بعد أكثر من عامين من الموت والدمار، لم يقترب أي من طرفي الحرب في أوكرانيا من النصر: لن تحقق روسيا هدفها من الاجتياح الإمبراطوري لأوكرانيا، وبالتأكيد لن تتمكن أوكرانيا من استعادة السيطرة على جميع الأراضي التي احتلتها روسيا. وعاجلاً أو آجلاً، سيتعيّن على الجانبين أن يوافقا على وقف إطلاق النار، وأن يتوصَّلا إلى اتفاق سلام.
هذا أمر مرحب به. والاتفاق لن يقلل فقط من أعمال القتل والمعاناة والتكاليف الهائلة للحرب، بل سيجعل أوكرانيا أيضاً، على المدى الطويل، أقوى وأكثر قدرة على الدفاع عن نفسها وعن ديمقراطيتها، والأمر البالغ الأهمية هو أنّه سيقلل من فرصة حدوث تصعيد خطير.
يزعم كثير من المراقبين في الغرب أن تقديم التنازلات لروسيا من أجل التوصل إلى اتفاق سلام، من شأنه أن يرقى إلى مستوى استرضاء المعتدي، ولا يؤدي سوى إلى تشجيع مزيد من الهجمات. ولكن هذا ليس نوعاً من الاسترضاء. إنَّ إنهاء الحرب من شأنه أن يسمح لأوكرانيا بإعادة التسلح والاندماج بشكل أكبر في أوروبا والغرب، وبالتالي زيادة قدرات الردع فعلياً. لقد فشلت روسيا بالفعل في تحقيق أهدافها الحربية الأولية، وسوف تحتاج إلى تقديم تنازلات كبيرة من جانبها بوصفه جزءاً من أي اتفاق مقبل.
من الممكن أن يوفر مؤتمر السلام في سويسرا، الذي تعقده أوكرانيا لحشد الدعم الدبلوماسي لقضيتها، الفرصة المطلوبة بشدة لدراسة ما إذا كان الاتفاق معقولاً وقابلاً للتحقيق. وقد أعربت روسيا عن استعدادها للتفاوض، رغم أنها لم تُدع إلى المؤتمر لأنَّ أوكرانيا تشك في أن روسيا سوف تستخدم الاجتماع للاستعراض فقط. إلا أن سويسرا، الدولة المضيفة، تتوقع أن تشارك روسيا في مؤتمرات مقبلة.
لن يعرف أحد كيف ستكون مفاوضات السلام ما لم تبدأ العملية. وبالمقارنة بحرب لا نهاية لها تهلك الحياة وتبتلع الموارد بمعدل ينذر بالخطر، فإن حتى التسوية غير الكاملة ستكون أفضل. ما الذي قد تأمل أوكرانيا في تحقيقه إذن؟ وما نوع التنازلات التي قد تضطر إلى تقديمها؟
تعهدت أوكرانيا بعدم التنازل عن أراضيها أبداً. ويدعم هذا القانون الدولي، الذي يحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ولا ينبغي لأوكرانيا أن تتنازل عن مطالبتها المشروعة بأراضيها. ولكن لضمان وقف دائم لإطلاق النار، قد تحتاج روسيا إلى الاعتراف بأن روسيا لديها السيطرة، وإن لم تكن السيادة، على أجزاء من أربع مناطق أوكرانية وشبه جزيرة القرم، ووقف سعيها إلى الاستيلاء على المناطق المحتلة بالقوة.
مما لا شك فيه أن هذا سوف يكون تنازلاً صعباً ومؤلماً، ولا بد أن يكون مشروطاً بعدم شنّ روسيا لأي هجمات كبرى. وإذا ظلَّت روسيا ملتزمة السلام، فقد تحتاج أوكرانيا إلى انتظار فرصة أفضل لاستعادة كامل أراضيها، كما حدث مع ألمانيا في عام 1989 عندما فتح سقوط سور برلين الطريق أمام إعادة التوحيد.
كجزء من اتفاق السلام، قد تضطر أوكرانيا أيضاً إلى وقف طلبها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والتعهد بعدم الانضمام لعدد من السنوات، ولقد أصبح هذا الأمر أكثر سهولة، وذلك لأن أعضاء حلف شمال الأطلسي ما زالوا بعيدين كل البُعد عن الاتحاد فيما يتصل بالسماح لدولة تخوض حرباً بالانضمام إلى الحلف، خاصة في ضوء المخاوف من أن تؤدي العضوية إلى نشوب حرب بين حلف شمال الأطلسي وروسيا المسلحة نووياً.
لكن أوكرانيا لا تزال قادرة على توقيع معاهدات ثنائية مع دول أعضاء منفردة في حلف شمال الأطلسي بُغية دعم أمنها، وهو ما شرعت فيه بالفعل، على سبيل المثال، مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا. ولا بد أن تشتمل الضمانات الأمنية في المستقبل على بنود قوية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، والمساعدة في منع الهجمات الإلكترونية. ومع ذلك، فمن المحتمل ألا يُسمح لحلفاء أوكرانيا بنشر قواعد عسكرية على أراضيها.
يحتاج أي اتفاق للسلام أيضاً إلى تدابير قوية لمنع نشوب صراع آخر. وقد يشمل ذلك إقامة منطقة منزوعة السلاح، والإخطارات المتبادلة بالتدريبات والمناورات العسكرية. فالإنذار المبكر والرصد المستمر والشفافية أيسر بكثير في عصر المراقبة بالأقمار الاصطناعية، ولا سيما من النوع الذي توفره الولايات المتحدة حالياً.
لا شك أن أي هدنة أو اتفاق سلام من شأنه أن يمنح روسيا الوقت الكافي لإعادة تجميع قواتها وتسليحها. ولكن أوكرانيا تستطيع أن تفعل الشيء نفسه.
الأهم من ذلك هو أن السلام المؤقت، حتى لو تعطل بالانتهاكات، سوف يمنح شعب أوكرانيا في النهاية وقتاً لإعادة بناء حياته وبلاده. وقد يعود ملايين اللاجئين إلى ديارهم ويبدأون في إعادة إسكان البلد المستنزف. بإمكان الولايات المتحدة رعاية جهود إعادة الإعمار على غرار خطة مارشال. وبوسع أوروبا أن تقود جهود إعادة البناء والتكامل. هناك فوائد أخرى أيضاً. سوف تستمر أوكرانيا في مكافحة الفساد، بعد أن أوقفت بالفعل الدور المهيمن الذي يلعبه أنصار حكومة النخبة الثرية في أوكرانيا. ولجعل اتفاق السلام أكثر قبولاً لدى روسيا، فمن الممكن أن يعرض عليها تخفيف العقوبات، شريطة الالتزام بالاتفاق. وعندئذ يمكن لروسيا أن تقايض نفطها وغازها بأسعار السوق، وسوف تستعيد روسيا القدرة على الوصول إلى احتياطياتها من الذهب والعملات الأجنبية المحتجزة لدى الغرب.
بما أن أوكرانيا وروسيا سوف تظلان جارتين لعقود وقرون مقبلة، يتعين على البلدين أن يعملا على التوصل إلى بعض الترتيبات المتبادلة من أجل التوصل إلى حل سلمي للنزاعات.
* خدمة «نيويورك تايمز»