ليس منطقياً، أن تظل القضية الفلسطينية بنداً ثابتاً على جدول أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، منذ تأسيسها عام 1945، ومن دون التوصل إلى حل.
وليس مقبولاً، أن تظل هذه المنظمة الدولية مسلوبة الإرادة، ومكتوفة الأيدي، بسبب انقسام مجلس الأمن، والاستخدام المفرط لحق النقض (الفيتو) من جانب الولايات المتحدة الأميركية التي تمثل المظلة والحماية لإسرائيل منذ تأسيسها عام 1948.
وليس من الحكمة الإنسانية، والقانونية الدولية، أن يظل الشعب الفلسطيني هو الوحيد القابع تحت الاحتلال منذ أكثر من قرن.
وليس من المصالح الاستراتيجية للقوى الغربية، الداعمة لإسرائيل، أن تخسر الرأي العام العربي والإسلامي في العالم، بسبب مصلحة ضيقة، مع حليفتها إسرائيل.
أتساءل: ما المختلف هذه المرة بشأن القضية الفلسطينية عبر نقاشات، ومداولات قادة وزعماء العالم في أروقة اجتماعات الأمم المتحدة؟ وهل ننتظر نتائج مغايرة؟ وما هي الأوراق والأدوات الفلسطينية الجديدة؟
الشاهد، أن صحبة التاريخ لهذه القضية لا تبعث دائماً على الإفراط في التفاؤل، لكننا هذه الدورة يحدونا الأمل في نقلة نوعية تشبه تحريك قطعة الشطرنج من مربع إلى آخر، فهذه المرة تذهب فلسطين، وتحمل أدوات جديدة، وأوراقاً خاصة، لا يمكن إغفالها أو تجاهلها.
في مقدمتها حالة الزخم العالمي التي تردد اسم فلسطين في كل مكان، وتطالب بضرورة إعطاء شعبها حق تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة، ذات السيادة على كامل الأراضي المحتلة في الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، فضلاً عن أن أربع دول جديدة، وهي: إسبانيا، وآيرلندا، والنرويج والدنمارك اعترفت رسمياً بفلسطين الدولة، وهي دول أوروبية وازنة، ولها دور كبير في عملية السلام؛ مما يفتح الطريق أمام دول مهمة أخرى، لتوسيع دائرة الاعتراف بدولة فلسطين، يترافق مع ذلك اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة تصل إلى 149 دولة، بفلسطين كاملة العضوية في الجمعية العامة، وتوصية مجلس الأمن بضرورة الاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين، ويكون لها حق التصويت؛ الأمر الذي قاد إلى مشهد تاريخي، سوف نشهده للمرة الأولى، وهو جلوس الرئيس الفلسطيني مع رؤساء الدول كاملي السيادة والعضوية بالأمم المتحدة، غير أن ثمة ورقة مهمة أخرى تصبّ في مصلحة فلسطين، تتعلق بتقديم قادة إسرائيل للمحاكمة بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في محكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية، إضافة إلى تصنيف الأمم المتحدة الجيش الإسرائيلي ضمن قائمة العار؛ بسبب قتله آلاف النساء والأطفال الفلسطينيين، وارتكاب المذابح الوحشية التي تخالف القوانين الدولية والقوانين الدولية الإنسانية، ولا يمكن إغفال طلب الأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية فتوى قانونية حول شرعية الوجود الإسرائيلي من عدمه في الضفة الغربية.
مع كل هذه الشواهد لا يمكن إغفال موقف دور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي يعترف بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، وقد عبَّر عن صدمته من فشل مجلس الأمن في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، وطالب علناً بالضغط على الولايات المتحدة الأميركية لإيقاف الحرب كونها راعية أولى لإسرائيل، ولا يمكن أيضاً إغفال سماع دوي الصوت العربي الموحد الذي عبَّرت عنه جامعة الدول العربية في اجتماعها الدوري قبل أيام قليلة، ورسم خريطة طريق جديدة للمجتمع الدولي، حول آليات تعاطيها مع مستقبل القضية الفلسطينية، من أجل التوصل إلى حل نهائي وعاجل يطوي الصفحات المأساوية لهذه القضية المزمنة، ولا يمكن أيضاً إغفال الأصوات الأوروبية المتصاعدة إيجابياً مع القضية الفلسطينية، فليس خافياً على أحد تصريحات الممثل الأعلى للشؤون الأمنية والخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، التي يطالب فيها بحل الدولتين؛ الأمر الذي دفع إسرائيل إلى اتهامه بالعداء للسامية، وكراهية الدولة العبرية.
إذن، لو تأملنا بعمق ودقة الظروف والمستجدات التي تحيط بفلسطين هذه المرة، نجد أنها تذهب إلى الأمم المتحدة بأدوات وأوراق جديدة ومهمة، ودعم عالمي وإقليمي غير مسبوق. لكن تتبقى أمام القادة الفلسطينيين المسؤولية الأكبر والأخطر أمام التاريخ، فلا بد من استثمار كل هذه الأوراق، من خلال وحدة قيادة، تقدم نفسها للعالم بوصفها صاحبة حق، لا يمكن التنازل عنه أو التفريط فيه، فهذه الفرصة نادرة في عمر القضية الفلسطينية، وقد لا تتكرر مرة أخرى بهذا الزخم.