وقال لعرفات: «اخرج من بيروت». رد عرفات: «كيف أخرج؟». أجابه: «اخرج على ظهر المدمرات الأميركية». قال عرفات مستغرباً: «أنا ياسر عرفات أخرج على ظهر مدمرات أميركية؟». رد السفير: «اخرج أنت وكوادرك، المهم المحافظة على الكوادر». قال عرفات: «والله لو خرجت من هنا لن أطاع، فأنا لست دولة». قال السفير: «إذن ستؤخذ أسيراً بالشبكة»، فرد عرفات: «إن قائداً في مسدسه طلقتان لا يؤخذ أسيراً». لياسر عرفات في الحرب مواقف تاريخية. أفهمَ السفير السوفياتي أن الجلسة باتت شبه منتهية.

عرفات يستقل السفينة التي أقلته إلى تونس من ميناء بيروت (غيتي)

وتابع الحسن: «ذهب السفير السوفياتي لزيارة حبش الذي سأله: متى تتدخلون؟ فأجابه: أي جنون هذا؟ أمن أجل بيروت نُدمّر العالم؟ اخرجوا. قال حبش: كيف؟ فرد السفير: اخرجوا تحت راية الصليب الأحمر. ذُهل حبش وطلب من بسام أبو شريف أن يناديني. سألني هل التقيت السفير السوفياتي، فأجبت: وهل جاءك بورقة النعي؟ يا حكيم منذ سنة ونحن نتحدث عن الهجوم (الإسرائيلي). بعدها اتخذ حبش قراره الشهير وأعلن أنه مع ياسر عرفات. قلت له: التدخل السوفياتي غير وارد، وعلينا أن ننتظر الدور العربي. والواقع أن كل الذين عارضوا (المغادرة) تسابقوا لاحقاً في تسجيل قواتهم بلوائح المغادرين».

غداً حلقة ثانية...


مقالات ذات صلة

«هاجم عرفات ونافس البرغوثي»... كيف تدرَّج حسين الشيخ في صفوف «فتح»؟

المشرق العربي حسين الشيخ خلال أعمال المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله 23 أبريل الحالي (إ.ب.أ)

«هاجم عرفات ونافس البرغوثي»... كيف تدرَّج حسين الشيخ في صفوف «فتح»؟

كان حسين الشيخ، النائب الحالي للرئيس الفلسطيني، طفلاً عند تأسيس حركة «فتح» عام 1965 لكن تدرجه فيها لم يكن تصاعدياً دائماً. فما المنعطفات التي كادت تودي بمسيرته؟

بهاء ملحم (لندن)
المشرق العربي حسين الشيخ نائب الرئيس الفلسطيني خلال مقابلة مع وكالة «أسوشييتد برس» في مكتبه برام الله - 13 يونيو (حزيران) 2022 (أ.ب) play-circle

«حماس» تنتقد «نهج التفرد والإقصاء» بعد تعيين الشيخ نائباً لعباس

انتقدت حركة «حماس» تعيين أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية نائباً للرئيس محمود عباس، ووصفت الخطوة بأنها «تكريس لنهج التفرد».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي حسين الشيخ خلال اجتماع «المجلس المركزي» 23 أبريل 2025 (إ.ب.أ)

اختيار حسين الشيخ نائباً للرئيس الفلسطيني

تولى حسين الشيخ (أبو جهاد) رسمياً، منصب نائب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يوم السبت، بعدما صادقت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على اقتراح عباس بتسميته.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ (أ.ب)

عباس يرشح حسين الشيخ «نائباً لرئيس دولة فلسطين»

اختار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، السبت، عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، نائباً له في رئاسة المنظمة وفي رئاسة دولة فلسطين.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي محمود عباس خلال الدورة الـ32 للمجلس المركزي لمنظمة «التحرير» الفلسطينية في رام الله 23 أبريل 2025 (إ.ب.أ)

عباس يعلن عن نائبه مساء اليوم

يكشف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال ترؤسه اجتماعاً للجنة التنفيذية لمنظمة «التحرير»، السبت، عن هوية نائبه، على أن تُصادق اللجنة التنفيذية على التعيين.

كفاح زبون (رام الله)

خيارات «داعش» في سوريا... والاستثمار في «خيبات الجهاديين»

«داعش» يستعيد نشاطه في سوريا ويهدد استقرار المنطقة (أرشيفية- أ ف ب)
«داعش» يستعيد نشاطه في سوريا ويهدد استقرار المنطقة (أرشيفية- أ ف ب)
TT

خيارات «داعش» في سوريا... والاستثمار في «خيبات الجهاديين»

«داعش» يستعيد نشاطه في سوريا ويهدد استقرار المنطقة (أرشيفية- أ ف ب)
«داعش» يستعيد نشاطه في سوريا ويهدد استقرار المنطقة (أرشيفية- أ ف ب)

على رغم خسارته آخر معاقله في الباغوز القريبة من الحدود العراقية بريف دير الزور في مارس (آذار) 2019، ظل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يشكل تهديداً جدياً لأمن سوريا واستقرارها عبر «مجموعات متنقلة» تنشط عبر البادية السورية. ومع سقوط النظام السوري في ديسمبر (كانون الأول) 2024 كان متوقعاً أن يعيد التنظيم رسم استراتيجياته والتكيّف مع الواقع الأمني الجديد.

ولم تفلح الحملات العسكرية التي شنّها النظام السابق بدعم جوي روسي، والحملات التي شنتها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بدعم من طيران التحالف الدولي في القضاء على التنظيم وتهديداته. كما أن سياسات الولايات المتحدة التي ركزت على منع ظهور التنظيم أو عودته إلى المدن مجدداً حققت نجاحات نسبية في إضعاف قدرات التنظيم العسكرية والقضاء على معظم قيادات الصفوف الأولى والثانية فيه، لكن التنظيم لا يزال يشكل تهديداً بشكل ما، وقد يستثمر في الأوضاع الأمنية «الهشة» في سوريا، ومع الانسحاب الأميركي المرتقب.

ولعل أحدث وأبرز تهديد للتنظيم هو البيان المصور الذي أصدره «داعش» في 20 أبريل (نيسان) 2025، مهدداً الرئيس أحمد الشرع، ومحذراً إياه من الانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب، بعد طلب رسمي أميركي لمشاركة سوريا الجديدة في جهود مكافحة التنظيم وتفرعاته.

الرئيس السوري أحمد الشرع وعقيلته لطيفة الدروبي يستقبلان مجموعة من الأطفال السوريين في قصر الشعب بدمشق أول أيام عيد الفطر (أ.ف.ب)

ومنذ سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر 2024، رصدت «الشرق الأوسط» تصاعداً لافتاً في خطاب «داعش» الإعلامي عبر مجلة «النبأ»، التي بدأت في شن حملات تحريضية ضد الإدارة السورية الجديدة ورئيسها أحمد الشرع. ركزت هذه الحملات على مهاجمة سعي الحكومة الجديدة لبناء علاقات مع الدول العربية والمجتمع الدولي، عادّةً ذلك «خيانة» لتضحيات السوريين وتنازلاً عن مبدأ «تحكيم الشريعة» الذي لطالما تحدثت به «جبهة النصرة» بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) في مرحلة ما، وهو الشعار نفسه الذي يرفعه التنظيم ذريعةً لوجوده، ولكسب المزيد من الأنصار والمؤيدين.

سلسلة ضربات موجعة

لكن واقعياً، وعلى رغم هذا التصعيد الإعلامي، فقد شهد الميدان العسكري تغيراً ملحوظاً؛ إذ اختفى تقريباً النشاط المسلح للتنظيم في البادية، وهو ما أثار تساؤلات عن طبيعة المرحلة المقبلة في استراتيجية التنظيم، لكن لا يخفى أيضاً إن «داعش»، ومنذ ديسمبر الماضي، تلقى سلسلة من الضربات الأمنية المؤثرة؛ ففي 11 ديسمبر، ومباشرة بعد استلامها زمام الأمور في سوريا عقب سقوط نظم بشار الأسد، أعلنت الحكومة السورية الجديدة بقيادة الشرع إحباط مخطط لاستهداف مقام السيدة زينب جنوب دمشق واعتقال خلية تابعة للتنظيم.

وفي 16 من الشهر نفسه، نفذت القيادة المركزية الأميركية غارات جوية قتلت 12 عنصراً من «داعش»، وبعد هذا بثلاثة أيام فقط، قُتل قيادي آخر للتنظيم في دير الزور فيما يعتقد أنه بتنسيق مع الإدارة الجديدة.

وفي 23 ديسمبر، استهدفت غارة أميركية شاحنة أسلحة تابعة للتنظيم، ثم في يناير (كانون الثاني) 2025، دعمت الولايات المتحدة عملية لـ«قسد» أدت إلى اعتقال زعيم خلية هجومية. وفي 16 فبراير (شباط) 2025، اعتقلت السلطات السورية الجديدة أبو الحارث العراقي، المتهم بالتخطيط لهجمات إرهابية داخل العاصمة دمشق.

بعض المراقبين يرجعون السكون الذي يقابل به التنظيم هذه العمليات النوعية، إلى استراتيجية جديدة يتبعها وتقوم على تخفيف الظهور العلني لتقليل الضغط الأمني عليه، وإعادة ترتيب صفوفه بعيداً من الأنظار. كذلك، يبدو التنظيم حريصاً الآن على إعطاء انطباع بأنه غير نشط؛ ما يمنحه فرصة لإعادة بناء خلاياه بهدوء في المدن والقرى بعيداً من رقابة الأجهزة الأمنية المتمركزة في المدن.

تغيير في التكتيك

وخلال سنوات، طوّر «داعش» أساليب قتاله التكتيكية بالاعتماد على هجمات ليلية خاطفة ينفذها أفراد معدودون ضمن «مجموعات صغيرة متنقلة» تضم ما بين ثلاثة إلى خمسة أشخاص سرعان ما ينسحبون إلى مواقع انطلاقهم؛ ما يصعّب تتبعهم ويقلّل من فرص استهدافهم. هذه التكتيكات جعلت التنظيم يحتفظ بحضور نشط دون الحاجة إلى قواعد دائمة أو مراكز قيادية مكشوفة؛ الأمر الذي أربك جهود القضاء عليه لعقود.

عراقيات أمام «مخيم الجدعة» جنوب الموصل عام 2024 بعد نقلهن من مخيمات لعوائل «داعش» شمال شرقي سوريا (إكس)

وفي مناطق سيطرة «قسد»، تبنى التنظيم نمطاً آخر من العمل، مستغلاً التوترات العشائرية والخلافات المحلية.

مصادر عشائرية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» وكشفت عن أن بعض الهجمات التي استهدفت «قوات سوريا الديمقراطية» نُفذت من قِبل أفراد عشائر محليين، لا يرتبطون تنظيمياً بـ«داعش» بشكل رسمي، ولكنهم تحركوا وفق تكتيك التنظيم للمناورة الأمنية والتخفي؛ ما زاد من صعوبة كشف هوية الفاعلين الحقيقيين، وأضفى طابعاً منظّماً على أعمال فردية متفرقة، وهذا يعني أن التنظيم يجد في هذه البيئة فرصة لزيادة نشاطه ووجوده، مستغلاً غضب المجتمع العشائري على قوات «قسد».

خبرة إدلب والاستراتيجية الشاملة

في السياق، صرح مسؤول في الأمن العام السوري لـ«الشرق الأوسط»، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، قائلاً: «نحن خبرنا (داعش) جيداً في إدلب وتمكنا سابقاً من تفكيك خلاياه، حتى في أوقات كان التنظيم أقوى مادياً وأمنياً، بينما كنا نحن أضعف من اليوم. لكننا الآن أكثر جاهزية وخبرة».

تركيا والأردن وسوريا والعراق سيتخذون خطوات نحو مكافحة تنظيم «داعش» (رويترز)

وأكد المسؤول أن الحكومة السورية الجديدة تعتمد «استراتيجية أمنية شاملة تقوم على إعادة بناء الأجهزة الأمنية وتنسيق عملها للكشف المبكر عن الخلايا النائمة، تعزيز التعاون مع دول الجوار لضبط الحدود ومنع عبور المقاتلين، ومواجهة خطاب التنظيم المتطرف عبر حملات توعية مجتمعية ومراقبة النشاط الإلكتروني، وتفكيك البيئات الحاضنة عبر تحسين الخدمات الأساسية، ومكافحة الفساد، وتوسيع برامج التنمية المحلية».

وأضاف المصدر الأمني، أنه لا يستبعد «استهداف التنظيم شخصيات مدنية أو أمنية بارزة عبر عمليات سريعة، مثل تفجير عبوات ناسفة صغيرة، أو تنفيذ عمليات اغتيال انتقائية»، مؤكداً أن «التنظيم في داخل المدن قد يعتمد الخلايا النائمة لتنفيذ مثل هذه العمليات، كما أنه من الممكن له أن يستغل الأحياء العشوائية والمناطق غير المنظمة مخابئ مؤقتة؛ ما يفرض تحديات إضافية على الأجهزة الأمنية».

تحريض ضد الإدارة الجديدة

رأى الباحث في مركز «أبعاد»، عرابي عرابي، أن التنظيم يمر الآن «في مرحلة الإنهاك والاستنزاف، ويحاول تأسيس خلايا صغيرة لضرب الاستقرار الأمني دون أن يسعى للسيطرة على مناطق جغرافية كما كان في السابق»، وأوضح عرابي لـ«الشرق الأوسط» أن التنظيم «يواجه شحاً في الموارد المالية والكوادر البشرية، بالإضافة إلى ضغط إقليمي متزايد بفضل تحسن التعاون الأمني بين سوريا والعراق». لكن، وبحسب عرابي: «سيحاول تنظيم (داعش) استغلال حالات السخط داخل صفوف الفصائل المسلحة الأخرى، خصوصاً بين المقاتلين من ذوي الخلفيات الجهادية الذين قد يشعرون بخيبة أمل تجاه خطاب الحكومة السورية الجديدة الذي يبتعد عن الطرح الإسلامي».

وبحسب عرابي، يعتمد التنظيم على «خطاب تحريضي» متزايد يصور الإدارة الجديدة «خائنةً لدماء السوريين»، مستغلاً قضايا مثل «تأخر العدالة الانتقالية، والشعور بالتهميش الإداري أو الإقصاء السياسي، كما يعمل على بث دعايته عبر قنوات (تلغرام) وشبكات إعلامية سرية».

ولم تستثن هذه الحملات التي تبادلتها مجموعات عبر وسائل التواصل الجانب الشخصي للرئيس الشرع لتحسب ضده تفاصيل كثيرة، بدءاً بمظهره ولباسه والصورة العامة التي يسعى إلى تصديرها للخارج عن حاكم سوريا الجديدة، لا سيما تلك التي جمعته بزوجته في لقاء أنطاليا الأخير.

وتواجه الحكومة السورية الانتقالية تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في البلاد مع واقع معقد يشير إلى انقسامات داخلية وتوترات مع قوات «قسد» في شمال شرقي سوريا ومع بقايا النظام السابق في مناطق الساحل، بالإضافة إلى علاقة شائكة بأبناء الطائفة الدرزية.

في الوقت نفسه، تحاول الإدارة اكتساب شرعية «دولية» وعربية وإرساء أسس حكم فعلي، فحتى الآن لم تعترف الولايات المتحدة «رسمياً»، ولا تزال غالبية العقوبات الدولية مفروضة على سوريا، في حين اتخذت دعوة الرئيس الشرع إلى القمة العربية المقبلة في بغداد مفاوضات دبلوماسية عدّة قبل أن يتم توجيهها بشكل رسمي.

وفي ظل هذه التعقيدات، لا شك في أن تنظيم كـ«داعش» سوف يستغل حالة عدم الاستقرار والفراغ الأمني مع افتقار الحكومة الجديدة إلى قوات كافية لتأمين البادية السورية والمناطق النائية. ويوفّر العنف الطائفي المستمر والعداوات في أجزاء مختلفة من البلاد بيئة مواتية لعمل التنظيم خاصة مع تلكؤ الإجراءات الحكومية في تحقيق العدالة الانتقالية لإنصاف ذوي ضحايا النظام السابق؛ ما يدفع التنظيم إلى أن يقدم نفسه على أنه «البديل» الأفضل من الحكومة للقصاص من المتورطين بالدم السوري، وهذا ما تفصح عنه أدبيات التنظيم وخطابه الإعلامي في الأسابيع الأخيرة، بحسب أكثر من موقع إلكتروني تابع له.

قافلة من النساء من عوائل «داعش» خلال معركة الباغوز (أ.ف.ب)

وما يزيد المخاوف أكثر من التجنيد المحتمل بين صفوفه، هو التركيز على إطلاق سراح السجناء من قياداته ومقاتليه ويجاورون بضعة آلاف محتجزين لا يزالون تحت إشراف قوات «قسد» ومصيرهم يخضع لشد وجذب.

لذلك؛ قد تكون مواجهة التنظيم واحدة من أكبر التحديات العلنية والضمنية المطروحة على الحكومة الجديدة؛ لما يتطلبه الأمر من موازنة بين ما تفرضه شروط إدارة دولة من سيطرة على كامل التراب السوري، وتخفيف الانقسامات المجتمعية والصعوبات الاقتصادية من جهة والعمل على تبديد انتشار آيديولوجيا التنظيم وإلحاق المقاتلين والبيئة الحاضنة له بالتغيير الجذري الذي طرأ على «هيئة تحرير الشام» نفسها. وذلك لا يتم إلا بالتنسيق مع الدول الفاعلة لتبادل المعلومات الاستخباراتية وتعطيل القدرات المالية للتنظيم والحد من عمليات التجنيد، إضافة إلى دعم المجتمع الدولي لجهود تحقيق الاستقرار في سوريا.