طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

يحيى الفخراني عاشق «الملك لير»

استمع إلى المقالة

فجأة امتلأت «السوشيال ميديا» بكلمات تتجاوز حدود النصيحة للفنان الكبير يحيى الفخراني موجهة تحذيرات تصادر على اختياراته، وكأنه صار فاقداً الأهلية الفنية.

البعض ذهب إلى ما هو أبعد مطالباً الفنان الكبير بالاعتزال، يريدون الحجر على فنان لا يزال متمتعاً بقدراته الفنية والوجدانية، وله بصماته الواضحة في الدراما، على مدى تجاوز نصف قرن، لم يخبُ فيها أبداً الوهج. الغريب أن بعض من يعملون في المهنة، كرروا نفس الرأي، وكأن الفرصة قد جاءت لهم لتصفية حسابات قديمة، ممثل لا يعمل يعتقد أنه الأولى من الآخرين بالدور، ولهذا يسارع بالهجوم على الفخراني. هناك من يتحدث أيضاً عن ترشيد المال العام، خاصة وأن المسرحية يقدمها أعرق المسارح المصرية التابعة للدولة (القومي)، لو قارنت الأجر الذي يحصل عليه الفخراني بأجره في القطاع الخاص، لاكتشفت أنه لا يحصل من الدولة على أكثر من 10 في المائة، من أجره الحقيقي في السوق. مسرحية ويليام شكسبير «الملك لير» كتبها مطلع القرن السابع عشر، ولا تزال برغم اختلاف الثقافات، قادرة على اختراق حاجز الزمن، فهي ترانا في كل زمان ومكان، لأنها تحلل النفس البشرية بضعفها قبل قوتها. هذه هي المرة الثالثة التي يتحمس الفخراني لهذا العرض، الأولى في مطلع الألفية الثالثة، من الواضح أنه حدث توحد بينه هذا الملك، والذي دفع أيضاً ثمن قراراته العشوائية. ما أدعو له ليس مجاملة أو عدم انتقاد الفخراني، ولكن فقط منحه الفرصة لكي يقدم تجربة جديدة ومختلفة للجمهور العربي. في رمضان الماضي قدم الفخراني مسلسل «عتبات البهجة»، وكاتب هذه السطور كان له رأي سلبي في العمل الفني، وأشهد أن الفخراني لم ينزعج أبداً من تحفظاتي على المسلسل، الذي افتقد تماماً حالة البهجة، التي كانت مشعة في رواية الكاتب إبراهيم عبد المجيد، المشكلة بدأت من السيناريو وانعكست على العمل. لم اقرأ مثلاً أن الفخراني دخل في معركة للدفاع عن اختياراته، ترك المسلسل تحت مرمى انتقادات المشاهدين، وكل حر في رأيه.

الدفع بسلاح المرحلة العمرية التي يعيشها الفخراني، وأنه تجاوز الدور فعلياً، مردود عليه بأن الأصل الدرامي هذه المرة توافق عمرياً مع الفخراني. إنه من الفنانين القادرين على استيعاب مفردات الزمن، لم يناصبه أبداً العداء، وُجد منذ نهاية السبعينات في عز نجومية عادل إمام ومحمود ياسين ونور الشريف، كانت له ولا تزال بصمته وإطلالته. أبدع الفخراني في الوسائط الأربعة؛ أقصد السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة، النجاح الجماهيري الطاغي تحقق تليفزيونياً، ليتصدر بحضوره الجميع، في السنوات الأخيرة كان يغيب عاماً أو عامين، حتي يعثر على النص، الذي يحرك بداخله وهج الإبداع فيقرر العودة. لم يلهث وراء الحضور لمجرد الحضور، يعنيه القيمة التي يدافع عنها. الفخراني موهبة يديرها عقل. أصدرت عنه كتاباً قبل خمسة عشر عاماً عنوانه «يحيا يحيى»، سألته هل تخشى يوماً انحسار النجومية؟ قال لي هذا وارد قطعاً لا محالة، على الفنان أن يدرك بالطبع أين يقف ويحدد خطوته القادمة حتى لو قرر الاعتزال، يظل هو صاحب القرار «بيده لا بيد عمرو». أتمنى فقط أن نتحلى بالصبر وننتظر«الملك لير»، وبعدها نعلن جميعاً رأينا سلباً أم إيجاباً!