مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT
20

عبير الكتب: الصويان واستنطاق الصحراء

استمع إلى المقالة

الدكتور سعد الصويان هو أهم باحث عربي تناول هوية الجزيرة العربية، أو للدقة قلب وشمال الجزيرة العربية، أنثروبولوجياً، وأنفق سنوات عمره المديد في هذا الميدان، منذ كان طالباً في جامعة بيركلي الأميركية حتى عودته لبلاده وجامعة الملك سعود في منتصف الثمانينات الميلادية.

تميز الرجل بالمزج بين الثقافة الشعبية والمرويات التقليدية التي استقاها من محيطه بمدينة عنيزة في القصيم بنجد، وكان جده راوية للقصص والقصايد المحلية، كما اتصاله بالمناهج الغربية الحديثة في قراءة التراث الشعبي، وزاد على ذلك بعمله الميداني العظيم في تسجيل مرويات محلية مطلع الثمانينات مع رواة من البادية وغيرهم.

يكفي أن نعلم على سبيل المثال أن الدكتور الصويان أشرف، مع مركز الملك فيصل للدراسات، شخصياً على فهرسة التسجيلات وفق منهج وفهرسة معينين قبل إدراجها في قواعد المعلومات، وتبنى المركز خطوةً جديدةً للاستفادة من هذه الثروة التوثيقية، وهي تفريغها نصياً وحرفياً، وأنجز تفريغ نحو 100 ساعة تقريباً جاءت في نحو 2000 صفحة. وهذا جزء فقط من مكتبة الدكتور سعد الصوتية الخاصة.

استفاد الصويان من هذه المادة في بعض أعماله، أبرزها كتابه «أيام العرب الأواخر»، وهذا كتاب نحت له الدكتور طريقة كتابة عربية جديدة للحفاظ على نقاء اللهجة كما رويت له.

أهم أو من أهم كتبه - في نظري- هو كتابه «الصحراء العربية: ثقافتها وشعرها عبر العصور، قراءه أنثروبولوجية».

قدم الدكتور سعد في هذا الكتاب نظريةً شبه شاملة في تفسير الصحراء العربية، ويقصد بها صحاري نجد وشمالها وشرقها، تفسيرها بأداة علم الأنثروبولوجيا، مستثمراً ثروته الغنية من المأثورات والمرويات الشعبية.

لعل من أهم أفكار الكتاب، والنص الصوياني بشكل عام، هو تبيان «التكامل» بين البداوة والحضارة، البدوي والحضري، رغم فصول التهاجي والصدام بينهما أحياناً.

يقول سعد: «فالبدو، في النموذج الخلدوني، هم أهل الوبر، أي بيوت الشعر المتنقلة، والحضر هم أهل المدر، أي بيوت الطين الثابتة، أما في النموذج المحلي فإن رمز البداوة ومصدر عزة البدوي هو الإبل، بما تمثله من حركية وتنقل واستقلال عن سلطة أي حاكم أو دولة، أما رمز الحضارة الزراعية ومصدر عزة الحضري فهو النخلة، بما تمثله من استقرار وثبات ورسوخ واستمرارية في العطاء».

ركز سعد الصويان كثيراً على فكرة الثنائيات الرمزية هذه في أعماله، البحر والبر، النخلة والزيتونة، الجمل والسفينة، الجزيرة والواحة، لكن يهمنا هنا ثنائية: النخلة والجمل، أو الغرس والذود، والذود تسمية لجملة من الإبل، يقول سعد: «هذان الرمزان المحليان، الذود والغرس، يختزلان الفروق بين البداوة والحضارة في النموذج المحلي ويحصرانها في التخصص الإنتاجي الذي يتمثل إما برعي الإبل أو غرس النخيل».

وعليه فهي علاقة ترابط وتخادم، هنا - كما يقول سعد - يتحول الفرق بين البداوة والحضارة إلى مجرد اختلاف في وسائل الإنتاج وإلى شكل من أشكال التخصص وتوزيع العمل، فهناك أعمال تتطلب الاستقرار وهناك أعمال تتطلب الترحال.

أعمال سعد الصويان، خصوصاً كتاب «الصحراء العربية» هذا، جدير بتدريسه ونشره واستعادته كل حين.