سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT
20

خط أبيض ومباشر

استمع إلى المقالة

في ذروة الحرب الباردة، اتفق البيت الأبيض والكرملين على إقامة «الخط الأحمر» بينهما درءاً لخطر نووي غير متوقع. كان ذلك أهم حدث بين القطبين منذ الحرب الثانية. أي أن يُعطى الزعيمان فرصة 5 دقائق لحماية هذا الكون من الانفجار الأخير.

كم تغيّر العالم إذاً ونحن نرى الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين يتحدثان مباشرة طوال ساعتين، في شؤون هذا العالم الواقف منذ مدة على الحافة النووية؟

فلنعد بضعة أسابيع إلى الوراء: بوتين ووزير خارجيته الدائم سيرغي لافروف لم يترددا لحظة في التهديد باستخدام السلاح النووي. كان ذلك أيام الرئيس الأميركي السابق جو بايدن والنزاع على أوكرانيا. والآن صورة مذهلة للعالم نفسه: الزعيمان على الخط المباشر، وفريقهما في الرياض، يبحثان عن إنهاء أكثر الحروب دموية في أوروبا منذ عام 1945.

حدث هذا التغيير الهائل في صراع الدفتين والعالم لا يصدق: المتحاربان التاريخيان شريكان في البحث عن سلام عاجل، وفوقهما تنتشر مظلة الرياض، الباحثة عن حلول عاجلة وعادلة لعالم محتدم بلا هدوء.

بحثت الأمم عن طرق كثيرة للخروج من أزماتها: منها «الحياد الإيجابي»، أو «عدم الانحياز». ولم تؤدِّ أي من هذه الطرق إلى حلول دائمة، بسبب غياب «الحكم» الحقيقي ووزنه السياسي لدى الفريقين. هكذا برز الدور السعودي، مركز نقل تلقائي يلجأ إليه الفريقان معاً. وأمام هذا المشهد بدت الدولة متفاجئة لدرجة أنها اتهمت ترمب بـ«العمالة» لروسيا. وإلا كيف يمكن للرياض أن تغير في مراكز القوى، وتصبح المرجعية المتفق عليها في نزاعات عالمية أو إقليمية على السواء.

الاتفاق بين البيت الأبيض والكرملين على الاحتكام إلى رؤية الرياض في أخطر القضايا الملحة أمامهما اليوم، منطلق لمتغيرات جوهرية كثيرة. للمرة الأولى تفتي دار الإسلام في سلام الآخرين ونزاعاتهم. ويُعطى لها هذا الحق بالإجماع. وهذه مجرد بداية مهمة في طريق شائك.