محمود المشهداني
رئيس مجلس النواب العراقي
TT
20

ما بعد الطائفية الجديدة في العراق

استمع إلى المقالة

الطائفية هي انتصار الأعمى لفئة على حساب غيرها، سواء كانت متوافقة أو مخالفة، وهو انتصار لا يراه إلا من يشاركه الأهواء والمصالح نفسها، إذ يجد فيه راحة وطمأنينة.

مثل دول عديدة، عانى العراق من الطائفية التي بدأت بتنظيرات تروج لتفضيل فئة معينة على غيرها، وأسفرت عن شبه حرب طائفية، اعتبرها البعض «حرباً أهلية»، وحصدت الجميع في عراق لم يعتد أهله حتى النبز بالألقاب الطائفية وجعلها مقدمة على الدين والأرض والمال.

حدث ما حدث وكان ما كان، وأوصل القتل والخطف والإقصاء البعض، غافلاً أو قاصداً، إلى الدعوة لتقسيم البلاد، بحجة صنع جبل من نار بين طائفة وطائفة، وقومية وقومية، ودين ودين. فشل كل ذلك أيما فشل، ووئدت الفتنة التي أسميها دائماً بـ«المنتنة».

لقد مضت الطائفية التي عانيناها لسنوات، كما مضى الإرهاب وسيمضي الفساد، لكن ما تبقى من تلك الآثار بدأ يظهر مجدداً في أحاديث الإعلام التقليدي، ويُروج له عبر الذباب الإلكتروني في مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوى نقض مظلومية قديمة بظلم جديد، أو مظلومية جديدة بظلم تاريخي، وينعق خلف ذلك من ينعق قائلاً إن الطائفة توازي الأرض والقومية والتاريخ.

تزايدت خطورة التحريض إلى حد التماهي مع مشاريع قديمة تدعو لتقسيم البلاد، وبات البعض يسعى إلى تحقيق ما كان قد حلم به الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، عندما دعا قبل عقد من الزمن إلى تقسيم العراق، بتشكيل فيدراليات تهدد إحداها الآخر.

وفي هذه الأجواء، يتحرك سياسيون ورجال أعمال وأشباه شيوخ قبائل ودعاة إسقاط النظام السياسي، وأصحاب مشاريع لضرب الأساس الدستوري للعملية السياسية القائمة، لأن كلمة الطائفية عندهم هي العليا، والعراق إذا ما نجحوا سيتحدر إلى الهاوية.

لذا، وفي الطريق إلى انتخابات نهاية عام 2025، نجد في هذا المشروع تصعيداً خطيراً بينما يعصف التغيير بالمنطقة التي نعيش فيها وتحدق بها الفوضى، وأقل ما نحتاجه اليوم بعد سنوات من العمل على تثبيت الاستقرار هو طائفية جديدة.

وعلى الفعاليات السياسية، والمؤسسات التي تشكل أركان النظام في العراق من برلمان وحكومة وقضاء، أن تدير أزمة الطائفيين الجدد بتجفيف منابع خطابهم وأصل مشروعهم، إذ لا خيار سوى إسكات هذه الأصوات.

في اجتهادنا السياسي، نرى أن تجريم «الطائفية الجديدة»، كما أسميها، يتم بقوانين وتشريعات ورقابة لا تسلب حرية التعبير، بجملة خطوات نلخصها فيما يلي:

أولاً: إصدار قانون «تجريم الطائفية» تتولى تنفيذه رئاسة الوزراء بعد إقراره برلمانياً، مع رقابة قضائية.

ثانياً: الطلب رسمياً من مواقع التواصل الاجتماعي إغلاق وحجب وإزالة الصفحات والمنشورات والفيديوهات والتسجيلات التي تدعو للطائفية، كما فعلت دول كثيرة في طلبها من إدارات هذه المواقع باستخدام الحق السيادي لمواجهة الكوارث والمخاطر.

ثالثاً: العمل مع المراجع الدينية لكل الطوائف على تقديم رأيها الشرعي في حرمة الطائفية وتحريم الحض عليها.

رابعاً: أن يعمل قادة الأحزاب ورؤساء الكتل البرلمانية على توعية جمهورهم بأن التحريض الطائفي لا يندرج ضمن الحقوق الديمقراطية والحريات، بل إنه محرقة قد تندلع بشرارة عن عمد أو دون ذلك.

خامساً: المضي في إزالة الظلم عن أبناء أي طائفة في العراق، بفعل خلل سابق أو بسبب تأثيرات الإرهاب والفساد، لتكريس مبدأ أن الطائفة لا تحمي أحداً كما يضمنه القانون وتحميه الدولة.

سادساً: الدعوة إلى إطلاق حملة وطنية يشارك فيها جميع العراقيين تحت وسم #الطائفية_دعوها_فإنها_منتنة، على أن تتولى الحكومة صناعة برامج الحملة.

هذه خطوات بسيطة ندعو لها ويمكن تطويرها بمساهمة الجميع، على أمل أن تحمي العراقيين من مخاطر الفتن والتفرقة، وتكريس مبدأ أن العراق طائفة لجميع الطوائف، كما كان منذ بداية التاريخ.

«رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ».