حروب إسرائيل بعد 1973... كيف بدأت وإلى أين انتهت؟

حصار بيروت يصدم... و«صبرا وشاتيلا» تُروع... واستهداف غزة متواصل

TT

حروب إسرائيل بعد 1973... كيف بدأت وإلى أين انتهت؟

دخان يتصاعد بعد غارات جوية إسرائيلية على مبنى في غزة عام 2021 (أ.ب)
دخان يتصاعد بعد غارات جوية إسرائيلية على مبنى في غزة عام 2021 (أ.ب)

استفاق اللبنانيون في 6 يونيو (حزيران) 1982 على عملية عسكرية إسرائيلية واسعة، وصلت إلى بيروت وأثارت صدمة داخل وخارج البلد الذي تحولت نصف مساحته تقريباً ساحةً مشتعلة، احتل خلالها الإسرائيليون، الجنوب وبيروت وأجزاء من جبل لبنان والبقاع.

والغزو الذي سمّته إسرائيل «عملية سلام الجليل»، كان أوسع عملية عسكرية تخوضها تل أبيب بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، ذلك أن «عملية الليطاني» التي أطلقتها في 14 مارس (آذار) 1978، كانت محدودة في جنوب ضفة «نهر الليطاني» جنوب البلاد.

ويُعتقد أن حجم العملية كان الأكبر بالنسبة لإسرائيل؛ إذ زجت بآلاف الجنود بقيادة آرييل شارون الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك، وأدى الاجتياح إلى إنهاك المؤسسات الحكومية اللبنانية المضطربة أصلاً جراء الحرب الأهلية (1975: 1990)، وحوّل لبنان ساحة حرب ما بين الإسرائيليين، والقوات الفلسطينية، والأحزاب اللبنانية، والجيش السوري.

كانت ذريعة الإسرائيليين أن عمليتهم رداً على محاولة اغتيال سفير تل أبيب في لندن شلومو أرجوف، في 3 يونيو 1982، والتي نفذتها جماعة «فتح - المجلس الثوري» (المنشقة عن «منظمة التحرير الفلسطينية») بقيادة أبو نضال.

وتمثلت أهداف تل أبيت في: إجلاء كل القوات العربية عن لبنان ومن ضمنها الجيش السوري، وتدمير «منظمة التحرير الفلسطينية» بقيادة ياسر عرفات، وتوقيع اتفاقية سلام مع الحكومة اللبنانية، وضمان أمن المستوطنات الإسرائيلية الشمالية.

الدبابات الإسرائيلية تحاصر بيروت في 21 يوليو 1982 (أ.ف.ب)

استمرت الحرب الإسرائيلية على لبنان حتى عام 1985 وأسفرت عن سقوط نحو 17 ألف قتيل وإصابة أكثر من 30 ألف شخص من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، وانسحبت بعدها القوات الإسرائيلية إلى خلف الشريط الشائك في جنوب لبنان.

وصحيح أن الحرب بشكلها المعروف انتهت عام 1985، إلا أن آثارها لم تنتهِ حتى 25 مايو (أيار) من عام 2000 عندما انسحب الجيش الإسرائيلي وأعوانه فعلياً من جنوب لبنان.

صبرا وشاتيلا

مثّلت مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا التي بدأت في 16 سبتمبر (أيلول) 1982 واستمرت ليومين، وراح ضحيتها أكثر من 800 قتيل، غالبيتهم من النساء والأطفال الفلسطينيين والبنانيين، الصورة الأكثر مأساوية لهذه الحرب.

ولا تزال مشاهد تلك المجزرة عالقة في ذاكرة المواطن اللبناني حسن حرب، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «قوات الاحتلال الإسرائيلي وبعض الميليشيات اللبنانية التي كانت تساندها، ارتكبت أبشع مجزرة بتاريخ البشرية، بعد خروج المقاتلين من بيروت (الغربية) نتيجة اتفاقية وقف إطلاق النار».

ويروي حرب الذي كان منضوياً في تنظيم «المرابطون»، أن «آرييل شارون (رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل) تعهّد وقف الأعمال العسكرية فور خروج مقاتلي (فتح) و(المرابطون) وتحالف أحزاب القوى الوطنية والإسلامية، لكن وما إن تأكد من خلو بيروت من المسلحين، أشرف شخصياً (شارون) على تنفيذ المجزرة بدمٍ بارد».

ورغم ذكراها المؤلمة التي عايشها بعد تسليم سلاحه، يقول حرب: إن «الإسرائيليين افتتحوا المجزرة بقتل رجل مسّن يبلغ من العمر 83 عاماً أمام محله الذي كان يبيع من خلاله الكعك عند مدخل صبرا». ويضيف: «الجرائم بحق الأبرياء ارتُكبت بالرصاص، والسكاكين والفؤوس وفسخ الشخص إلى نصفين».

شاهد آخر على مجزرة «صبرا وشاتيلا» هو المسعف عبد القادر الترك، والذي كان يعمل حينها في فرق انتشال جثث القتلى من صبرا وشاتيلا، يشير إلى أن «أغلب المقاتلين الذين سلّموا أسلحتهم اقتادهم الإسرائيليون إلى داخل المدنية الرياضية في بيروت وأعدموهم ميدانياً».

وأوضح الترك لـ«الشرق الأوسط»، أن «قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت بصدد استكمال مجازرها، إلّا أن انبعاث الروائح الكريهة لجثث القتلى بالشوارع وارتفاع درجات الحرارة جعلها تتوقف وتنكفئ».

وقال: «لقد اضطر الإسرائيليون وشركاؤهم اللبنانيون، إلى طمر عشرات القتلى بالردم والأتربة لتخفيف الروائح»، لافتاً إلى أن «قسماً كبيراً من الجثث جرى تلغيمها وكانت تنفجر برجال الإسعاف وتقتل بعضهم».

معادلة جديدة

وتختلف تقديرات الخبراء بشأن ما حققته إسرائيل من تلك الحرب، ويلفت مدير «مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري» الدكتور رياض قهوجي، إلى أن «حرب اجتياح لبنان كان هدفها إخراج (منظمة التحرير) من لبنان، وفرض معادلة تؤدي إلى سلام مع بيروت، وبشكل عام نجحت إسرائيل في هدفها الأول، بينما كان هناك ثمة توجه لإبرام اتفاق سلام كان شبه مُنجز (اتفاق 17 أيار)، لكن الأمور ساءت بفعل التطورات الداخلية في لبنان، وبالتالي فإنها بالمعايير العسكرية والاستراتيجية كانت ناجحة بالنسبة لإسرائيل».

وداع ياسر عرفات قبل مغادرته بيروت عام 1982 (غيتي)

لكن، وعلى الجانب الآخر، يعتقد عضو المجلسين الوطني والمركزي الفلسطينيين، هيثم زعيتر، أن «إسرائيل ورغم الدمار والمجازر التي ارتكبتها خلال اجتياح لبنان، لم تحقق غايتها بالقضاء على منظمة التحرير واغتيال ياسر عرفات وطمس القضية الفلسطينية، بل إنه بخروج (فتح) وأبو عمار من لبنان إلى تونس، جرى إعادة تقييم سياسي وعسكري لما حصل، وعادت الحركة وقائدها إلى داخل فلسطين أقوى من ذي قبل».

«عناقيد الغضب»

بعد نحو 14 سنة من اجتياح 1982، أعادت إسرائيل الكرّة في عملية عسكرية واسعة نفذتها في جنوب لبنان في 11 أبريل (نيسان) 1996 أسمتها «عناقيد الغضب» واستمرت 16 يوماً، وذلك رداً على إطلاق «حزب الله» ثلاث دفعات من الصواريخ على مستوطنتي «نهاريا» و«كريات شمونة» شمال فلسطين؛ ما أسفر عن إصابة 37 مستوطناً.

وخلال القصف الإسرائيلي الذي استهدف مناطق واسعة في الجنوب، ووصل إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، ارتكبت إسرائيل مجزرتين، الأولى وقعت في بلدة «المنصوري» في 13 أبريل قرب حاجز لقوات الطوارئ الدولية، أسفرت عن مقتل 9 مدنيين غالبيتهم أطفال، أما المجزرة الأخرى فوقعت في 18 أبريل في بلدة «قانا»، حيث قصفت الطائرات الحربية مقراً تابعاً لقوات حفظ السلام الدولية، لجأ إليه المدنيون وقضى فيها 102 من النساء والأطفال.

منقذ من الصليب الأحمر اللبناني يركض بعد إصابة سيارة بصاروخ مروحية إسرائيلية عام 1996 (غيتي)

وهذه المرة يعتقد الدكتور قهوجي أن «(عناقيد الغضب) فشلت بكل المقاييس وانتهت لصالح لبنان»، مستشهداً بأن رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري «استغلّ علاقاته الدولية لتحسين مركز لبنان عالمياً، ونجح بإنهاء تلك الحرب التي كانت فاشلة سياسياً بالنسبة لإسرائيل، وأضرّت مجازرها بصورة تل أبيب عالمياً».

يوليو 2006

على أثر انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في شهر مايو 2000، تراجعت العمليات العسكرية لـ«حزب الله» كثيراً، لكن تنفيذه عملية خطف جنديين إسرائيليين عند الخطّ الأزرق، تسبب في حرب جديدة عُرفت بـ«حرب يوليو (تموز)» في عام 2006، وخلّفت أكثر من 1300 قتيل لبناني، ودماراً هائلاً بالبنية التحتية.

كان هدف «حزب الله» اختطاف جنود إسرائيليين للضغط على حكومتهم ومبادلتهم بأسرى لبنانيين في سجون إسرائيل، لكن الجيش الإسرائيلي شنّ هجوماً جوياً على جنوب لبنان، مستهدفاً محطات الكهرباء ومطار بيروت وشبكة من الجسور والطرق؛ مما أدى إلى مقتل العشرات.

وانضمت قوات بحرية إسرائيلية للهجوم، واستدعى الجيش الإسرائيلي فرقة احتياط مؤلّفة من ستة آلاف جندي لنشرها سريعاً شمال إسرائيل، ودخلت قوات بريّة إسرائيلية إلى جنوب لبنان وخاضت معارك طاحنة مع مقاتلي «حزب الله».

دامت الحرب 33 يوماً وانتهت بالقرار 1701 الذي أوقف العمليات العسكرية، بعد مقتل أكثر من 1300 لبناني، غالبيتهم من المدنيين وجرح الآلاف، بينما اعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل 120 عسكرياً من جنوده وجرح 314، إضافة إلى مقتل 45 مدنياً إسرائيلياً. ويرى قهوجي أن «حزب تموز كانت فاشلة بالمعايير الإسرائيلية؛ إذ أعقبتها محاكمة لرئيس الوزراء إيهود أولمرت وقيادات عسكرية». ويخلص إلى أنه «باستثناء اجتياح عام 1982، فإن كل حروب إسرائيل بعد أكتوبر 1973 كانت فاشلة بمعايير أهدافها السياسية».

أما الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الركن خالد حمادة، فيذهب إلى أن إسرائيل «حققت في حرب عام 2006 مكسباً سياسياً مُهماً تمثّل بالقرار 1701، حيث أدخلت 12 ألف جندي أجنبي إلى الحدود مع لبنان، ومنذ ذلك الوقت لم ينفذ (حزب الله) أي عملية عابرة للحدود باتجاه إسرائيل».

وقال حمادة لـ«الشرق الأوسط»: إن «أهم ما ترتب لبنانياً على حرب 2006، هو وقف أنشطة (حزب الله) العسكرية في الجنوب، ليصبح الأخير متفرغاً للداخل اللبناني للعب أدوار سياسية وأمنية وعسكرية، كما بات منصرفاً للحروب التي تخوضها إيران في الدول العربية من سوريا إلى العراق واليمن».

حروب ضد غزّة

وقائع المواجهة الإسرائيلية في لبنان، قد تكون مشابهة لحروبها داخل الأراضي الفلسطينية، خصوصاً مع قطاع غزّة الذي صنّفته تل أبيب «كياناً معادياً لها» بعد سيطرة حركة «حماس» عليه، وشنّت عملية واسعة ضده مطلع شهر يونيو 2006، عنوانها تحرير الجندي جلعاد شاليط الذي أسرته حركة «حماس» وفرضت حصاراً شاملاً على القطاع.

في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، بدأت إسرائيل حرباً على قطاع غزة استمرّت 23 يوماً، أطلقت عليها اسم «عملية الرصاص المصبوب»، وردت عليها الفصائل الفلسطينية بعملية أسمتها «معركة الفرقان»، كان هدف قيادة إسرائيل «إنهاء حكم حركة (حماس) في القطاع»، والقضاء على المقاومة الفلسطينية وإنهاء قصف المستوطنات الإسرائيلية بالصواريخ، وأسفرت هذه الحرب عن أكثر من 1430 قتيلاً فلسطينياً، وتدمير نحو 10 آلاف منزل دماراً كاملاً أو جزئياً، في حين اعترفت إسرائيل بمقتل 13 إسرائيلياً بينهم 10 جنود وإصابة 300 آخرين.

ثم، وفي 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، شنّت إسرائيل حرباً على غزّة استمرت ثمانية أيام، هدفها «تدمير المواقع التي تخزن فيها الصواريخ، وهي انطلقت على أثر اغتيال إسرائيل قائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة «حماس» أحمد الجغبري، وأدت الحرب إلى مقتل 180 فلسطينياً و20 إسرائيلياً.

توالت العمليات الإسرائيلية الموسعة ضد قطاع غزة، وفي السابع من يوليو 2014 أطلقت الدولة العبرية عملية «الجرف الصامد» التي استمرت 51 يوماً، نفذ خلالها الجيش الإسرائيلي أكثر من 60 ألف غارة على القطاع، أسفرت عن مقتل أكثر من 2300 فلسطيني ونحو 11 ألف جريح، في حين قُتل 68 جندياً إسرائيلياً و4 مدنيين.

دخان يتصاعد بعد غارات جوية إسرائيلية على مبنى في غزة عام 2021 (أ.ب)

وفي الخامس من أغسطس (آب) 2022 اغتالت إسرائيل قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لـ«حركة الجهاد الإسلامي»)، استتبعتها بعملية أسمتها «الفجر الصادق»، وعلّلت اختيار تلك التسمية بأنها «لتأكيد تركيزها على (حركة الجهاد) التي تتخذ اللون الأسود شعاراً»، وردت «الجهاد الإسلامي» بعملية أسمتها «وحدة الساحات»، وأطلقت خلالها مئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وطالت الصواريخ مطار بن غوريون.

ورغم استمرار معاناة الفلسطينيين منذ النكبة، يرى عضو المجلسين الوطني والمركزي الفلسطينيين هيثم زعيتر، أن إسرائيل «ورغم قوتها العسكرية الهائلة لم تحقق غايتها من الحروب داخل فلسطين». ويشير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزّة، والمجازر التي ترتكبها أسبوعياً لم يوفر السلام لمواطنيها». ويتحدث عن عامل مهمّ للغاية يتمثل بـ«انتقال عمليات المقاومة إلى أراضي 1948، والمواجهة الشرسة مع القوات الإسرائيلية خلال تدنيس المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وتجريف الأراضي والمنازل والتصدي الدائم للتوسع الاستيطاني».


مقالات ذات صلة

أوروبا فرنسا تنتظر توضيحات من السلطات الإسرائيلية بعد استهداف قوات حفظ السلام (اليونيفيل) في لبنان (أ.ف.ب)

فرنسا تطلب توضيحات من إسرائيل بعد استهداف قوات اليونيفيل في لبنان

قالت فرنسا اليوم (الخميس) إنها تنتظر توضيحات من إسرائيل بشأن استهداف قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)،وإن ضمان سلامة قوات اليونيفيل يمثل التزاماً.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي جنود إسرائيليون على متن مركبة عسكرية في شمال إسرائيل، بالقرب من الحدود مع لبنان 10 أكتوبر2024 (إ.ب.أ)

إسرائيل تريد نقل قوات «يونيفيل» لـ5 كيلومترات شمالاً

قال داني دانون، مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة، الخميس، إن إسرائيل توصي بنقل قوات «يونيفيل» في لبنان لمسافة 5 كيلومترات شمالاً «لتجنّب الخطر مع تصاعد القتال».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي صورة لمنطقة الناقورة جنوب لبنان (إ.ب.أ)

«حزب الله» يستهدف جنوداً إسرائيليين جنوب لبنان

أعلن «حزب الله» اللبناني في 3 بيانات منفصلة أن عناصره استهدفوا بالصواريخ، الخميس، تجمعات لجنود إسرائيليين بمحيط جبانة بلدة يارون جنوب لبنان، وفي مستوطنة يرؤون.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود عسكريون على متن آلية عسكرية في منطقة حدودية قريبة مع لبنان (إ.ب.أ)

«حزب الله» يحاول استعادة الردع بقصف فرق انتشال المصابين والمدن الإسرائيلية

أطلق أوسع مروحة من الصواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية المأهولة رداً على استهدافات القرى الجنوبية والضاحية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.