د. آمال مدللي
مستشارة في الشؤون الدولية - واشنطن
TT

أيُّ إيران سنرى بعد رئيسي؟

استمع إلى المقالة

هل صحيح أن موت الرئيس الإيراني رئيسي يشكّل نقطة تحوُّل لإيران، كما يرى بعض الخبراء في واشنطن؟ ردود الفعل والتعليقات على وفاة الرئيس الإيراني بتحطم طائرته في أثناء عودته من افتتاح سدّ على حدود أذربيجان مع الرئيس الآذري، لم تهتم بموت الرئيس مثل اهتمامها بما سيحدث في مسألة خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي. الآن وقد مات أحد المرشحين لخلافته، الذي يقال إنه كان يحضره لهذه الخلافة، مما يترك الساحة لمرشح وحيد الآن هو ابن المرشد الأعلى مجتبى. واشنطن قلقة على ماذا سيأتي بعد خامنئي وليس على من سيحل مكان رئيسي، لأنَّها تعتقد أنَّه بوجود رئيسي أم عدمه، وبوجود أي رئيس كان فإنَّ الكلمة الفصل في السياسة الإيرانية داخلياً وخارجياً وفيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني هي في يد المرشد، وأن الرئيس هو مجرد منفِّذ للسياسة بصرف النظر عمَّن يكون.

وكان ملاحَظاً في مراقبة قراءة واشنطن لمرحلة ما بعد رئيسي ووزير الخارجية عبداللهيان، الإجماع على عدم توقع أي تغيير في السياسة الداخلية أو الخارجية لإيران. لكن هذا الإجماع كان أيضاً على توقع مرحلة عدم يقين أو حتى عدم استقرار في إيران، كما تنبأ البعض، بينما تمرُّ المنطقة في مرحلة اضطراب ومستقبل غير واضح في الكثير من القضايا والنزاعات. فالتحديات التي تواجهها إيران داخلياً من وضع اقتصادي صعب إلى مظاهرات وتململ داخلي لم يتمكنوا من إطفاء جذوته بعد مظاهرات حركة المرأة، والحياة، والحرية، إلى تحديات إقليمية في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة عبر حلفائها، والذي أصبح مباشراً الشهر الماضي بينها وبين إسرائيل... هذه التحديات أصبحت الآن أكثر ضغطاً في انتظار انتخابات رئاسية مقبلة لا أحد يعرف كيف ستدار وما سينتج عنها، وهذا يمكن في رأي البعض أن يحمل إيران على إرسال رسائل إلى واشنطن تقول: «دعوني وحدي الآن». هذا أيضاً يحدث في ظل انتخابات أميركية تصبح إيران إحدى أبرز قضايا الخلاف فيها بين الديمقراطيين والجمهوريين. وبرز هذا بعد موت الرئيس الإيراني حيث انتقد الجمهوريون والمتشددون وزارة الخارجية، لأنها قدمت العزاء لإيران وتمَّت مهاجمة نائب سفيرها في الأمم المتحدة روبرت وود، لأنَّه وقف مع باقي أعضاء مجلس الأمن دقيقة صمت حداداً على الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، ووصف بعضهم رئيسي بـ«سفاح طهران».

فهذه السنة ستكون مفصلية في تحديد مستقبل العلاقات الأميركية الإيرانية، لأنَّ نتيجة الانتخابات الأميركية ستقرر كيفية التعامل مع طهران إما عبر سياسة الرئيس بايدن الذي كان ولا يزال يأمل في إعادة إحياء الاتفاق النووي، وعمل مع إيران على الرغم من الخلافات معها لاحتواء النزاع في المنطقة وعدم توسعته إلى نزاع إقليمي، أو عبر الرئيس دونالد ترمب، إذا فاز، الذي ألغى الاتفاق النووي مع إيران وفرض عليها عقوبات شديدة.

ويبدو أنَّ التعاون الأميركي - الإيراني بين فريق بايدن ومسؤولين إيرانيين لتجنب مواجهة إقليمية أنتج علاقة تعاون أميركي - إيراني سبقت مقتل الرئيس رئيسي، وجعلت إيران تطلب مساعدة الولايات المتحدة لتحديد موقع سقوط طائرة رئيسي وأرسلت خريطة تُظهر المكان المحتمَل لسقوطها. وكشف الصحافي الأميركي ديفيد إغانتيوس في «واشنطن بوست» أن القناة السرية التي كانت قائمة بين واشنطن وطهران وأدَّت إلى محادثات في مسقط في عمان، نجحت في احتواء التصعيد الإقليمي، وكتب أن آخر اجتماع بين بريت ماكغورك، منسِّق الشرق الأوسط في البيت الأبيض، ووزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني، الذي خلف عبداللهيان، جري الأسبوع الماضي. وأسفر هذا الحوار الأميركي - الإيراني، حسب الصحيفة، عن موافقة إيران على الحد من برنامجها النووي ووقف تخصيب اليورانيوم على نسبة 60 في المائة، والحد من مخزون الوقود المخصب إلى ذلك المستوى. كما وافقت إيران على الاستمرار في التعاون مع مراقبي وكالة الطاقة الذرية. ويرى الخبراء هنا أنه من الآن وحتى الانتخابات الأميركية ستركز الإدارة علي تخفيف التصعيد في المنطقة ولكن بعد الانتخابات يُتوقع أن يكون الموضوع الأول هو البرنامج النووي الإيراني وعبور عتبة «النووي».

ويجري التكهن حول مَن سيخلف خامنئي؟ وأيُّ إيران سنرى بعد موت رئيسي وإذا ضعف خامنئي؟ خصوصاً أنه في الخامسة والثمانين من عمره ويواجه مشكلات صحية. محللون أميركيون أخبروا إغناتيوس أنهم لا يعتقدون أن رئيسي كان سيخلف خامنئي، بل إن الذي يحل مكانه هو ابنه مجتبى، لأنه المفضَّل لدى «الحرس الثوري» الإيراني.

الخبير في الشؤون الإيرانية كريم ساجدبور، رأى في مقابلة مع مجلة «فورين بوليسي» أن خامنئي سيختار شخصاً يكون نسخة مصغرة منه ولديه عدة خيارات؛ أحدها إذا كان يريد أن يخلفه ابنه أن يختار مجتبى للرئاسة لكي يعطيه الشرعية ويعرفه الشعب الإيراني رئيساً، ومن ثم يخلفه، وهذا ممكن ولكنه غير أكيد. ومن الشخصيات السياسية التي يمكن أن يختارها خامنئي للرئاسة -يقول ساجدبور- محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، وهو لديه خبرة في القوات المسلحة و رجل دين متشدد مثل رئيسي. لكنَّ هذا لا يعني أنها سيكون مرشحاً لخلافته، لأن العملية معقدة.

الأيام الخمسون القادمة حتى إجراء الانتخابات ستكون امتحاناً لقدرة إيران على ترتيب بيتها الداخلي، بينما تواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة. ويتوقع الخبراء في واشنطن ألا يكون هناك إقبال على الانتخابات، لأنه لا شعبية للانتخابات، ولأن الفجوة بين الشعب والنظام كبيرة، حسب المحللين هنا، وهذا سيؤثر في شرعية الحكم.

وهذا ستكون له تبعات داخلية وخارجية. داخلياً يتوقع بعض الخبراء صراعاً على السلطة، وأن تصبح إيران أكثر تشدداً إذا ما شعرت بتحدي شرعيتها داخلياً. ساجدبور توقع مثلاً أن تصبح إيران في العقد المقبل أكثر ديكتاتورية، أو أن نرى انهيار النظام.

خارجياً، يُتوقع أن تستمر إيران في حماية حلفائها، أو كما قالت روبن رايت في مقابلة مجلة «فورين بوليسي»، إن إيران «تبني تحالفاً أطلسياً صغيراً في دول الجوار ولن تتخلى عن ذلك».

على الرغم من كل التحليلات والتوقعات ربما أفضل وصف لما يشعر به كثيرون هنا، هو ما قاله ريتشارد هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية، في مقابلة بعد موت رئيسي: «إن هذا النظام لديه قوة بقاء أكبر مما نريد أن نرى». لكن هذه السنة سنة تحولات كبيرة في المنطقة والعالم، وأظهرت أنها قادرة على مفاجآت كبرى.