قصة الأربعين يوماً وجامعة الملك سعود وعمارة المسجد الحرام

التوسعة السعودية الثالثة بدأها الملك عبد الله واستكملها الملك سلمان

TT

قصة الأربعين يوماً وجامعة الملك سعود وعمارة المسجد الحرام

الملك سلمان بن عبد العزيز لدى اطلاعه على مشروع التوسعة نهاية مايو 2015 (واس)
الملك سلمان بن عبد العزيز لدى اطلاعه على مشروع التوسعة نهاية مايو 2015 (واس)

استمراراً للجهود التي يبذلها ملوك المملكة العربية السعودية في خدمة بيت الله الحرام وعمارته والعناية به، جاءت التوسعة السعودية الثالثة أكبرَ توسعة وعمارة للمسجد الحرام في تاريخه. وعلى مدى العصور الإسلامية المختلفة كانت التوسعات في المسجد الحرام تضاعف من الطاقة الاستيعابية للمصلين، مع تزايد أعدادهم، ويبقى صحن المطاف كما هو بطاقته المحدودة يحتل المساحة نفسها، ويزدحم بالطائفين الذين يزداد عددهم كل عام، وتتزايد الحاجة لتوسعته، وكذلك المسعى.

من هنا صدر أمر الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 1426ه – 2005م بدراسة توسعة المسعى لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج والمعتمرين، وتباينت أراء الفقهاء حول جواز التوسعة شرعياً من عدمه، وكتب الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء بحثاً فقهياً مؤصلاً عنونه: «توسعة المسعى عزيمة لا رخصة: دراسة فقهية، تاريخية، بيئية، جيولوجية»، وأصدره مطبوعاً عام 1429ه - 2008م، وهو في أساسه بحث مقدم لمجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية أثناء مناقشتها موضوع توسعة المسعى عام 1427ه - 2006م.

وتم تنفيذ مشروع توسعة المسعى من 4 طوابق وبعرض 40 متراً ولتصل طاقته الاستيعابية إلى 120 ألف ساعٍ في الساعة.

كما جاءت فكرة «مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لرفع الطاقة الاستيعابية للمطاف»، والعناصر المرتبطة به، وذلك لتسهيل الطواف واستيعاب الأعداد المتزايدة من المسلمين، وليضاعف الطاقة الاستيعابية للمطاف لتصل إلى أكثر من 105 آلاف طائف في الساعة، وكذلك توسعة مبنى الحرم من الجهة الشمالية لاستيعاب أكبر عدد من المصلين، وتم إعادة ترتيب أعمدة الأروقة التاريخية القديمة والتوسعة السعودية الأولى، وذلك بتخفيض عدد الأعمدة في الدور الأرضي والبدروم والدور الأول، إضافة إلى توسعة المنطقة المحاذية للمسعى في دور السطح، وبذلك يتم حل مشكلة الاختناق التي كان يواجهها الطائفون في تلك المنطقة.

كما يتضمن المشروع إعادة تأهيل المنطقة بين التوسعتين السعودية الأولى والثانية مع التوسعة الثالثة، مع إنشاء جسور للربط بينها مع مناسيب الدور الأول والسطح، وقد روعي في المشروع الاختلاف في مناسيب الحرم وصحن المطاف، وذلك بتخفيض منسوب الأروقة التاريخية ليصبح بمنسوب صحن المطاف، وتحقيق الارتباط المباشر لبدروم التوسعة السعودية الثانية، وكذلك المسعى، ليصبح بكامل عرض المبنى الجديد ليحقق الارتباط والاتصال البصري بالكعبة المشرفة، ولتعويض انخفاض الطاقة الاستيعابية للمطاف من 48 ألفاً إلى 22 ألفاً في الساعة، وبسبب أعمال الإزالة والإنشاء تم استحداث جسر المطاف المؤقت بمستوياته المتكررة ليكون من جملة الحلول المبتكرة لرفع الطاقة الاستيعابية للمطاف أثناء مراحل تنفيذ مشروع توسعة صحن المطاف.

حجر الأساس

وفي يوم السبت 20 رمضان 1432هـ الموافق 20 أغسطس (آب) 2011م، وضع الملك عبد الله بن عبد العزيز حجر الأساس لأكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام، لا من حيث الحجم والتكلفة فحسب؛ بل ومن حيث التطوير الشامل للنواحي العمرانية والهندسية والتقنية والصحية والأمنية والاستدامة. وشملت «توسعة الملك عبد الله» مكونات رئيسة متعددة ضمت: توسعة المبنى الرئيس للمسجد الحرام، توسعة المسعى، توسعة المطاف، توسعة الساحات الخارجية، وزيادة عدد الجسور، زيادة عدد المساطب، إنشاء مجمع مباني الخدمات المركزية ونفق الخدمات، إنشاء المباني الأمنية، إنشاء مستشفى مركزي، تنفيذ عدد من أنفاق المشاة، إنشاء محطات النقل والجسور المؤدية إلى الحرم، تنفيذ الطريق الدائري الأول المحيط بمنطقة المسجد الحرام، إضافة إلى أعمال البنية التحتية، وتشمل محطات الكهرباء وخزانات المياه ودورات المياه والممرات والمرافق المساندة الأخرى.

من جانب آخر، فقد حوى المشروع أفضل الأنظمة المتطورة التي رُوعي فيها أدق معايير الاستدامة، من خلال توفير استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، كأنظمة الصوت، والإضاءة، والتكييف، وإنذار ومكافحة الحريق، وكاميرات المراقبة، وغيرها من الأنظمة التقنية. علاوة على أنظمة النظافة كنظام شفط الغبار المركزي، كما حوى مبنى الحرم مجموعة كبيرة من مشارب مياه زمزم المبردة. وتُعد محطة تبريد الحرم المكي الشريف أكبر محطة تبريد مركزي في العالم، إذ تحتوي على 16 جهاز تبريد، تبلغ قوة كل جهاز 5 آلاف طن. كما أنشئت 5 محطات توليد للتيار الكهربائي، وتم ربطها آلياً لضمان استمرار التغذية الكهربائية للمسجد الحرام. ولتسهيل عبور المشاة من المناطق المختلفة للوصول إلى مشروع التوسعة الثالثة، تم عمل منظومة لأنفاق المشاة تتوافر فيها أفضل أنظمة التهوية ومنع التلوث والإضاءة، إضافة لدورات المياه والخدمات الأخرى.

الملك عبد الله بن عبد العزيز لدى وضعه حجر أساس التوسعة السعودية الثالثة عام 2011 (واس)

كما تم في عهد الملك عبد الله افتتاح مشروع وقف الملك عبد العزيز للحرمين الشريفين عام 1428ه – 2007م، ويتكون المشروع من 7 أبراج تحوي مجمعات سكنية وفندقية وأسواقاً تجارية ومصليات، إضافة إلى الخدمات والمرافق الأخرى، ويعود ريعه على مصالح وخدمة المسجد الحرام.

وتعلو الوقف ساعة مكة المكرمة التي انطلق منها «توقيت مكة العالمي» عام 1432ه -2011م.

في عام 1431ه – 2010م جرى تدشين مشروع الملك عبد الله لسقيا زمزم بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 ألف عبوة يومياً. ومن الإضافات البارزة لهذه التوسعة التي روعيت فيها أعلى معايير السلامة والحلول الذكية للتشغيل والصيانة وإدارة الحشود، زيادة أدوار الحرم المكي لتصبح أربعة أدوار بالتوازي مع مستويات المسعى كذلك.

وبلغت المساحة الإجمالية للمسجد الحرام وساحاته بعد التوسعة السعودية الثالثة 750.000 متر مربع، بإجمالي مسطحات بناء تتجاوز 1400.000 متر مربع، وتستوعب أكثر من 2.500.000 مصلٍّ، مع استيعاب 105 آلاف طائف حول الكعبة و120 ألف ساعٍ بين الصفا والمروة في الساعة الواحدة، متمتعين بمنظومة متكاملة من عناصر الحركة الرأسية، من خلال مئات السلالم المتحركة والثابتة والمصاعد المتطورة الموجودة في المسجد الحرام. أما عن التكاليف الإجمالية لهذه التوسعة، فتقدر بـ300 مليار ريال (80 مليار دولار).

كواليس التوسعة الثالثة

هناك جوانب توثيقية متعلقة بتوسعة وعمارة الحرمين الشريفين لم تأخذ حقها من التدوين والنشر، منها قصة تصميم التوسعة السعودية الثالثة للحرم المكي مما يؤكد على الرؤية الممتدة لقادة المملكة العربية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين، كما يتبين منها حجم الاستثمار في الإنسان السعودي، الذي هو أعظم الاستثمارات في تقديري.

بدأت قصتنا عندما لم تتم الموافقة على التصميم الأولي الذي قدم لمشروع التوسعة، والذي لم يراع التطورات المعرفية والتقدم في التقنيات والأفكار المعمارية، ولا الاحتياجات الإنسانية لمختلف زوار الحرم الشريف، ولا حتى التصور المستقبلي للحرم نفسه ولمحيطه، فصدر التوجيه السامي بتكليف وزارة التعليم العالي حينذاك بتشكيل فريق فني من أعضاء هيئات التدريس في مختلف التخصصات ذات العلاقة، خصوصاً من كليات العمارة والتخطيط والهندسة في الجامعات السعودية.

وتولى الفريق: إعداد المعايير الهندسية، والاعتبارات التصميمية، والخطط المستقبلية، والشروط المرجعية للتصميم. ووجهت الدعوة إلى عدد من المكاتب والشركات الاستشارية العالمية والمحلية، إضافة إلى كليات العمارة في الجامعات السعودية، لتقديم عروضهم شاملة: الأفكار التصميمية، والرسومات المعمارية، والمجسمات، والأفلام الحركية التي توضح أهم مميزات المشروع من الداخل والخارج. وقدمت المكاتب الاستشارية أفكارها أمام الملك عبد الله وبحضور أعضاء اللجنة الرئيسة المشكلة من المقام السامي، خلال معرض خاص أقيم في مدينة جدة لهذا الغرض. أما الجانب الأكثر إثارة فهو «التصميم الأساس» الذي تم تطويره واستكمال تفاصيله ومن ثم تنفيذه.

هذا التصميم تم إعداده من قبل فريق من أعضاء هيئة التدريس والمعيدين والطلاب من كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود، وتم إنجاز المشروع خلال مدة لم تتجاوز أربعين يوماً، مواصلين العمل ليلاً ونهاراً في أحد استوديوهات الكلية الذي تم تجهيزه لاستكمال أعمال المشروع من الفكرة التصميمية، والرسومات التكميلية، وما يتبعها من تحليل للوضع الراهن ودراسات للجوانب الوظيفية والبيئية وإدارة الحشود والحركة، إضافة إلى إعداد الوثيقة التصميمة شاملة الرسومات والصور، وإنتاج الفيلم التعريفي ومجسمات المشروع.

ووفقاً للدكتور عبد العزيز المقرن عميد كلية العمارة والتخطيط ورئيس الفريق، تم تقديم العرض مع أربعة عشر عرضًا آخر قدمتها المكاتب الاستشارية العالمية والمحلية والكليات الأخرى. وصدر الأمر السامي باختيار التصميم المقترح من قبل كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود ليكون «التصميم الأساس»، على أن يتم تطويره بما يستجيب للرؤى التطويرية والتشغيلية والتصميمية.

المقرن وطلابه

يتذكر الدكتور المقرن بكل اعتزاز وفخر تفاصيل تلك القصة التي عمل عليها مع زملائه وطلابه أعضاء الفريق الذين كان عددهم 24 عضواً، وجرت تفاصيلها بين عامي 1429 و1430 هـ - 2008 و2009م. ويقول: بعد ذلك تلقت الجامعة تكليفاً بالبدء في تطوير التصميم، وتم تشكيل فريق من الجامعة برئاستي، ومجموعة من الخبراء المكلفين في وزارة التعليم العالي من جامعات المملكة، وعملنا سويّاً مع مكتب دار الهندسة التابع لـ«شركة بن لادن» لعدة أشهر على تطوير التصميم الذي مر بثلاث مراحل:

  • المحافظة على الفكرة الأساسية التي فازت بالمسابقة.
  • تطوير تفاصيل التصميم، الذي لم يتغير كثيراً، من قبل فريق جامعة الملك سعود مع فريق وزارة التعليم العالي.
  • تسليم التصميم المطور لمقاول المشروع (شركة بن لادن)، لعمل الرسومات التنفيذية، والنظم الهندسية اللازمة، مع بعض التعديلات من قبل الاستشاريين التابعين لـ«شركة بن لادن» دون تغيير أو تحوير للفكرة الأساسية للمشروع، وتم تنفيذ المشروع وفق ذلك.

إنها قصة تدعو للفخر، أن تتفوق كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود على عدد من أكبر المكاتب والشركات الاستشارية العالمية في مجال العمارة والتصميم.

وهذا يدل على القدرات الكامنة في كثير من زوايا كليات جامعاتنا، والكفايات الوطنية السعودية التي تثبت يوماً بعد يوم تفوقها وريادتها في عديد من المجالات، وأنها ليست أعظم استثمارات الدولة السعودية فحسب؛ بل وأهم موارد هذه البلاد وأكثرها قيمة. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كثيرون لا يعرفون عن الإنجازات المعرفية لجامعاتنا السعودية، أم أن السبب يعود إلى الجامعات نفسها؟

لكن المؤمل أن نرى في المستقبل القريب، خصوصاً بعد تحويل جامعة الملك سعود إلى «مؤسسة أكاديمية مستقلة غير هادفة للربح»، ومملوكة للهيئة الملكية لمدينة الرياض، خطوات نحو المستهدف الطموح لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لأن تصبح الجامعة أحد أفضل عشر جامعات في العالم.

عهد سلمان

وفور تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مقاليد الحكم في 3 ربيع الثاني 1436ه – 23 يناير (كانون الثاني) 2015م، أكد مواصلة العمل بواجبات ومسؤوليات خدمة الحرمين الشريفين، التي تشرف بها ملوك البلاد السابقون، وتوفير الأمن والراحة والطمأنينة لضيوف الرحمن.

الملك سلمان بن عبد العزيز لدى اطلاعه على مشروع التوسعة نهاية مايو 2015 (واس)

وتأكيداً لحرصه على كل ما من شأنه أداء قاصدي المسجد الحرام مناسكهم بكل يسر وراحة، تفقد الملك سلمان يوم السبت 12 شعبان 1436ه – 30 مايو (أيار) 2015م مراحل مشروع التوسعة السعودية الثالثة للحرم المكي، ووجه بتسخير كل الإمكانات والمتطلبات التي يحتاج إليها المسجد الحرام ومشروع التوسعة. وفي يوم 24 رمضان 1436ه - 11 يوليو (تموز) 2015م دشَّن خادم الحرمين الشريفين خمسة مشاريع رئيسة ضمن المشروع الشامل للتوسعة، الذي تشرف على تنفيذه وزارة المالية، وهي: مشروع مبنى التوسعة الرئيس، مشروع الساحات، مشروع أنفاق المشاة، مشروع محطة الخدمات المركزية للحرم، ومشروع الطريق الدائري الأول.

إن الناظر إلى الجهود المستمرة في خدمة وعمارة وتوسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمشاعر المقدسة والمشروعات الكبرى التي تخدم هذه المقدسات، يلمس العناية الكبيرة والحرص المستمر من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده على بذل كل جهد وعناية لخدمة الحرمين الشريفين وحجاج وعمار بيت الله الحرام وزوار مسجد نبيه صلى الله عليه وسلم.

وجاء إطلاق برنامج خدمة ضيوف الرحمن أحد البرامج الرئيسة ضمن رؤية المملكة العربية السعودية 2030، الذي يهدف إلى إحداث نقلة نوعية جديدة في خدمة ضيوف الرحمن، وتوفير الخدمات التي تعينهم على أداء المناسك بكل يسر وسهولة، من خلال تحقيق 3 أهداف استراتيجية تتمثل في: تيسير استضافة المزيد من المعتمرين وتسهيل الوصول إلى الحرمين الشريفين، وتقديم خدمات ذات جودة للحاج والمعتمر، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية.

كما صدر في 17 رمضان 1439ه - 1 يونيو (حزيران) 2018م أمر ملكي بإنشاء الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، ويرأس مجلس إدارتها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد. والهيئة ذات شخصية اعتبارية، مستقلة إدارياً ومالياً، ترتبط تنظيمياً بمجلس الوزراء، وتتمتع بسلطة عليا على كل الأعمال والخدمات والمشروعات ضمن النطاق الجغرافي لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وتهدف إلى الارتقاء بالأعمال والخدمات المقدمة، لتحقيق الازدهار والتنمية المستدامة بما يتناسب مع مكانة مكة المكرمة وقدسيتها.

ولعله من المهم في نهاية هذا السرد التاريخي لجهود قادة المملكة العربية السعودية في توسعة وعمارة المسجد الحرام الإشارة إلى بعض الجوانب النوعية المرتبطة بمشروعات توسعة الحرم المكي وتحدياتها، خصوصاً وأن تنفيذ هذه المشروعات مستمر طوال العام وأثناء المواسم التي تشهد كثافة بشرية عالية، وإذا تناولنا ما يرتبط بإدارة الحشود فقط، ندرك الكفاءة التشغيلية العالية والخطط الدقيقة لتمكين قاصدي المسجد الحرام من تأدية المناسك والعبادة في بيئة آمنة وبكل انسيابية وسلامة رغم الظروف المحيطة والمقننة في حدود زمانية ومكانية، حيث سخرت المملكة العربية السعودية إمكاناتها وأثبتت بعد توفيق الله قدراتها في إدارة الحشود، وكان آخر قصص النجاح في هذا المجال تنظيم حركة دخول وخروج أكثر من 30 مليون معتمر ومصلٍ للمسجد الحرام خلال شهر رمضان 1444ه - 2023م.

«كورونا»... وشجاعة المواجهة

ومما سيسجله التاريخ لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، القرار الشجاع الذي اتخذته حكومة المملكة العربية السعودية تفادياً لانتشار وباء «كورونا»، بتعليق العمرة والزيارة وإغلاق صحن المطاف والروضة الشريفة، وإغلاق الحرمين الشريفين في غير أوقات الصلوات، مع استمرار رفع الأذان وإقامة الصلاة داخل المسجد الحرام والمسجد النبوي ضمن إجراءات محددة حفاظاً على سلامة قاصدي الحرمين الشريفين، وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا.

وحرصت السعودية على إقامة شعائر الحج خلال تلك الأزمة (1441 و1442ه – 2020 و2021م) بشكل آمن، وذلك تحقيقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية وبأعداد محددة من الحجاج.

لقد أدرك قادة المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس وحتى اليوم تلك المسؤولية الكبرى على المملكة بصفتها مهبط الوحي ومهد الرسالة النبوية، وجعلوا خدمة الحرمين أولوية لكل منهم، وكان لكل ملك مساهمته وبصمته التي سيخلدها التاريخ، ولخص ذلك الملك سلمان بقوله: «لقب خادم الحرمين الشريفين شرف كبير، ومسؤولية عظيمة».

ولعل المطلع والمتابع لكل هذه التغييرات النوعية لخدمة بيت الله الحرام ومسجد نبيه صلى الله عليه وسلم وقاصديهما يدرك أننا أمام مرحلة تحول كبرى ترتكز على تطوير منظومة متكاملة لتيسير الإجراءات وتلبية الاحتياجات وتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن، وذلكم هو الشرف الكبير والمسؤولية العظيمة.


مقالات ذات صلة

«المدّ البشري»... فيلم يُوثّق رحلة الحج عبر حكايات 6 عائلات من العالم

يوميات الشرق 6 حكايات متنوّعة من قلب المشاعر المقدَّسة (لقطة من الفيلم)

«المدّ البشري»... فيلم يُوثّق رحلة الحج عبر حكايات 6 عائلات من العالم

تتكشَّف قصص ممزوجة بالخوف، والشوق، والأمل، والفقد، ليظهر مفهوم الحج بأبعاد جديدة، في رحلة تتحرّك بالروح قبل القدم...

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق هيثم مساوا يُقدّم ورشة عمل بعنوان «التحدّيات الصحية في المنافذ الجوّية» (الشرق الأوسط)

جدة تحتضن «هاكاثون الابتكار الصحي» للارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن

يستعرض الهاكاثون 4 مسارات رئيسية. تشمل المنتجات الصحية، والخدمات الصحية، وتجربة المريض، والإعلام الصحي...

أسماء الغابري (جدة)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (واس)

ولي العهد السعودي يتلقى رسالة من الرئيس الإيراني

تلقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، رسالة خطية، من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق 
قبو زمزم يظهر في صحن المطاف عام 1970 (دارة الملك عبد العزيز)

تطوّر الحج في معرض بـ«دارة الملك عبد العزيز»

يروي معرض «100 عام من العناية بالحرمين»، في دارة الملك عبد العزيز، تطور رحلة الحج منذ عام 1925 حتى اليوم، مِن وقت المشقة إلى تجربة آمنة وروحانية، عبر سرد بصري.

أسماء الغابري (جدة)
الخليج عرضت جهات حكومية أحدث مشروعاتها وبرامجها التطويرية لخدمة ضيوف الرحمن (الشرق الأوسط)

وزير الحج السعودي: إجراءات مبكرة لضمان تجربة استثنائية للحجاج

أعلن وزير الحج الدكتور توفيق الربيعة إتمام التعاقد لأكثر من مليون حاج في المشاعر المقدسة حتى الآن، في «إنجاز غير مسبوق يتحقق قبل الموسم بـ6 أشهر».

أسماء الغابري (جدة)

عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
TT

عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)

خفتت آمال السودانيين في نهاية قريبة للحرب والمأساة الإنسانية التي يعيشونها منذ 15 أبريل (نيسان) 2023، ومنذ اللحظة التي انطلقت فيها الرصاصة الأولى، ثم تزايد تشاؤمهم بأن المشهد يزداد قتامة مع تعثر المبادرات الإقليمية والدولية.

لكن تدخل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وطلبه من الرئيس الأميركي دونالد ترمب «التدخل» بكامل ثقله الرئاسي، أعاد بريق الأمل، وقفز دور السعودية إلى قلب حديث الناس، وفتح نافذة جديدة تراهن على ثقل قادر على كسر الجمود.

وخلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة أخيراً، طلب ولي العهد من الرئيس الأميركي التدخل للمساعدة في وقف الحرب، وفق تصريحات أدلى بها ترمب خلال المنتدى الأميركي – السعودي للأعمال في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكشف ترمب وقتها أن ولي العهد طلب منه التدخل لوقف حرب السودان، بقوله: «سمو الأمير يريد مني القيام بشيء حاسم يتعلق بالسودان»، وأضاف: «بالفعل بدأنا العمل بشأن السودان قبل نصف ساعة، وسيكون لنا دور قوي في إنهاء النزاع هناك».

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً في قصر اليمامة بالرياض رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (واس)

عندما يتكلم الناس

في الخرطوم التي دمرتها الحرب، نظر مواطنون للتحرك السعودي بوصفه استجابة «متوقعة من الأشقاء»، يقول أحمد موسى، إن «ما فعله ولي العهد السعودي أمر متوقع من المملكة، كدولة شقيقة».

وفي الفاشر التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، لم تخفِ حواء إبراهيم تأثير الحرب في كلماتها، قبل أن تربط الأمل بأي خطوة توقف النزيف: «الحرب قضت على الأخضر واليابس، وتضررنا منها كثيراً».

أما في الأبيض، عاصمة شمال كردفان المحاصرة، حيث يعيش السكان على حافة القلق من تمدد القتال، فيختصر عيسى عبد الله المزاج العام بقوله: «تأثرت كل البيوت بالحرب، لذلك نحن نرحب بتدخل الأشقاء».

ومن نيالا التي يتخذ منها تحالف «تأسيس» عاصمة موازية، يقول ف. جبريل إن السكان «يأملون أن تجتث الحرب من جذورها، وأن تصل إليهم المساعدات الإنسانية، وأن يعود النازحون إلى ديارهم».

ولا يطلب السودانيون حلاً مفروضاً من الخارج، بقدر ما يريدون وسيطاً «نزيهاً» يعيد الأطراف إلى طاولة الحوار، ويمنع استخدام المسارات السياسية لشراء الوقت، ويعتقدون أن السعودية هي ذلك الوسيط.

شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)

إشارات تراجع

على المستوى الرسمي، لم تسر الاستجابة على خط واحد، ففي 19 نوفمبر 2025، وبمجرد إعلان ترمب عن طلب ولي العهد، رحّب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالخطوة، وكتب في تغريدة على «إكس»: «شكراً سمو الأمير محمد بن سلمان، شكراً الرئيس ترمب».

ورحّبت حكومة البرهان بالجهود السعودية والأميركية، وأبدت استعدادها «للانخراط الجاد لتحقيق السلام». لكنها تحفظت على وساطة «المجموعة الرباعية» التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، وأبدت تفضيلاً للوساطة السعودية.

«صفقة عسكرية»

ورحب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بالجهود السعودية، واعتبرها «خطوة إيجابية قد تفتح مساراً جديداً»، بيد أنه اشترط ألا يكون الحل حصراً بين العسكريين، وأن يشارك المدنيون في أي تسوية شاملة قادمة.

من جهته، عبر تحالف السودان التأسيسي - اختصاراً «تأسيس» - الموالي لـ«قوات الدعم السريع»، عن تأييده للتحرك السعودي، واعتبره تأكيداً على حرص المملكة على منع انهيار السودان.

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

هل تنجح المبادرة؟

يراهن السودانيون على تحويل الجهود السعودية - الأميركية من «إشارة سياسية» إلى مسار دبلوماسي كامل يتضمن «ضغطاً يفضي إلى وقف إطلاق نار، وترتيبات إنسانية تفتح الممرات وتخفف المعاناة، ثم عملية سياسية لا تعيد إنتاج الأزمة»، وفق المحامي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط».

وقال إلياس لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحدي الأكبر يبقى في تعقيد الحرب نفسها: صراع على الشرعية، وانقسام مجتمعي، ومؤسسات ضعيفة، وتضارب مصالح أطراف متعددة».

ورغم هذه التعقيدات، فإن المزاج الشعبي من بورتسودان إلى الخرطوم إلى الفاشر والأبيض ونيالا، يبدو واضحاً، حسب الصحافي المقيم في باريس محمد الأسباط، في أن «هناك تعلقاً بالأمل الهش بتوقف البنادق وفتح باب نحو سلام طال انتظاره».

وبعد تراجع آمال السودانيين في حل قريب، عادت الروح المتفائلة مرة أخرى، إثر زيارة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان للرياض 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي للمملكة، والاجتماع الرفيع الذي عقده معه ولي العهد.

وبدا أن مجرد عقد هذا الاجتماع في الرياض، فتح بوابة جديدة للأمل بوقف الحرب وإنهاء المأساة الإنسانية، وكأن واقع الحال يقول: «تضع السعودية ملف وقف الحرب في السودان على رأس أولوياتها».

ويأمل السودانيون الذين أنهكتهم الحرب وأزهقت أرواح العديد منهم، وأهلكت ضرعهم وزرعهم، وشردتهم في بقاع الدنيا، لاجئين ونازحين، العودة إلى بلادهم وبيوتهم، وحياتهم التي يفتقدونها، فهل تثمر المبادرات سلاماً مستداماً هذه المرة؟


ترمب «عرَّاب» اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

ترمب «عرَّاب» اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قطاع غزة، كان لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب دور بارز في إقناع «حماس» وإسرائيل بضرورة التوصل إلى اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار، وإعلان انتهاء الحرب التي استمرت لمدة عامين، دفع خلالها الفلسطينيون أثماناً لا تحتمل من خسائر بشرية ومادية وعلى صعد مختلفة، منها الصحة والبيئة والبنية التحتية وغيرها.

ويحسب لإدارة ترمب أنها نجحت فعلاً بالتوصل لاتفاق بعد محاولات حثيثة من إدارة جو بايدن للتوصل إلى اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار، إلا أن كل الجهود فشلت آنذاك في ظل خلافات برزت بينها وبين الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي كان يتوق لعودة ترمب إلى الحكم. إلا أن هذه العودة لم تكن مثل ولاية ترمب الأولى التي منح خلالها لإسرائيل الكثير من الهدايا سواء الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، أو سيادتها على الجولان، أو حتى العمل على الاتفاقيات الإبراهيمية.

قبول مواقف «حماس»

وفرض ترمب على نتنياهو وحكومته العديد من القرارات المتعلقة بالشأن الفلسطيني والمنطقة بأسرها، وخاصةً فيما يتعلق بالحرب على إسرائيل، حين فاجأ الأخيرة بقبول موقف «حماس» من خطته التي طرحت على الحركة، بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو أمر فاجأ نتنياهو وحكومته بشكل خاص، قبل أن تقبل الحكومة الإسرائيلية، بالأمر الواقع، ويتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من أن هذا الإنجاز يحسب لإدارة ترمب، فإن الخروقات الإسرائيلية المستمرة لوقف إطلاق النار الهش للغاية، قد تفضي إلى إفشاله. لكن أيضاً حالة العجز الفلسطينية بعد حرب استمرت عامين واستنزفت كل قدرات فصائلها المسلحة وخاصةً «حماس» و «الجهاد الإسلامي»، ربما تدفع الجميع بقبول ما تطمح إليه الولايات المتحدة من العبور إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار. ليتم ذلك لا بد من دعم من الوسطاء الذين يحاولون تقريب وجهات النظر بين «حماس» وإسرائيل من جانب، والولايات المتحدة من جانب آخر، ويتمحور دورها في الضغط على حكومة نتنياهو، بقبول الاتفاق والالتزام ببنوده. ففي أكثر من مرة منعت هذه الحكومة من اتخاذ إجراءات مثل إغلاق المعابر مجدداً للقطاع بحجة خروقات حصلت من جانب «حماس»، كما ضغطت عليها في العديد من المرات بالالتزام بزيادة عدد الشاحنات التجارية والمساعدات إلى القطاع.

«ضغوط وهمية»؟

رغم أن هذه الضغوط تؤتي أكلها وثمارها في بعض الأحيان، لكن الفصائل الفلسطينية والمراقبين للوضع في قطاع غزة، يرون أنها مجرد ضغوط وهمية في قضايا غير ملحة، وأن هناك حاجة أكثر لضرورة أن يكون الضغط فاعلاً تجاه قضايا أكبر ومهمة بالنسبة للسكان في القطاع، مثل البدء بتوفير المواد الإغاثية من خيام جيدة صالحة للحياة، وإدخال الكرفانات، والبدء بمسيرة إعمار جادة، بينما تتطلع إسرائيل للبدء بنزع سلاح «حماس» والفصائل الأخرى، وأن تتخلى الحركة عن حكمها للقطاع، وهي قضايا ما زالت تبحث ويدار حولها الكثير من اللقاءات والمحادثات الهادفة للانتقال لكل عناصر وبنود الاتفاق بمرحلته الثانية.

خريطة لمراحل الانسحاب من غزة وفق خطة ترمب (البيت الأبيض)

ولربما غالبية سكان قطاع غزة، كانوا يتطلعون لنجاحات أكبر من إدارة ترمب بعد أن فرضت على إسرائيل و«حماس» اتفاق وقف إطلاق النار، سواء من خلال الدبلوماسية التي قادتها هذه الإدارة من جانب، أو من خلال سياسة الضغط عبر الوسطاء وحتى عبر التهديدات التي كان يطلقها ترمب من حين إلى آخر، لكن هناك من يرى سياسياً وشعبياً أن الولايات المتحدة ما زالت لم تقدم الكثير تجاه إنجاح هذا الاتفاق في ظل أنه كان المأمول في أن يتغير واقع القطاع لأفضل من ذلك، خاصةً على مستوى الظروف الحياتية وبدء الإعمار، وهو الأمر الذي يهتم به المواطن في غزة أكثر من أي مطالب أخرى.

المرحلة الثانية

وفتحت اللقاءات المباشرة بين «حماس» والإدارة الأميركية، التي كانت مفاجئة بالنسبة لإسرائيل، أفقاً أكبر لإمكانية الانتقال للمرحلة الثانية بسلاسة كما جرى في المرحلة الأولى، حيث تحاول الحركة الفلسطينية إقناع إدارة ترمب بالعديد من المقترحات التي تقدمها عبر الوسطاء، لكنها كانت تتطلع لعقد لقاء آخر مع المبعوثين الأميركيين لبحث هذه القضايا بشكل مباشر، قبل أن تعترض إسرائيل على هذه اللقاءات، ما أدى لتأجيلها، في وقت جرت تسريبات عن أنها عقدت سراً، وهو الأمر الذي لم يؤكد سواء من الحركة أو الولايات المتحدة.

مسلحون من «حماس» يحملون أحد التوابيت في أثناء تسليم جثث رهائن إسرائيليين إلى «الصليب الأحمر» في خان يونس 20 فبراير 2025 (د.ب.أ)

ويبدو أن «حماس» التي تدرس جيداً الكثير من خطواتها، قبل أن تخطوها، تتفهم خريطة عمل إدارة ترمب التي تصنف في استراتيجية أمنها القومي منطقة الشرق الأوسط «منطقة شراكة» لا التزام عسكري طويل، بما يشير إلى أن الولايات المتحدة تحت حكم ترمب، منفتحة على أن حتى من يصنفون أنهم أعداؤها، يمكن أن تكون لهم الفرصة في حال أثبتوا قدرتهم على أن يصبحوا شركاء نافذين لها في منطقة الشرق الأوسط، وأنه لا يهمها من يحكم، إنما يهمها الشراكة المُجدية فقط.

انتصار مزدوج

وتتجه «حماس» لاستغلال هذه الفرصة التي وضعتها الإدارة الأميركية لنفسها، للتواصل مع جهات غير حكومية في سبيل حل التعقيدات التي تواجه سياساتها الخارجية، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط، بما يحقق لها ولرئيسها دونالد ترمب، انتصاراً دبلوماسياً يطمح له الأخير لتحقيق هدفه بالحصول على جائزة «نوبل» للسلام من جانب، وبما يشكل من جانب آخر اتفاقاً قد يكون غير مسبوق فيما يتعلق بواقع القضية الفلسطينية ومصير الصراع مع إسرائيل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في قمة شرم الشيخ لإنهاء حرب غزة بمصر يوم 13 أكتوبر 2025 (رويترز)

ورغم هذه الرؤية، فإن هناك في «حماس» من لا يأمن الجانب الأميركي الذي قدم في العديد من المرات وعوداً لم تتحقق بالنسبة للحركة، ومنها عندما أطلقت سراح الجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية، عيدان ألكسندر، كهدية لترمب بعد لقاءات مباشرة بين الجانبين، وضمن اتفاق ضمني يسمح بفتح المعابر وإدخال المساعدات للقطاع، في وقت تهربت فيه إسرائيل من هذا الاتفاق، كما تهربت من اتفاق مماثل بتسليم جثة الضابط الإسرائيلي هدار غولدن مقابل حل أزمة العناصر المسلحة من «حماس» في أنفاق رفح، الأمر الذي قد يؤشر أيضاً إلى عدم قدرة تحقيق الإدارة الأميركية إنجازات حقيقية في قطاع غزة، حال بقيت سياستها على حالها دون ضغط حقيقي على إسرائيل.


نتنياهو لا يزال يدرس «ترمب الجديد»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
TT

نتنياهو لا يزال يدرس «ترمب الجديد»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)

لم تشهد العلاقات الأميركية - الإسرائيلية اضطراباً كما هي الحال اليوم. ورغم دعم واشنطن الاستراتيجي، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، والاحتضان الكبير من الرئيس دونالد ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي بلغ درجة التدخل العلني الصريح في شؤون القضاء، ومطالبته عبر رسالة رسمية من البيت الأبيض بإلغاء قضايا فساد يُحاكم عليها نتنياهو، فإن هناك قلقاً يساور تل أبيب وتساؤلات كثيرة من دون إجابات.

ومن بين أبرز الأسئلة ما يتعلق بترمب، وما إذا كان في الدورة الأولى من حكمه، هو الرئيس الجديد نفسه؟ وهل تخلى عن مفاهيمه حول «إسرائيل دولة صغيرة تحتاج إلى توسيع؟».

في وثيقة نشرتها إدارة ترمب مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2025، وحددت فيها الأهداف الاستراتيجية لإدارته، جاء أن القضية الفلسطينية غير قابلة للحل قريباً. فهل هذا يعني أن بالإمكان تخطي خطة ترمب لوقف الحرب في غزة، وإقامة سلام شامل في الشرق الأوسط؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهل يمكن أن يمارس ضغوطاً على إسرائيل لفرض التسوية؟ وما حدود الدعم لإسرائيل؟ وأي اتفاق مساعدة سيمنحه ترمب في عهده للسنوات العشر المقبلة؟

في محيط نتنياهو لا تبدو الأمور واضحة، رغم التصريحات التي تبث تفاؤلاً حول متانة العلاقات.

نعم، حتى نتنياهو الذي يعد نفسه «أكبر خبير إسرائيلي في الشؤون الأميركية»، يُمضي ساعات في دراسة شخصية «ترمب الجديد».

يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب وهو يشير بيده بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون الدولي خلال زيارته إسرائيل 13 أكتوبر 2025 (رويترز)

نتنياهو الذي عاش في أميركا

يسجل التاريخ السياسي أن 8 من مجموع 13 رئيس وزراء حكموا إسرائيل حتى الآن، عاشوا في الولايات المتحدة لفترة زمنية ما تزيد على ستة شهور. أكثر رئيس حكومة عاش في أميركا، كانت غولدا مائير، 18 عاماً. يأتي بعدها بنيامين نتنياهو، الذي عاش فيها 16 عاماً. وكلاهما كان يتباهى بأنه أكثر من يعرف أميركا من الداخل، بفضل عيشهما الطويل فيها.

إلا أن المؤرخين الإسرائيليين يرون الأمر بشكل معاكس. ويقول الصحافي والمؤرخ، تاني غولدشتاين، إن هناك من يعد غولدا ونتنياهو أسوأ رئيسي حكومة في إسرائيل مع الولايات المتحدة، وسجل في تاريخهما أنهما تسببا بأكبر عدد من الأزمات في العلاقات بين البلدين.

غولدا، كانت وزيرة خارجية إسرائيل عام 1958، عندما تدخلت الولايات المتحدة في لبنان خلال أزمتها الدستورية، وبالاتفاق مع رئيس الوزراء بن غوريون، وضعت أجهزة المخابرات الإسرائيلية في خدمة القوات الأميركية. وبذلك تم وضع قاعدة لأول تعاون أمني بين تل أبيب وواشنطن، وبعد ثلاث سنوات عقد أول لقاء رسمي بين رئيس حكومة إسرائيلية وبين الرئيس الأميركي، الذي كان يومها جون كيندي. لكن غولدا نفسها، عندما أصبحت رئيسة للحكومة الإسرائيلية، أثارت أول أزمة كبيرة في العلاقات.

في مطلع السبعينات، بدأ الأميركيون طرح مشروع سلام إسرائيلي عربي، عرف باسم وزير الخارجية، ويليام روجرز. وبعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، حاول الرئيس أنور السادات إحياء هذه الجهود بقوة، وأبدى استعداداً واضحاً لهذا السلام. واعتقد الرئيس ريتشارد نيكسون أن غولدا ستتصرف معه بصفتها شريكة وحليفة استراتيجية ستتحمس لاتفاق السلام الذي سيجلبه إلى إسرائيل، وقد صدم عندما رفضت.

الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر يصفق في حين يعانق رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن الرئيس المصري أنور السادات بالبيت الأبيض سبتمبر 1978 (أ.ف.ب)

في حرب 1973، عندما دخلت إسرائيل في أزمة أمنية، وشعرت بأن الجيشين المصري والسوري يهددان وجودها، سامح نيكسون غولدا، وأرسل شحنات أسلحة ضخمة وطائرات مقاتلة دخلت الحرب ضد مصر وسوريا، يقودها طيارون من سلاح الجو الأميركي.

ويقول المؤرخ المتخصص في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، البروفسور إيلي لادرهندلر، إن غولدا أثبتت أن ادعاءاتها بأنها تعرف أميركا من الداخل انعكست على إسرائيل بشكل سلبي. وثبُت أنها كانت متبجحة، وتتمتع بقدر عال من الثقة الزائدة بالنفس، فأسهمت معرفتها بأميركا بشكل عكسي في المصلحة الإسرائيلية.

ويتمتع نتنياهو أيضاً بثقة زائدة بالنفس، في الشعور بأنه يعرف أميركا من الداخل. وقد تفوق على غولدا في عدد وعمق الأزمات التي تسبب بها في العلاقات بين البلدين، خلال معظم سنوات حكمه. فقد شنّ حرباً على الرئيس باراك أوباما، ليمنعه من توقيع الاتفاق النووي مع إيران في سنة 2015.

ودخل نتنياهو في أزمة مع الرئيس السابق جو بايدن، الذي هب لنجدة إسرائيل بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وأفشل مبادراته لوقف النار في غزة. وفي الوقت الذي حاول فيه كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية إقامة علاقات متوازنة بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري الأميركي، لكي تحظى إسرائيل بدعم من كليهما، سمح نتنياهو لنفسه بالتدخل في الانتخابات الأميركية لصالح مرشحي الحزب الجمهوري، ودخل في مشكلة مع الديمقراطيين.

ويقول خصوم نتنياهو في واشنطن إنه هو الذي أقنع الرئيس دونالد ترمب في دورته الأولى بإلغاء الاتفاق النووي. وصار يشار إليه بالبنان كمن يريد توريط الولايات المتحدة بحرب. وخلال السنة الماضية، ثبت هذا التقدير ودخلت الولايات المتحدة في حرب مع إيران، قصيرة وخاطفة ولكنها حرب. وهو لا يكتفي بذلك، بل يسعى إلى إقناع الرئيس الأميركي بجولة أخرى، لتكون حرباً أميركية أو حرباً مشتركة بينهما ضد إيران.

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق برج دبابة متمركزة في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

متانة العلاقة

ليس هناك شك في أن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة استراتيجية ومتينة، وهي كذلك في زمن ترمب أيضاً. لكنّ شيئاً ما تغير يجب أن يقلق إسرائيل، وبدأ يقلقها بالفعل.

الحلف مع الولايات المتحدة متين، لأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تقبل على نفسها أن تكون خط الدفاع والهجوم الأول للمصالح الغربية عموماً والأميركية خصوصاً في الشرق الأوسط. الجنرال ألكسندر هيغ، الذي كان قائداً لحلف شمال الأطلسي، وأصبح وزيراً للخارجية الأميركية، كان يقول إن إسرائيل هي «حاملة الطائرات الأميركية في الشرق الأوسط التي تخوض حروبنا من دون مشاركة أي جندي أميركي». والمستشار الألماني الحالي، ميرتس، قال إن «إسرائيل تقوم بالأعمال القذرة عنا».

لهذا تحظى إسرائيل بهذا الدعم الهائل. وعلى مدى العقود الماضية نما حجم المساعدات العسكرية الأميركية بشكل كبير، ففي عام 1998 كان المبلغ السنوي نحو 1.8 مليار دولار وبحلول 2028 سيصل إلى 3.8 مليار دولار سنوياً.

وتطلب إسرائيل زيادته للمرحلة المقبلة، وهذا لا يشمل ما قدمته الولايات المتحدة خلال الحرب على غزة، الذي بلغ أكثر من 22 مليار دولار. وحسب صحيفة «هآرتس»، في 18 ديسمبر 2025 أنفقت الولايات المتحدة بسبب الحرب، ما مجموعه نحو 32 مليار دولار أميركي مساعدات لإسرائيل خلال العامين الماضيين. ونقلت الصحيفة عن مركز أبحاث الكونغرس وجامعة براون في واشنطن، أنه «إلى جانب تكاليف المساعدات المباشرة، المتمثلة في العمليات العسكرية الأميركية في اليمن وإيران، حوّلت واشنطن 21.7 مليار دولار أميركي إلى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية خلال العامين الماضيين. إضافةً إلى ذلك، وافق مجلس النواب في بداية 2025 على مساعدات عسكرية خاصة بقيمة 26 مليار دولار أميركي، خُصص منها نحو 4 مليارات دولار أميركي لصواريخ اعتراض ضمن برنامج الدفاع الصاروخي، و1.2 مليار دولار أميركي لنظام الليزر الجديد (أور إيتان)».

وكان التحالف الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي مبنياً على «قيم مشتركة» للبلدين ورسم مشترك للمصالح، لكن الحرب على غزة أحدثت هزة شديدة في هذه القواعد، التي كان تستند على دولة عظمى، إذ تحتضن «ابنها المدلل» في منطقة الشرق الأوسط.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس خلال اجتماع في أحد مقار الجيش (الحكومة الإسرائيلية)

ترمب «غير المتوقع»

يدرك نتنياهو قوة الخدمة التي تقدمها إسرائيل للولايات المتحدة، واستغلها هو بطريقة شرسة، خصوصاً في ظل إدارتي أوباما وبايدن، لكن قدوم ترمب إلى البيت الأبيض أحدث تغييراً في المعادلة لدرجة أربكت نتنياهو وحكومته، وجعلته يخطو بحذر حتى يبتعد عن المتاهات. فالولايات المتحدة تتغير، والأمر تجلى بشكل كبير في السنة الأولى من إدارة ترمب.

يُنظر إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب على أنه شخصية غير تقليدية، تتسم قراراته بعدم القابلية للتنبؤ، ما يفرض على من يتعامل معه قدراً أكبر من الحذر مقارنة برؤساء سابقين. وتقول الصحافة الإسرائيلية إن هذا النهج يثير قلقاً حتى لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يُشار إلى أنه يخشى التعرض لانتقادات علنية على غرار ما واجهه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ورغم إدراك ترمب للأهمية الاستراتيجية لإسرائيل، فإن تقديرات تشير إلى أن حساباته لا تقتصر على هذا العامل وحده.

وترمب من نوع القادة الذين يؤمنون بأنهم يعرفون مصلحة إسرائيل أكثر منها ومن قادتها، ومثلما يراها «حاملة طائرات أميركية» يقدر عالياً «الحروب» التي تخوضها الدولة العبرية، وتدفع ثمنها بأرواح الإسرائيليين، ولا تكلف أميركا أي جندي.

لكنه في الوقت نفسه مقتنع بأنه يستطيع توفير سلام حقيقي وشامل لإسرائيل في هذا العصر، مع الدول العربية والإسلامية، وهو يقرأ استطلاعات رأي تنشر في تل أبيب، مثل الذي صدر عن معهد أبحاث الشعب اليهودي في 21 ديسمبر 2025، وجاء فيه أن 60 في المائة من الإسرائيليين يثقون في أن ترمب يعمل وفق رؤية تغلب مصالح إسرائيل.

وفي الولايات المتحدة، ثمة تراجع في قوة ونفوذ المسيحيين الصهيونيين المناصرين لإسرائيل، وكذلك في قوة اللوبي اليهودي (أيباك)، مقابل القوة الصاعدة لحركة «ماغا» التي تضع مصلحة أميركا أولاً، إذ تسمع في صفوفها الأصوات التي تطالب بتقليص الدعم لإسرائيل وزيادة الرقابة على الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وضد سوريا ولبنان.

كما أن هناك تراجعاً حاداً في التأييد الأميركي الشعبي لإسرائيل. وجاء في دراسة لمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، أن «هناك أزمة خطيرة في مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة، لدرجة الحديث عن خطر تشكيل تهديد استراتيجي».

وجاء في الدراسة التي نشرت في مطلع ديسمبر 2025، وأجراها الباحثان إلداد شافيت وتيد ساسون، أن «مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة وقعت في أزمة غير مسبوقة. الدعم التقليدي تآكل بشكل ملموس في أوساط الديمقراطيين وحتى لدى جزء من الجمهوريين».

وتظهر استطلاعات أن الرأي العام تجاه إسرائيل يتأثر سلباً بشكل مباشر من سلوك إسرائيل في الحرب، ومن الوضع الإنساني في قطاع غزة. كما يلاحظ في الجالية اليهودية خصوصاً في الأوساط الليبرالية، تراجع الدعم، وازدياد الانتقادات لإسرائيل، التي قد تضر بحرية العمل سواء السياسي أو العسكري لإسرائيل، وتشكل تهديداً حقيقياً على أمنها.

ولا يستطيع ترمب إهمال هذه التغيرات إذا أراد أن يحافظ على جمهوره، وإذا وجد أن نتنياهو يضع عراقيل أمام مخططات إدارته. وهو نفسه كان قد أشار إلى أن إسرائيل في عهد نتنياهو باتت من دون أصدقاء سوى الولايات المتحدة، وأنه هو وحده الذي يساندها، وعليها أن تتصرف بما لا يمس مصالح وإرادة الولايات المتحدة.

وتشهد هذه المصالح تغييراً مهماً في منطقة الشرق الأوسط، يتمثل في اللغة الجديدة التي يستخدمها ترمب مع القادة العرب في المنطقة. ويستمع نتنياهو إلى هذه «الموسيقى» بإصغاء، محاولاً فهم حدودها.

الآن، وبعد عام في ظل الرئيس الأميركي، يقال في محيط نتنياهو إنه لا يزال يحاول دراسة «شخصية ترمب الجديدة»، ويجد أن ما تعلمه عن الولايات المتحدة يحتاج إلى نسخة محدثة من الفهم.