انطباعاتنا عن الشعوب قد يجانبها الصواب لأنها تستند إلى تجربة فردية أو الصورة النمطية السائدة. ولذلك حاول الباحث جون غراهام وضع دراسات علمية ليفهم كيف تتفاوض الناس عند الاختلافات. فالأميركيون يركزون على النتائج والسرعة، أما اليابانيون فيعطون أهمية كبيرة لبناء العلاقات والثقة. في حين يميل البرازيليون نحو العفوية وكثرة التواصل الودي.
أمّا الروس وبعض الثقافات الأخرى فيميلون نحو استخدام «التهديد الضمني أو التلميح بالقوة» بوصفه جزءاً من استراتيجيات التفاوض ولا يبوحون بمعلومات مهمة في البدايات. في المقابل، تفضل الثقافات الغربية نهجاً عقلانياً واستناداً إلى البيانات. ما يجمع الأوروبيين التركيز على التفاصيل والالتزام بالإجراءات. ولم تخرج بريطانيا من عنق زجاجة اتحادهم إلا بعد مفاوضات عسيرة قادها الفرنسيون الذين يشبهونهم بالتفاصيل ويختلفون عنهم في النهج التفاوضي.
وقد ترددت هواتف «نوكيا» (الفنلندية) في فتح أجهزتها للمطورين، الأمر الذي أدى إلى فقدان ريادتها، بينما أحدثت «أبل» (الأميركية) نقلة نوعية بفتح متجرها للمبدعين، مما حوّل الهواتف الذكية إلى أسواق متنقلة ورواقاً للمعاملات الحكومية! قد لا يهم الأميركيين الإجراءات ما دامت تأخذهم الأفكار نحو النتائج المرجوة. وهو ما لا نراه حرفياً لدى أبناء عمومتهم، الإنجليز.
فقد سمعت بريطانياً يقول: «نحن نمضي وقتاً طويلاً قبل اتخاذ القرار... وإذا لم نفعل نشكك بأننا قد بذلنا ما بوسعنا. بعكس الحال لدى الأميركيين الذين نعتبرهم متسرعين في قراراتهم» (انتهى كلامه). تلك القناعة أظهرتها دراسة غراهام.
حينما أدخل إلى اجتماع يتصدره إنجليزي أتوقع بدايات جميلة لتلطيف الأجواء حينما يفاجئني أحياناً كثيرة الأميركي بالدخول المفاجئ في صلب الموضوع والتحرك بمنهجية جادة. ينافسهم بذلك الألمان، بحسب دراسات «هال».
أمّا الصينيون فيركزون على بناء الثقة والاحترام قبل الدخول في التفاصيل العملية. ويولون اهتماماً ملحوظاً للتواصل غير اللفظي كالإيماءات والتلميحات.
ومن النقاط الجوهرية التي توصل لها الباحث غراهام، أن الغربيين يميلون نحو التركيز على المصالح Interests في حين أن الثقافات الأخرى تركز على المواقف Positions والقيم الاجتماعية، وربما هذا ما أضاع علينا فرصاً كثيرة.
عند سؤال مديرين عرب عن سمات المفاوض الناجح، تصدرها ما يلي: الثقة بالنفس، والقدرة على الإقناع، والإنصات، والمقدرة على قيادة أعضاء الفريق، فضلاً عن بُعد النظر وعدم الاستعجال، واستيعاب الرأي المعارض، وذلك وفق دراسة نشرت في المجلة العربية للعلوم الإدارية.
في عالم يزداد تداخلاً، أصبح فهم الفروق الثقافية في التفاوض ضرورة لا غنى عنها لفهم كيف يفكر الطرف الآخر. هكذا يمكن أن نكسب جولات عديدة!