علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

إسلامي يتبنى قولاً لجولدتسيهر وشاخت!

استمع إلى المقالة

حين انتهَى عبد الحميد أبو سليمان من الحديث عما سمَّاه «أبرز معالم النظرية التقليدية» و«التطورات الحديثة: فقدان المنهجية» أزجَى هذين التقريرين...

فشلَ الفقهاءُ والمفكرون المسلمون المعاصرون في إعادةِ بناء الفكر السياسي الإسلامي بما يتناسبُ والتحديات الحديثة، كما أخفقوا في المساعدةِ على تعزيز المشاركة الفعالةِ للمسلمين في شؤون الدولة المعاصرة.

إنَّ تأثيراتِ الفكر الأجنبي الليبرالي الغربي والماركسي قد عجزت عن إحداثِ أي تطور حقيقي ملموسٍ في مجال العلاقاتِ الدولية من الفكر السياسي الإسلامي.

«النظرية التقليدية» التي لم يأتِ بنتفة منها، فضلاً عن ذكر أبرز معالمها، يعني بها التراث الفقهي الإسلامي. ويعني بـ«التطورات الحديثة» الليبرالية والماركسية التي ناقش منظورهما في العالم العربي للجهاد. وقد تقدم إيضاح ذلك في مقال سابق.

وكان ممَّا قاله تحت عنوان «أبرز معالم النظرية التقليدية» ما يلي: «على الرغم من أن مفهوم المساواة في الإسلام قد أزال كثيراً من التعصب والإجحاف فيما بين المسلمين، سواء بالنسبة للجنس أو اللون أو المال، فإنَّ هدفه المثالي المنشود في المساواة الإسلامية الكلية قد أعيق بسبب المؤثرات الثقافية اللاإسلامية، التي ظلت إلى حد ما قائمة في الممالك الإسلامية المتعاقبة وبسبب الطريقة الجزئية التي نهجها الفقهاء».

كتب في الهامش: انظر الملحق، هامش 4. وحين نظرت في هامش 4 في ملحق الكتاب ألفيتُه أحالَ إلى 5 مصادر أجنبية وإلى مصدر عربي.

المصادر الأجنبية منها على سبيل المثال: «الأقليات في الشرق الأوسط المعاصر: التقليد والتحديث» لألبرت حوراني، و«غير المسلمين تحت حكم المسلمين» لأمير حسان صديقي، و«تركيا» لرودريك هـ. ديفيسون.

المصدر العربي كان «الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي» لمحمد البهي.

وبعد أن سردَ أسماء المصادر الأجنبية الخمسة، واسم المصدر العربي، كتب: «للاطلاع – أيضاً – على وثائق الامتيازات والأقليات»، ثم أحال إلى مصدر أجنبي، هو «الدبلوماسية في الشرق الأوسط: سجل وثائقي 1535 – 1914» لجيكوب س. هوروويتز.

وكتب: «لمزيد من الاطلاع على المسألة السورية – اللبنانية، انظر المؤلف المكون من 3 أجزاء، إعداد فيليب وفريد الخازن (المحرّرات السياسية والمفاوضات الدولية عن سوريا ولبنان 1840 – 1919)». وهذا مصدر عربي.

هذه المصادر الثمانية التي أحال إليها لم تقل إن المؤثرات الثقافية اللاإسلامية، وإن الطريقة الجزئية التي نهجها الفقهاء، أعاقتا هدف الإسلام المثالي المنشود في تحقيق المساواة الكلية.

يؤسفني أن أقول: إن هذه الفعلة التي اقترفها عبد الحميد أبو سليمان كانت للتدليس على لجنة مناقشة رسالته للدكتوراه في جامعة بنسلفانيا عام 1973.

في السطور المقتبسة من رسالته للدكتوراه كان يشيد بمفهوم المساواة بين المسلمين، وذكر معوقين أعاقا تحقق الصورة المثلى لهذا المفهوم، لكنَّه لم يشر إلى وضع غير المسلمين، وتحديداً أهل الذمة، اليهود والنصارى، مع أنَّ المصادر التي أحال إليها، فيها كتاب واحد مداره هو هذا الموضوع، وهو كتاب أمير حسان صديقي، وكتاب آخر تطرق إلى هذا الموضوع جزئياً، وهو كتاب سيدني نيتيلتون فيشر «تاريخ الشرق الأوسط»، ودراسة ألبرت حوراني كان موضوعها «الأقليات» في الشرق الأوسط، لكن في عصر متأخر من تاريخه.

بقية المصادر موضوعها الدولة العثمانية في قرونها المتأخرة مع عصر الإصلاح العثماني ومع معاهدة الامتيازات الأجنبية، ويتخلل هذين الموضوعين تطرق إلى موضوع «الأقليات». وضمن هذه المصادر مصدر عن تركيا الحديثة ومصدر آخر ينحصر موضوعه في تاريخ سوريا ولبنان تحت الحكم العثماني وتحت حكم إبراهيم باشا. وهذا المصدر يتضمن توثيقاً للوضع الذي كان يعيشه المسيحيون والتطورات الجارية فيه قبل الاستعمار الفرنسي لهذين البلدين.

أما كتاب محمد البهي «الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي»، فلا صلة لموضوعه بغير المسلمين في ظل الحكم الإسلامي، أو بالتعبير الإسلامي الكلاسيكي «أهل الذمة» أو بالتعبير الغربي «الأقليات»، التي قد تكون أقليات دينية أو أقليات قومية أو عرقية.

الشطر الأول من المقتبس من كلامه، وهو قضية المساواة بين المسلمين، لا يحتاج إلى كل هذه الإحالات، فمن الناحية المبدئية أو النظرية، إثباتها متوفر في المصدر الأول للفقه الإسلامي، ألا وهو القرآن الكريم، وكذلك الشطر الثاني منه لا يحتاجها، لأن التسبيب كان من عندياته.

التسبيب الأول، وهو «المؤثرات الثقافية اللاإسلامية»، تسبيب لم يحدد نوعه أو ما هو. وقد قام بذلك في مشاركة له في اللقاء الثاني للندوة العالمية للشباب الإسلامي، المنعقد في الرياض، في العام الذي حصل فيه على درجة الدكتوراه من أميركا، عام 1973. وكرر القول به في اللقاء الرابع في الندوة العالمية للشباب الإسلامي، المنعقد في المدينة نفسها عام 1979. ومرة ثالثة قال به في كتاب له صدر عام 1986.

وسأناقش تسبيبه الأول في مقال قادم.

التسبيب الثاني، وهو «الطريقة الجزئية التي نهجها الفقهاء»، يعرف المقصود بها من هو على اطلاع على ما كتبه بعض المستشرقين عن الفقه الإسلامي.

الطريقة الجزئية تعني معالجة ما يطرأ من أحوال، لم تتطرق إليها أحد أساليب النظرية الكلية لأصول الفقه، وذلك بإصدار أحكام فقهية حولها، لإيجاد مخارج أحكام الضرورة والمصلحة، بما لا يصطدم بالقواعد الأساسية للشرع الإسلامي.

جولدتسيهر وشاخت أشهر من قالا بهذا الرأي. وقد تطرقا إلى الحلول الجزئية عند تناولهما لما يعرف عند الفقهاء بـ«الحيل» وهي الحيل التي لجأوا إليها لتوفير حلول عملية لمسائل طارئة محددة تلتف على الشريعة الإسلامية من دون أن تتعارض مع أحكامها.

أولى ملحوظاتي على هذا التسبيب أو التعليل لإعاقة المساواة المثلى أو المنشودة في الإسلام بين المسلمين، أنه اقتصر على القول به في رسالته للدكتوراه، فلم يكرر قوله في مشاركته في اللقاء الثاني وفي اللقاء الرابع للندوة العالمية للشباب الإسلامي، كما فعل مع التسبيب الأول.

ثانيتها، أن عبد الحميد أبو سليمان إسلامي تقليدي، ولم يعش في كل أطوار سنِّه اتجاهاً غير هذا الاتجاه. و«الطريقة الجزئية التي نهجها الفقهاء» قول قُصد به أن الفقه الإسلامي ينطوي في تاريخه على جانب من القصور. وجولدتسيهر وشاخت أشهر من قالا به، وهما في صدارة الضالين المفسدين، المغضوب عليهم من المستشرقين عند الإسلاميين كافة!

وهذا ما يفسر لنا تحاشيه تكرار هذا القول.

ثالثتها، أن هذا النقد الاستشراقي لبنية الفقه الإسلامي على افتراض تبنيه بعد الاعتقاد بصحته ليس له صلة بالاختلال في مبدأ المساواة بين المسلمين، ولا بين المسلمين وغير المسلمين في تاريخ الحكم الإسلامي. وللحديث بقية.