«التصلب الجلدي» مرض خفي يؤدي إلى اضطرابات خطيرة في الرئة

اليوم العالمي لأحد أمراض المناعة الذاتية غير الشائعة

«التصلب الجلدي» مرض خفي يؤدي إلى اضطرابات خطيرة في الرئة
TT

«التصلب الجلدي» مرض خفي يؤدي إلى اضطرابات خطيرة في الرئة

«التصلب الجلدي» مرض خفي يؤدي إلى اضطرابات خطيرة في الرئة

الإصابة بمرض لم يسمع به أحد من قبل هي أمر مثير للاهتمام والعمل على التعرف عليه، وعندما لا يتمكن حتى الأطباء من التعرف عليه أيضاً أو الإخبار بما سيحدث نتيجة الإصابة به، فإنه يظل أمراً أكثر تشويقاً واهتماماً.

التصلب الجلدي

التصلب الجلدي (scleroderma) هو أحد تلك الأمراض الخفية والخطرة جداً عند الإصابة به. لذلك تم إنشاء يوم عالمي للتوعية به ولإخبار الناس، بما في ذلك المجتمع الطبي، بما يعنيه الإصابة بهذا المرض المعوِّق. وفي هذا اليوم يتم التعرف على شجاعة أولئك الذين يعانون من «تصلب الجلد»، والمطالبة بمعاملة متساوية ورعاية متساوية للأشخاص المصابين به في جميع أنحاء العالم.

التصلب الجلدي هو أحد أمراض المناعة الذاتية غير الشائعة، ويسبب تليف الجلد والأعضاء الداخلية ومشكلات في الأوعية الدموية. وتجب الإشارة إليه بالاسم الأنسب وهو «التصلب الجهازي Systemic Sclerosis (SSc)» نظراً لاحتمال تأثيره في أعضاء أخرى مختلفة غير الجلد.

د. وليد بن عبد الرب حافظ

وتزامناً مع اليوم العالمي للتوعية بمرض التصلب الجلدي (التصلب الجهازي SSc)، الذي يحل في هذا اليوم، التاسع والعشرين من شهر يونيو (حزيران)، تحدث إلى ملحق «صحتك» بجريدة «الشرق الأوسط»، الدكتور وليد بن عبد الرب حافظ استشاري أمراض المفاصل والروماتيزم والتصلب الجهازي بمستشفى النور التخصصي بمكة المكرمة الأستاذ المساعد في جامعة أم القرى، حاصل على الزمالة السعودية في الطب الباطني والزمالة الكندية في تخصص أمراض المفاصل والروماتيزم وتصلب الجلد المناعي، لتسليط الضوء على المرض وتأكيد أهمية جهود التوعية المستمرة حوله في إحداث تأثير إيجابي على أولئك الذين يعانون من هذا المرض... ودار بيننا الحوار التالي:

* ما أهمية يوم التوعية بهذا المرض؟ وهل هناك أي دلالة تاريخية مرتبطة بهذا اليوم؟

- يهدف اليوم العالمي للتصلب الجلدي الذي يصادف يوم 29 يونيو من كل عام إلى تعزيز الوعي بمرض التصلب الجلدي، وهو أحد أمراض المناعة الذاتية غير الشائعة والمزمنة، ويصيب الأنسجة الضامة. وقد تم اقتراح هذا اليوم لأول مرة من قبل الاتحاد الأوروبي لجمعيات التصلب الجلدي (Federation of European Scleroderma Associations, FESCA) عام 2009 ويُحتفى به عالمياً من قبل منظمات المرضى والعاملين في الحقل الطبي ومختلف الأفراد. ويذكر هنا أن هذا اليوم بالتحديد اختير للتذكير بيوم وفاة الفنان السويسري بول كلي Paul Klee متأثراً بالإصابة بمرض التصلب الجلدي، ويعتبر هذا الفنان مصدر إلهام لأولئك الذين يتعايشون مع هذا المرض.

لقد شكّل اليوم العالمي للتصلب الجلدي عاملاً مهماً في لفت الانتباه إلى المرض، وهو مرض في العادة لا يتم تشخيصه أو فهمه بدقة. من خلال حملات التوعية والفعاليات والمبادرات التعليمية. يساعد اليوم العالمي للتصلب الجلدي على تعزيز الوعي والمعرفة العامة بالمرض وتحسين مستوى الدعم المُقدّم للأشخاص الذين يتعايشون معه.

التصلب الجلدي يؤدي إلى مضاعفات مثل صعوبات البلع والتنفس

مضاعفات المرض

* ما المشكلات الصحية الرئيسية المرتبطة بالتصلب الجهازي (التصلب الجلدي)؟

- التصلب الجهازي/ التصلب الجلدي يمكن أن يسبب عديداً من الأعراض، بما في ذلك صلابة الجلد وسماكته، وآلام المفاصل، ومشكلات في الجهاز الهضمي. ومع ذلك، فإن «مرض الرئة الخلالي Interstitial Lung Disease (ILD)» من أبرز المضاعفات الخطرة التي ترتبط بالتصلب الجلدي (www.ncbi.nlm.nih.gov).

أمراض الرئة الخلالية (ILD) هي مجموعة من اضطرابات الرئة التي تسبب التهاباً وتندباً في أنسجة الرئة، مما يؤدي إلى تراجع في وظائف الرئة وصعوبة في التنفس.

تشمل المشكلات الرئيسية الأخرى المرتبطة بالتصلب الجلدي ظاهرة «رينو (Raynaud)»، وهي حالة تسبب تحوّل أصابع اليدين والقدمين إلى اللون الأزرق أو الأبيض؛ بسبب ضعف الدورة الدموية، والتقرحات في الأصابع، وهي تقرحات مفتوحة مؤلمة على أصابع اليدين والقدمين.

في بعض الحالات، يمكن أن يؤثر التصلب الجلدي/ التصلب الجهازي أيضاً في الجهاز الهضمي، مؤدياً إلى صعوبة البلع والانتفاخ والإمساك. (www.elsevier.es)

* ما مدى انتشار مرض الرئة الخلالي عند مرضى التصلب الجهازي/ الجلدي؟

- الدراسات أظهرت أن ما يصل إلى 80 في المائة من مرضى التصلب الجهازي/ الجلدي يمكن أن يصابوا بمرض الرئة الخلالي (ILD). في الواقع، مرض الرئة الخلالي هو أحد الأسباب الرئيسية للمرض والوفاة لدى الأشخاص المصابين بالتصلب الجلدي. (pubmed.ncbi.nlm.nih.gov). إن السبب الدقيق للإصابة بمرض الرئة الخلالي عند المصابين بالتصلب الجلدي غير مفهوم تماماً، ولكن يُعتقد بأنه مرتبط باستجابة الجهاز المناعي غير الطبيعية للمرض.

علامات أولية

* ما العلامات الأولية التي يجب على المريض التنبّه لها باعتبارها علامة تحذير بالإصابة بمرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجهازي؟

- في البداية، قد لا يلاحظ المريض التغيرات التي تحدث في رئتيه وقد ينسب أي أعراض تصيبه إلى التعب أو الإرهاق. قد يكون هذا صحيحاً، ولكن من المهم أن يكون المريض دائماً على دراية بقدرات جسمه لملاحظة أي تغييرات.

كلما تم اكتشاف تأثُّر الرئة في وقت مبكر، أصبح بالإمكان إجراء الاختبار مبكراً والحصول على دعم أسرع، حيث توجد الآن أدوية لإبطاء تقدُّم التليف الرئوي لدى مرضى التصلب الجهازي. قد تشمل العلامات الأولية للإصابة بمرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجهازي ما يلي (www.frontiersin.org):

- السعال المزمن: ويكون جافاً في العادة. غالباً ما يكون تفاقم السعال أول علامة على الإصابة بمرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجلدي.

- مع تفاقم مرض الرئة الخلالي، تظهر عوارض ضيق التنفس، أولاً مع النشاط المعتدل، لكن مع تقدم المرض فقد يضيق نَفَس المريض حتى من أنشطته اليومية العادية، ويمكن أن يصاحب ذلك التعب الشديد وانخفاض مستوى الطاقة.

- إذا لاحظ المريض أيّاً من هذه الأعراض، فمن المهم لفت انتباه مزوّد الرعاية الصحية على الفور.

* متى يبدأ فحص الرئة لمريض التصلب الجلدي؟

- بشكل عام، المرضى المصابين بالتصلب الجلدي بأن يخضعوا لاختبارات وظائف الرئة، وفحص التصوير المقطعي المحوسب عالي الدقة للصدر عند التشخيص، حتى لو لم يكن لديهم أي أعراض تنفسية. ومن المهم أن نعرف أن كل مريض مصاب بالتصلب الجلدي لديه حالة فريدة ومختلفة عن غيره، وبالتالي يجب أن يحدَّد توقيت وتكرار فحص مرض الرئة الخلالي بحسب حالة كل مريض، وبناءً على سجله الطبي الخاص، وعوامل الخطر لديه. كما يوصي المريض بمناقشة جدول الفحوص الخاص به مع مقدم الرعاية لضمان حصوله على الرعاية والمراقبة المناسبة لحالته.

* ما التخصصات التي يتشكل منها فريق الرعاية الصحية المعني بتقديم الدعم لمرضى مرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجهازي؟

- أطباء أمراض المفاصل والروماتيزم هم عادة الأطباء الأساسيون الذين يقومون بتشخيص وعلاج التصلب الجهازي. واعتماداً على الأعراض المحددة للمرض بحسب حالة كل مريض، فإنهم يتعاونون مع اختصاصيين آخرين مثل أطباء أمراض الرئة، ويعملون معاً لتقديم رعاية ودعم شاملَين للمرضى، وأعلى مستوى من الرعاية والدعم لإدارة حالاتهم وتحسين جودة حياتهم.

العلاج والوقاية

هل هناك دواء شافٍ لمرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجهازي؟ يجيب د. حافظ بأنه حتى هذا اليوم، لا يوجد. لكن هناك العديد من خيارات العلاج المعتمدة المتاحة، التي قد تساعد على علاج المرض وتحسين النتائج للمرضى. هناك أدوية معتمدة مضادة للتليف يمكن أن تقلل من تدهور المرض وتخفف حدة تراجع وضعف وظائف الرئة. وأثبتت هذه الأدوية فعاليتها في إبطاء تقدم المرض في التجارب السريرية، وقد تمت الموافقة عليها الآن للاستخدام لدى المرضى الذين يعانون من مرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجهازي في عديد من البلدان، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.

ومن الضروري للمرضى الذين يعانون من مرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجهازي التعاون بشكل وثيق مع فريق الرعاية الصحية الخاص بهم لتحديد أفضل خطة علاج تناسب احتياجاتهم الفردية، كما أن المراقبة المنتظمة لوظيفة الرئة والأعراض مهمة للغاية أيضاً لضمان الكشف المبكر عن أي تغييرات في المرض واتخاذ الإجراءات والتدخلات الطبية المناسبة.

* كيف يمكن الوقاية من مرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجهازي؟

- لسوء الحظ، لا توجد حالياً طريقة معروفة لتفادي الإصابة بمرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجهازي. وباعتباره من أمراض المناعة الذاتية، فإن سبب المرض غير مفهوم تماماً، ولا توجد استراتيجيات مثبتة لمنع ظهوره.

مع ذلك، هناك خطوات يمكن للأفراد الذين لديهم مخاطر أعلى للإصابة بمرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجهازي اتخاذها للمساعدة في إدارة المخاطر، وتشمل تجنب التعرض للسموم البيئية، والامتناع عن التدخين، والحفاظ على نمط حياة صحي.

من المهم أيضاً أن يتحدث المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بالتصلب الجهازي مع الطبيب حول مخاطر الإصابة بمرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجهازي والخطوات التي يمكن للمريض اتخاذها للسيطرة على هذا الخطر.

من خلال العمل بشكل وثيق مع فريق الرعاية الصحية واتخاذ الخطوات اللازمة لإدارة الصحة، يمكن للمريض المساهمة في تحسين جودة حياته، وتقليل تأثير مرض الرئة الخلالي المتصل بالتصلب الجهازي على صحته.

* هل هناك تغييرات معينة في نمط الحياة يمكن للمريض القيام بها ليعيش حياة صحية؟

- الحفاظ على نمط حياة صحي أمر مهم وأساسي للسيطرة على أعراض التصلب الجهازي، بما في ذلك مرض الرئة الخلالي، وذلك يشمل اتباعه نظاماً غذائياً متوازناً ومغذياً، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والامتناع عن التدخين.

وأضاف أن من المهم أيضاً للأفراد المصابين بالتصلب الجهازي إعطاء الأولوية للرعاية الذاتية وإدارة منسوب التوتر. يمكن أن يؤدي التوتر إلى تفاقم أعراض المرض وحدوث نوبات، لذا فإن إيجاد طرق للتحكم في التوتر، مثل التأمل أو اليوغا، يمكن أن يكون مفيداً في هذه الحالة. وبالإضافة إلى التغييرات في نمط الحياة، يجب على الأفراد المصابين بالتصلب الجهازي العمل بشكل وثيق مع فريق الرعاية الصحية الخاص بهم للسيطرة على مرضهم. قد يشمل ذلك تناول الأدوية الموصوفة بدقة، وإجراء الفحوص الدورية، ومراقبة وظائف الرئة، والمشاركة في برامج إعادة تأهيل الرئتين.

رابط اليوم العالمي:

https://fesca-scleroderma.eu/news-events/events/world-scleroderma-day


مقالات ذات صلة

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

صحتك الاختراق يأتي وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان (رويترز)

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

أشاد الأطباء بنتائج التجارب «المذهلة» التي أظهرت أن تركيبة دوائية جديدة أوقفت تقدم سرطان الرئة لوقت أطول بـ40 في المائة من العلاج التقليدي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لا مانع من بعض العزلة للأطفال والحديث معهم عندما يكونون مستعدين لذلك (أرشيفية - وسائل إعلام أميركية)

طفلي لا يريد التحدث معي... ماذا أفعل؟

تنصح طبيبة نفسية بإعطاء الأطفال مساحتهم الخاصة عندما لا يريدون التحدث.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفريق أجرى جراحة كهربائية لعلاج انسداد القنوات الصفراوية بواسطة روبوتات مصغرة (المركز الألماني لأبحاث السرطان)

روبوتات بحجم المليمتر تنفذ عمليات جراحية دقيقة

حقّق باحثون في المركز الألماني لأبحاث السرطان إنجازاً جديداً في مجال الجراحة بالمنظار، حيث طوّروا روبوتات مصغرة بحجم المليمتر قادرة على تنفيذ جراحات دقيقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك إجراء بسيط ينقذ الأطفال الخدج من الشلل الدماغي

إجراء بسيط ينقذ الأطفال الخدج من الشلل الدماغي

تجدد النقاش الطبي في جامعة «بريستول» حول إمكانية حماية الأطفال الخدج (المبتسرين) من المضاعفات الخطيرة للولادة المبكرة، أهمها على الإطلاق الشلل الدماغي (CP)

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 6 معلومات عن كيفية التعامل مع «ثبات منحنى» فقدان الوزن

6 معلومات عن كيفية التعامل مع «ثبات منحنى» فقدان الوزن

ها قد بذلتَ جهداً جادّاً وكبيراً في بدء ممارسة الرياضة بصورة يومية، ووضعتَ برنامجاً صارماً لكمية طعامك اليومي ومحتواه بصورة منخفضة جداً في السعرات الحرارية

د. عبير مبارك (الرياض)

6 معلومات عن كيفية التعامل مع «ثبات منحنى» فقدان الوزن

6 معلومات عن كيفية التعامل مع «ثبات منحنى» فقدان الوزن
TT

6 معلومات عن كيفية التعامل مع «ثبات منحنى» فقدان الوزن

6 معلومات عن كيفية التعامل مع «ثبات منحنى» فقدان الوزن

ها قد بذلتَ جهداً جادّاً وكبيراً في بدء ممارسة الرياضة بصورة يومية، ووضعتَ برنامجاً صارماً لكمية طعامك اليومي ومحتواه بصورة منخفضة جداً في السعرات الحرارية، وتوقفتَ عن تناول قطع الشوكولاته والمقرمشات ومعجنات الحلويات في أمسياتك في أثناء مشاهدة أفلامك المفضلة، وعانيتَ من نوبات الجوع والحرمان من تناول الأطعمة التي تعوّدت التلذّذ بها سابقاً.

مكافأة منقوصة

وجاءت المكافأة مشجعة؛ إذ شهدت انخفاض وزنك على الميزان، وبدأت تشعر بالتحسّن النفسي بملاحظة أن ملابسك أصبحت واسعة عليك.

ولكنك الآن تلحظ شيئاً جديداً ومزعجاً، وذلك دون سبب واضح لك. إذ لم تعد ترى ذلك التناقص في مقدار وزنك عندما تقف على الميزان. وخلال بضعة أيام تالية، توقف بالفعل هبوط وزنك.

قد يكون الأمر محبطاً للغاية. وحينها قد تسأل نفسك: هل عليّ أن أكون أكثر صرامة في تناول الطعام وزيادة ممارسة النشاط البدني؟ أو أن جسمي بالأصل غير قابل لخفض الوزن؟ وغيرها من الأسئلة.

أولاً، ما يجري يجب ألا يثبط عزيمتك في الاستمرار بما أفادك في إنقاص بضعة كيلوغرامات حتى الآن. وثانياً، لا تعد مرة أخرى إلى العادات والسلوكيات غير الصحية في الكسل عن ممارسة الرياضة وضبط تناول الطعام.

ثبات الوزن أثناء إجراءات خفضه

وتذكّر أنه أمر طبيعي، ويحدث لكثير من الناس، وأن من «الطبيعي» أن يتباطأ معدل فقدان الوزن، بل يثبت كذلك. ويمكن بفهمك للأسباب التي تؤدي إلى ثبات الوزن في أثناء محاولة إنقاصه، أن تحدد طبيعة استجابتك وتتجنّب التراجع عن العادات الصحية الجديدة التي اتبعتها.

إن ما يجري لك يُوصف طبياً بحالة «ثبات الوزن في أثناء محاولة إنقاصه» Weight Loss Plateau. ومن المحتمل أنك تمر بهذه المرحلة المزعجة؛ إذ يتوقف فجأة فقدان الوزن، ولا يبدو لك أن هناك أي سبب منطقي لحدوث ذلك.

ويقول أطباء «مايو كلينك»: «مرحلة ثبات الوزن هي مرحلة توقف الوزن عن التغير. ويحدث ثبات الوزن في نهاية المطاف لكل من يحاول إنقاص وزنه. ومع ذلك، تصيب الدهشة والاستغراب معظم الأشخاص عندما يصلون إلى هذه المرحلة، لأنهم لا يزالون يتناولون الطعام بحرص ويمارسون الرياضة بانتظام. الحقيقة المحبطة هي أن جهود إنقاص الوزن حتى تلك جيدة التخطيط منها، قد تتعثر».

نقص الماء وكتلة العضلات

إذا كنت في خضم مرحلة ثبات الوزن، أو مررت بها في الماضي، وترغب في الحصول على معلومات حول كيفية التغلب على مرحلة الثبات إذا حدث ذلك مرة أخرى، إليك ما تحتاج إلى معرفته من خلال النقاط الـ6 المتسلسلة التالية:

1- دور استهلاك «الغليكوجين». عند زيادة التمارين وتقليل عدد السعرات الحرارية التي تستهلكها، تحدث مرحلة «نقص الوزن». لأنك تحرق باستمرار سعرات حرارية أكثر مما تستهلك، ما يؤدي إلى حصول «عجز في السعرات الحرارية» Caloric Deficit. وحالة «العجز» هذه تدفع الجسم نحو «الغليكوجين».

وتوضح المصادر الطبية أن انخفاض الوزن بصورة متسارعة خلال الأسابيع القليلة الأولى من اتباع نظام غذائي صحي لخفض الوزن هو أمر طبيعي، وأن «الماء» عنصر حاسم فيه. وتشرح تلك المصادر أن ذلك يرجع، بصورة جزئية، إلى أنك عندما تقلّل من تناول السعرات الحرارية في البداية، سيضطر الجسم أولاً إلى أن يحصل على الطاقة التي يحتاج إليها من خلال تحرير واستهلاك مخزون «الغليكوجين» به. وهو نوع من الكربوهيدرات الموجودة في العضلات والكبد. والماء من المكونات الرئيسية في «الغليكوجين».

ولذا عندما يُحرق «الغليكوجين» للحصول على الطاقة، فإن الجسم يطلق الماء. فينتج عن ذلك فقدان الوزن الأولي، الذي يكون أغلبه من الماء.

2- نقص كتلة العضلات. لكن هذا التأثير مؤقت. وكلما استمررت في نقص وزنك، ستفقد بعضاً من كتلة العضلات، إلى جانب فقدك جزءاً من كتلة الدهون. ومعلوم أن العضلات هي «مكان الموقد» الذي يعمل بالأساس على إبقاء معدل حرق السعرات الحرارية (عمليات الأيض Metabolism) مرتفعاً. ولذا، عندما تفقد الوزن وجزءاً من كتلة العضلات، ينخفض معدل الأيض، مسبباً حرق سعرات حرارية أقل مما كنت تحرقه سابقاً.

وسيتسبّب بطء معدل نشاط عمليات الأيض في إبطاء عملية إنقاص الوزن، حتى وإن كنت تتناول سعرات حرارية بالكمية ذاتها التي ساعدتك قبل ذلك على فقدان الوزن. أي ومع استمرارك في الحمية الصارمة نفسها التي كنت تتبعها. ولذا سوف تصل إلى مرحلة «ثبات الوزن» عندما يكون معدل السعرات الحرارية التي تحرقها مكافئاً لمعدل السعرات الحرارية التي تتناولها.

مرحلة «ثبات الوزن»

3- مدة مرحلة ثبات الوزن. إن سألت ما مدة ثبات الوزن؟ فالإجابة: عادة ما يتضمّن «ثبات الوزن» استقرار وزنك لمدة ما بين ثلاثة وأربعة أسابيع على الأقل. وفي بعض الحالات، قد تشهد استعادة بسيطة للوزن، وإذا حدث هذا فلا بأس بذلك. وتذكر أن رحلة إنقاص الوزن لن تكون عملية مباشرة أبداً، ومن الأفضل أن تتعامل مع الأمر يوماً بعد يوم.

وفي حال استخدام النهج نفسه الذي طبقته في بداية الحمية، فقد تتمكّن من فقدان شيء ضئيل من وزنك وببطء، ولكن لن يساعدك هذا على فقدان مزيد من الوزن سريعاً كما لاحظته قبل بلوغ مرحلة «ثبات الوزن». وحينئذ يمكن أن تكون مرحلة «ثبات الوزن» محبطة بشكل لا يُصدق عندما تستمر في تناول نظام غذائي متوازن وتحريك جسمك، ولكن يبدو أن تغيير الوزن أصبح مستحيلاً تقريباً بعد كل عملك الشاق.

4- أسباب لثبات الوزن. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: ما الذي يسبب ثبات الوزن؟ والإجابة تحتاج إلى تفصيل؛ لأن ثمة عدة أسباب لذلك. ولعل أهمها العودة إلى العادات القديمة، إذ وبعد أسابيع من اتباع نظام غذائي مقيد بالسعرات الحرارية، قد يكون من السهل أن تتسلل العادات القديمة.

يمكن أن يتجلّى هذا في تناول وجبة خفيفة في أثناء طهي العشاء، أو البدء في العودة لتناول وجبة ثانية بعد الوجبة أو تضمين وجبة خفيفة صغيرة بعد الظهر أو بعد العشاء. وعلى الرغم من أن هذه التغييرات صغيرة، فإنها يمكن أن يكون لها تأثير أكبر في إجمالي استهلاكك للطاقة بمرور الوقت. ولذا إذا وجدت نفسك تنزلق إلى عادات قديمة مثل هذه، فقد يكون من المفيد تتبع كمية تناولك للطعام مرة أخرى، ولا تفترض أنك على صواب في ضبطك لحميتك الغذائية.

آلية البقاء

5- نمو كتلة العضلات. هناك سبب «إيجابي» وغير مقلق آخر. وهو أن من المحتمل أن ارتفاع مستوى تمارينك البدنية منذ أن بدأت رحلة إنقاص الوزن، خصوصاً تمارين تقوية العضلات، سبب زيادة كتلتك العضلية. أي إن هذا لا يعني أنك لم تعد تحرز تقدماً في خفض الوزن، بل تحوّل تقدمك الصحي إلى زيادة كتلة العضلات، وهو أمر مفيد جداً لك من جوانب عدة. وثمة أجهزة تعطيك قياس كميات مكونات جسمك من دهون وبروتينات وماء.

ولكن في المقابل، عند وجود نقص في كتلة العضلات، الذي غالباً ما يرافق انخفاض الوزن الأولي، فإن ذلك يجعلك تحرق كميات أقل من السعرات الحرارية. وإذا لم تعمل على خفض مزيد من كمية السعرات الحرارية في طعامك وزيادة مستوى نشاطك خلال اليوم، فسيصعب خفض مزيد من الوزن.

6- آلية البقاء. وهذا السبب مهم، وهو لجوء الجسم نحو «آلية البقاء» Survival mechanism. وللتوضيح، فإن هناك آلاف العمليات التي تحدث في جسمك كل يوم. وتتضمن إحدى هذه العمليات رسائل كيميائية تعطي تعليمات إلى الجسم حول ما يجب فعله في جوانب شتى. وتشارك هذه الرسائل في ضبط عملية الأكل والشرب؛ إذ تنظّم هرمونات «الغريلين» Ghrelin إشارات الجوع وهرمونات «اللبتين» Leptin إشارات الشبع. ومع اتباع نظام غذائي صارم لمدة طويلة من الوقت، يمكن أن يؤثر ذلك في جسمك، ويؤدي إلى خفض هرمونات الشبع لديك من أجل جعلك تشعر بالجوع أكثر في كثير من الأحيان، كي تدفعك نحو تناول الطعام. كما يمكن لهرمونات أخرى إعطاء تعليمات للجسم كي يُبطئ عملية التمثيل الغذائي في أثناء فقدان الوزن.

من الطبيعي أن يتباطأ معدل فقدان الوزن بل أن يثبت مقداره

كيف يمكنك التغلب على مرحلة استقرار الوزن؟

لا تدع مرحلة ثبات الوزن تقودك إلى انتكاسة. وفي حال لم تنجح جهودك لتجاوز مرحلة ثبات الوزن في أثناء محاولة إنقاصه، فتحدث مع طبيبك أو اختصاصي التغذية بشأن الطرق الأخرى التي يمكنك تجربتها.

وقد يكون عليك إعادة النظر في أهدافك لإنقاص الوزن. احتفل بما أنقصته من وزن. وربما يكون الرقم الذي تسعى إلى الوصول إليه غير واقعي بالنسبة إليك.

إن إنقاص الوزن الطفيف يحسّن أيضاً حالة الأمراض المزمنة المرتبطة بالوزن الزائد. وأياً كان ما حققته، فلا تستسلم وتعُد إلى عادات الأكل والتمارين الرياضية القديمة، فقد يسبّب ذلك اكتسابك الوزن الذي فقدته مرة أخرى. احتفِ بنجاحك وواصل الجهود للحفاظ على الوزن الجديد.

ويقول المتخصصون في «مايو كلينك»: «عندما تبلغ مرحلة ثبات الوزن، ربما تكون قد فقدت كل الوزن الذي سوف تفقده باتباع النظام الغذائي وخطة التمارين الرياضية الحالية. اسأل نفسك إذا كنت راضياً عن وزنك الحالي أو إذا كنت ترغب في فقدان مزيد من الوزن. فإذا أردت فقدان المزيد، فسوف تحتاج إلى تعديل برنامج إنقاص الوزن».

ويلخصون عناصر تلك التعديلات في برنامجك لإنقاص الوزن ضمن الآتي:

- أعد تقييم عاداتك. راجع سجلات الأطعمة والأنشطة. وتأكد من أنك لم تخفّف من القواعد التي ينبغي لك الالتزام بها. كأن تسمح لنفسك بتناول كميات أكبر من الطعام أو تناول كميات أكبر من الأطعمة المعالَجة أو ممارسة تمارين رياضية أقل؛ إذ أشارت إحدى الدراسات إلى أن التذبذب في اتباع القواعد المحددة في أحد هذين الأمرين يُسهم في ثبات الوزن.

- قلّل من السعرات الحرارية بمعدل أكبر. أي خفّض من السعرات الحرارية اليومية بشرط ألا تقل عن 1200 كالورى سعر حراري. ذلك لأن انخفاض السعرات الحرارية عن 1200 في اليوم قد لا يكون كافياً لمنعك من الإحساس بالجوع المستمر، وهذا يزيد من خطر الإفراط في الأكل، ويؤدي ذلك إلى إدخال جسمك في وضع المجاعة، مما قد يزيد من إشارات الجوع والشغف ويجعلك تشعر بالخمول ويُسهم بشكل أكبر في ثبات وزنك.

- ارفع مستوى التمارين الرياضية التي تمارسها. خصّص نحو 150 دقيقة على الأقل لممارسة التمارين الهوائية المعتدلة، أو 75 دقيقة لممارسة التمارين الهوائية القوية أسبوعياً، أو مزيجاً من التمارين المعتدلة والقوية. وتقترح الإرشادات الطبية توزيع هذه التمارين على مدار الأسبوع كله.

ويُوصى بممارسة الرياضة لمدة 300 دقيقة على الأقل أسبوعياً لتحقيق فائدة صحية أكبر، ولمساعدتك على إنقاص الوزن أو تثبيته بعد فقدانه. أضف بعض التمارين، مثل رفع الأثقال لزيادة الكتلة العضلية لتساعدك في حرق مزيد من السعرات الحرارية.

- ابذل مزيداً من النشاط البدني في يومك. فكّر في أنشطة أخرى إلى جانب ما تمارسه في صالة الألعاب الرياضية. وزِد من نشاطك البدني في أثناء اليوم. على سبيل المثال، امشِ لمسافات أطول وقلّل من قيادة السيارة، ومارس أعمال البستنة بشكل أكبر، أو جرّب تنظيف المنزل بكل نشاط. فأي نشاط بدني تمارسه من شأنه مساعدتك في حرق سعرات حرارية أكثر.

* استشارية في الباطنية