يعود تاريخ الأطماع الصهيونية في الثروة والمياه اللبنانية إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل، أي منذ تأسيس حاييم وايزمان للحركة الصهيونية حتى الآن. ففي عام 1919 أرسل وايزمان رسالة وقَّعها باسم الحركة الصهيونية إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج في مؤتمر السلام الذي عُقد في فرساي، بباريس، تبيَّن فيها حدود إسرائيل وحاجتها الملحَّة إلى المياه من أجل ري الأراضي الزراعية وإقامة مشاريع كهربائية وصناعية وتأمين مياه الشفة لليهود الوافدين من مختلف أنحاء العالم إلى أرض الميعاد فلسطين.
إن رسالة وايزمان هي أكبر وأوضح دليل على أطماع الصهيونية في السيطرة على نهر الليطاني؛ حيث تابع رسالته أن الحياة الاقتصادية ومستقبل إسرائيل الاقتصادي كله يعتمد على موارد مياهها التي تستمدها للري من منحدرات جبل الشيخ (جبل حرمون) ومنابع نهر الأردن ونهر الليطاني. ومن الضروري أن يضم حدّ فلسطين الشمالي وادي الليطاني إلى مساحة 25 ميلاً فوق المنحنى ومنحدرات جبل حرمون الجنوبية لضمان السيطرة على منابع نهر الأردن، وإتاحة إعادة تحريج المنطقة.
ومن أجل تحقيق هدف الصهيونية الثاني في السيطرة على مياه الليطاني واليرموك والأردن أرسل رسالة أخرى إلى وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور عام 1920، جاء في قسم منها أن الليطاني هو المصدر الذي يمكن أن يؤمّن المياه لري الجليل الأعلى، فإن حرمان فلسطين من مياه هذه الأنهار الثلاثة، لن يكون لها أي استقلال اقتصادي.
في عام 1955 – 1956، قدّم رئيس مصلحة الليطاني سابقاً المهندس إبراهيم عبد العال مشروعاً شرح فيه المطامع الإسرائيلية بمياه الليطاني الذي هو أطول أنهار لبنان وأكبرها وأهمها استراتيجياً حتى اعتبرته لجنة «كلاب» الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة «مفتاح مستقبل لبنان» الذي ينبع من غرب بعلبك في سهل البقاع ويصب في البحر المتوسط شمال مدينة صور. سُمّي «مشروع الليطاني» وطرح من خلاله اقتراحات وتوصيات عدة وبيّن أهمية إقامة هذا المشروع ودراسة التكلفة والبعد الزراعي والاقتصادي له. فأسرعت إسرائيل إلى الضغط على البنك الدولي لمنعه من إقراض الحكومة اللبنانية التي ينقصها التمويل لتنفيذ مشروع الليطاني، كما قامت الجرارات الإسرائيلية بأعمال حفر قرب نهر الحاصباني.
كما أنه في عام 1982، اجتاحت إسرائيل لبنان وعلّلت ذلك بأن إسرائيل لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى مياه الليطاني تذهب هدراً. ونتيجة لذلك وضعت إسرائيل يدها على أكثر من 30 كيلومتراً من مسار نهر الليطاني، كما تمركّزت آلياتها بالقرب من نبع الوزاني إلى فلسطين المحتلة.
وفي عام 1983، أبلغ المراقبون في قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان الأمين العام للأمم المتحدة عن بدء تحويل مياه الليطاني إلى فلسطين المحتلة، كما وضعت إسرائيل بعد ذلك مضخّات كبيرة للمياه بين بلدتي بلاط ودير ميماس القريبتين من نهر الليطاني.
إن احتلال الأراضي العربية بعد حرب النكسة عام 1967 سهّـل لإسرائيل سبل الاستيلاء على مصادر مياه جديدة. لذلك عندما نعلم أن 67 في المائة تقريباً التي تستهلكها إسرائيل تأتي من خارج حدودها لعام 1948، نُدرك ونفهم أن أهم الأسباب التي تحفّز وتشجع إسرائيل على التلكؤ ورفضها من الانسحاب من الأماكن والاحتفاظ بما احتلته من أراضٍ في الضفة الغربية، ومرتفعات الجولان وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا وغيرها... وذلك للإشراف الدائم على مصادر المياه المجاورة، سواء أكانت أنهاراً أم ينابيع أم آباراً جوفية. كما أن أهم وظائف مستوطنات الشمال هو الحفاظ بسفوح جبل الشيخ (جبل حرمون) وثرواته المائية المتنوعة.
يُسمى الجبل «جبل الشيخ» نظراً لقممه العالية المكسوة بالثلج الأبيض الذي يشبه العمامة البيضاء وتغطية الثلوج معظم أيام السنة ما يُجعله مركزاً جذاباً لمجيء هواة التزلج. وتبلغ أعلى قممه 2814 متراً وتُشرف على لبنان وسوريا وفلسطين والأردن ما يجعله مركزاً استراتيجياً واقتصادياً من الناحية السياحية فهو مركز اقتصادي ويشكّل جبل الشيخ أحد أكبر الموارد الجغرافية في المنطقة. ويُعدّ المنبع الرئيسي لنهر الأردن والعديد من المجاري المائية في المنطقة. وقد عبّرت إسرائيل عن أطماعها في السيطرة على جبل الشيخ في الرسالة التي أرسلت إلى مؤتمر فرساي عام 1919 التي جاء فيها أنه «أبو المياه الحقيقي لفلسطين». فجبل الشيخ يقع بين لبنان وسوريا وهو بذلك يشكّل القسم الأكبر والأهم من سلسلة لبنان الشرقية.
الأطماع الإسرائيلية في جنوب لبنان واضحة جداً، فهي تماطل وتتلكأ في الخروج من جنوب لبنان، لذا فإن الحجج الواهية التي تتذرّع بها ما هي إلا أوهام كي تبقى أكبر قدر ممكن في الجنوب لربّما استطاعت أن تقضم متراً من هنا أو كيلومتراً من هناك، في وقت تزعم فيه إسرائيل أنه لا أطماع لها في لبنان إلا بما يقتصر على أمن إسرائيل.
* باحثة لبنانية