ارتدت الكعبة المشرفة ثوبها الجديد، الأحد، جرياً على العادة السنوية من كل عام هجري على يد 159 صانعاً وحرفياً سعودياً مدربين ومؤهلين علمياً وعملياً على أعمال الفك ومراحل تغيير كسوة الكعبة الأساسية المتمثلة في رفع الكسوة القديمة، ونزع المذهبات، وإسدال الكسوة الجديدة.
ويكسو جدران البيت العتيق، الذي تتوق إليه أفئدة نحو ملياري مسلم حول العالم، رداء من الحرير الطبيعي الخالص، من أفضل الخامات في العالم، منقوشة عليه آيات من القرآن الكريم وتسبيحات مُطرزة بخيوط من الذهب والفضة، فيما يبلغ عدد مذهبات الكسوة 56 قطعة مذهبة، منها 16 قطعة للحزام، و7 قطع تحت الحزام، و4 صمديات، و17 قنديلاً، و5 قطع لستارة الباب، وقطعة للركن اليماني، وكينارين، وحلية الميزاب.
وتتكون كسوة الكعبة المشرفة من 5 قطع، تغطى كل قطعة وجهاً من أوجه الكعبة المشرفة، والقطعة الخامسة هي الستارة التي توضع على باب الكعبة، ويتم توصيل هذه القطع بعضها مع بعض يدوياً، ويبلغ ارتفاع الثوب 14 متراً، ويوجد في الثلث الأعلى منه الحزام، وعرضه 95 سنتيمتراً، بطول 47 متراً، وهو مكون من 16 قطعة، محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية.
وتبلغ كمية أسلاك الذهب والفضة المستخدمة في القطع المذهبة على كسوة الكعبة 120 كيلوغراماً من الذهب، و100 كيلوغرام من الفضة، و1000 كيلوغرام من الحرير. فيما يستغرق العمل على القطعة المذهبة الواحدة ما بين 60 إلى 120 يوماً.
وتابع ملايين البشر في مشارق الأرض ومغاربها مراسم إنزال الكسوة القديمة، وإكسائها بالكسوة الجديدة، عبر قناة القرآن الكريم، وداخل المسجد الحرام، حيث توشحت من الخارج بنقوش منسوجة بخيوط النسيج، كُتب عليها لفظ «يا الله يا الله» و«لا إله إلا الله محمد رسول الله» و«سبحان الله وبحمده» و«سبحان الله العظيم» و«يا ديان يا منان»، وتتكرر هذه العبارات على قطع قماش الكسوة جميعاً.
وتوجد تحت الحزام آيات قرآنية، كل منها مكتوبة داخل إطار منفصل، وفي الفواصل التي بينها يوجد شكل قنديل، مكتوب عليه «يا حي يا قيوم»، «يا رحمن يا رحيم»، «الحمد لله رب العالمين»، والحزام مطرز بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب، يحيط بالكعبة المشرفة بكاملها، وتشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة، ويطلق عليها البرقع، وهي منسوجة من الحرير بارتفاع 6 أمتار ونصف متر، وبعرض 3 أمتار ونصف متر، مكتوب عليها آيات قرآنية ومزخرفة بزخارف إسلامية.
وتعد كسوة الكعبة المشرفة تحفة فريدة من نوعها، يقوم بصنعها «مجمع الملك عبد العزيز» بمكة المكرمة في ظل الرعاية والاهتمام الكبيرين، اللذين توليهما حكومة المملكة العربية السعودية بتطويع كل الإمكانات المتاحة من كل مكان، ليتبوأ هذا المسجد الأكبر مكانته، وليلبس أحلى حلة تعظيماً لشعائر الله فيه.
ونقلت كسوة الكعبة المشرفة، السبت، من «مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة» إلى داخل المسجد الحرام عبر مقطورة طولها 13 متراً، بينما بلغ وزن الكسوة 1350 كيلوغراماً.
وبدأت مراسم تغيير الكسوة من خلال رفع الكسوة الجديدة إلى سطح الكعبة المشرفة، ثم إنزال السابقة تدريجياً، حيث يبلغ ارتفاع كسوة الكعبة المشرفة 14 متراً، مع استخدم 8 رافعات لرفع الكسوة وخياطة الأركان الأربعة وتركيب الصمديات والقناديل والحليات لكسوة الكعبة المشرفة الجديدة. وشارك مسؤولو الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة، كما شارك لأول مرة منسوبات الهيئة في مراسم تغيير كسوة الكعبة.
قصة أول كسوة
بدأت المملكة العربية السعودية رحلة الاهتمام بحياكة كسوة الكعبة المشرفة منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عام 1927م، إذ افتتح في عهده داراً متخصصة لصناعة الكسوة في مكة المكرمة، أنتجت أول كسوة سعودية للكعبة، وبعدها انتقل «مصنع كسوة الكعبة» عام 1977م إلى أم الجود، أحد أحياء مكة المكرمة.
وتابع أبناء الملك عبد العزيز باهتمام وعناية فائقة صناعة الكسوة وتطويرها حتى عصرنا هذا، وفي عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، شُرعت أبواب التحديث والتجديد على الأنظمة الإلكترونية، والمعدات الميكانيكية، والأجهزة الكهربائية بمصنع كسوة الكعبة. وفي عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، تغيّر الاسم ليصبح «مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة»، وبات من أكبر مجمعات تصنيع الحرير وتطريزه ونحته في العالم، ابتداءً من تصنيع الخيوط الحريرية وحياكتها وطباعة الرموز على القماش الحريري.
وقد منَّ اللهُ على المملكة العربية السعودية باستدامة هذه الصناعة وتطويرها وإدخال كل السبل التقنية الحديثة التي أسهمت في تمكين المجمع من إنتاج الثوب، ومن أهم ما تم استحداثه في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز توفير ماكينة «تاجيما»، وماكينة «الجاكارد»، التي تقوم بصناعة ثوب الكعبة المشرفة المنقوش بالتسبيحات والقناديل المذهبة.
وبعناية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، زيّنت الكعبة المشرفة بالثوب الأنفس في العالم بحلته الجديدة، بأيدي سعودية.
9 مراحل
تمر صناعة الكسوة بـ9 مراحل، بدءاً من عملية الغسل وصباغة الحرير ومرحلة المختبر للتأكد من مطابقة المواصفات والمقاييس المعتمدة ومقاومتها للعوامل المناخية وقوة الشد، قبل أن تأتي مرحلة النسيج الآلي وتحويل خيوط الحرير من شلل إلى مكرات سداية تضم أكثر من 9900 خيط للمتر الواحد، وتأتي بعدها مرحلة «الطباعة» حيث يتم تثبيت قطع قماش الحرير السادة على المنسج وطباعة الآيات القرآنية.
وفي المرحلة السادسة اليدوية، يتم تجهيز خيوط القطن المستخدمة في حشو الآيات القرآنية والزخارف الإسلامية، كما يتم في المرحلة السابعة (مرحلة الحزام) تطريز الآيات القرآنية والزخارف الإسلامية بأسلاك الفضة والفضة المطلية بماء الذهب وتثبيتها وحشو الآيات القرآنية والزخارف الإسلامية المطبوعة على قماش الحرير بخيوط القطن لبروز الحروف.
وفي المرحلة الثامنة، تتم مراقبة الجودة والحرص على مطابقة المواصفات والمقاييس لجميع مراحل الإنتاج. وفي المرحلة الأخيرة والتاسعة، يتم تجميع الكسوة وتوصيلها بعضها ببعض، وتلبيس الكعبة كساءها الجديد.