يوسف الديني
باحث سعودي ومستشار فكري. درس العلوم السياسية والإسلاميات التطبيقية، وعمل بالصحافة منذ عام 1999، وكاتب رأي في «الشرق الأوسط» منذ 2005، له كتب وبحوث ناقدة لجذور الإرهاب والتطرف والحركات والمنظمات الإرهابية في المنطقة. كتب عشرات الأبحاث المحكمة لمراكز بحثية دولية، ونشرت في كتب عن الإسلام السياسي والحاكمية والتطرف ومعضلة الإرهاب، وساهم بشكل فعال في العديد من المؤتمرات حول العالم.
TT

الفاكهة المحرمة واستهداف السعودية

استمع إلى المقالة

منذ الصعود السعودي الكبير مع «رؤية 2030» هناك حالة من استثمار هذا الصعود بشكل عكسي وبشكل أصبح مبتذلاً ومتكرراً يقوي من مناعة المجتمع السعودي، وأحياناً يبعثه على الشفقة وهم يرون منجزهم بات «فاكهة محرمة» تتسابق عليها الصحف والقنوات لكسب المشاهدات وتحقيق الأرقام، ولو بالتضليل وتكرار الأنماط نفسها على مستوى التوقيت أو الضيوف أو المحتوى من أشخاص ربما لم يزوروا السعودية من قبل. وهو ما ذكرني بإجابة لطيفة للراحل إدوارد سعيد في محاضرة له بعد الضجة التي أعقبت كتابه «الاستشراق» عما يجب على الخبراء والأكاديميين والصحافيين الذين لديهم تمثلات مغلوطة وربما ساذجة عن الشرق الأوسط فأجاب: «عليهم زيارة الشرق الأوسط».

اليوم، الأمر يتجاوز الاستشراق إلى ما يمكن أن نصك له مصطلح «الاستعواد»، والمتمثل في محاولات فاشلة لاستهداف السعودية بأنماط متكررة، وقيود تصوغها رغبوية لا عقلانية والتي لها ما يشبه السلوك المنظم على مستوى اختيار التوقيت والمنصات المروّجة له، وهذا لا يعني أن التجربة السعودية مكتملة أو غير قابلة للملاحظة والنقد الموضوعي، لكن ما يحدث هو تجاهل تام لمسيرة تحول لم يشهد لها الشرق الأوسط مثيلاً، ومنجزات ملء السمع والبصر وربما تنفرد بها الرؤية السعودية الجديدة، وكان آخرها نظام مكافحة الفساد، إضافة إلى المساهمة الفعالة في تخفيف التوترات في المنطقة والعالم، فضلاً عن قدرة السعودية على تخطي التحديات بمختلف أنواعها من حرب الخليج إلى 11 سبتمبر (أيلول) إلى انبعاث التطرف، وصولاً إلى منجز الرؤية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وتسنّم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مشروع الرؤية، وينقله إلى مستوى مختلف أصبح اليوم أنموذجاًَ للمنطقة وبوابة لمستقبل الشرق الأوسط.

الصعود السعودي لم يكن وليد اللحظة، لكنه في اللحظات الحرجة يصبح أكثر لمعاناً لدى العقلاء واستهدافاً عند فئات من أصحاب المشاريع التقويضية وبعض الصحف والمنظمات التي تحاول أن تعتاش على الفاكهة المحرمة التي تعني بلغة الصحافة الجديدة المحتوى الجاذب للمشاهدات في زمن الإعلام الخاص والمملوك والمدعوم من جهات بعينها لم تعد تخفى على أحد، ويكفي أن تقارن بين ثنائية الإهمال والتركيز في ملفات العالم وحروبه ونكباته وكوارثه لترى كيف يتم توجيه شباك تذاكر الخبر الصحافي نحو الإثارة وليس الموضوعية؛ وهو ما يجب أن يجعلنا نشعر بالفخر والمسؤولية ونُراكم مناعة السعوديين التي تراكمت منذ انطلاق الرؤية بالتزامن مع التشكيك ثم التسليم ومحاولة التشغيب الآن.

بالأرقام، وبما تشهد السعودية من تحولات على الأرض باتت متاحة لزيارة المنصفين من الباحثين والخبراء والصحافيين، فإن «رؤية 2030» بما تحمله من تحديات وتصحيحات كانت وما زالت أهم مشروع تحديثي للتحول نحو المستقبل شهدته منطقة الشرق الأوسط، وسيظل هذا المشروع إلى أن يصبح واقعاً معاشاً شأن كل التحولات التاريخية مثاراً للإعجاب والتأمل والفخر، كما هو الحال ستثير الرؤية موجات من الاستهداف واللغط والأوهام.

القراءة الأولية للتسلسل الزمني، وهو مشروع يحتاج إلى توثيق تاريخي جمعي لمنجز الرؤية، مرت بمراحل من التشكيك والاستهداف ثم الاعتراف والإعجاب ومحاولة الاستثمار، ولاحقاً بعد تحولات ساندت الرؤية باعتبارها مشروعاً وطنياً سيادياً عاشت موجات من «الاختزال Reductionism» المرتبط بالمهاترات الشعبوية والشغب الشوفيني المقنّع بالسياسية، وحتى البحث عن مكتسبات إما لحملات سياسية أو عقب فوز بعض الأحزاب السياسية التي تحاول أيضاً أن تموضع حضورها في الشرق الأوسط من بوابة السعودية.

الإعلام الغربي اليوم بشكل عام يعيش مرحلة ازدواجية غير مسبوقة وتناقضات طرحتها التحديات الدولية والقضايا التي كشفت عن زيف كثير من دعاوى الموضوعية والحياد، لكن أضيفت إلى ذلك أسباب فنية متصلة بسياقات صناعة المحتوى وتحديات التشبه بمنصات السوشيل ميديا وإهمال تقاليد المهنة جزءاً من محاولة ترحيل مشكلة الفشل لكثير من المشاريع والمؤسسات الغربية، والتشغيب على التفوق والصعود السعودي الذي يعمل ضمن واقع ومساحة مختلفة في المنطقة ومبنية على المنافسة والعرض والطلب والمصلحة الوطنية والسيادة، وهي مسائل يدركها السعوديون الذين قال عنهم ولي العهد: «أنا واحد من عشرين مليون شاب سعودي، ومنجز الرؤية منجزنا جميعاً، لا شيء يشغل السعوديين اليوم مثل المستقبل وتخطي كل تحدياته بثبات وعزم وما عدا ذلك أوهام تذروها الرياح»!