د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

أهمية الاستثمار والادخار وتعبئة الموارد في الدول العربية

استمع إلى المقالة

يمارس الادخار والاستثمار وتعبئة الموارد دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية في الدول العربية، وبالإشارة إلى بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2023، تراوحت معدلات الاستثمار (نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي) في الدول العربية خلال عام 2022 بين 42.9 في المائة في موريتانيا، و1.7 في المائة في ليبيا، وكان معدل الاستثمار أقل من المتوسط، الذي يبلغ 21.8 في المائة، في 12 دولة عربية خلال عام 2022، بسبب ضيق الحيز المالي ومستوى الدين العام المرتفع في عدد من هذه الدول.

وتجدر الإشارة إلى أن معدلات الادخار (نسبة الادخار إلى الناتج المحلي الإجمالي) تراوحت في عام 2022 بين 58.4 في المائة في قطر، ومعدل ادخار سالب في كل من لبنان 15.5 في المائة، وسوريا 14.3 في المائة، وفلسطين 13.4 في المائة، واليمن 11.7 في المائة، والأردن 5.7 في المائة، وجزر القمر 0.4 في المائة. وتعكس معدلات الادخار السالبة صعوبة تمويل الاستثمار من خلال تعبئة الموارد الادخارية المحلية، وسجلت أعلى معدلات الادخار بين الدول العربية المصدّرة الرئيسة للنفط، بالإضافة إلى موريتانيا.

وقد أطلقت السعودية، عبر مركز إدارة الدين، برنامجاً ادخارياً لتشجيع مواطنيها على الادخار، وحددت مبلغاً متدنياً، حداً أدنى، يبلغ 1000 ريال، ما يعادل 266.6 دولار، وهو مبلغ بسيط، لكنه مع الزمن مفيد جداً، يجعل الفرد يجابه تحديات الزمن، مثل تعليم الأبناء أو علاجهم، أو المساعدة في شراء منزل للأسرة، وهو برنامج مضمون، أي أنه لا خطر على المشترك من الخسارة، مع إمكانية كسر الصك في أي وقت عند الحاجة، وفق شروط حددها البرنامج، مثل عدم الاستفادة من الأرباح إذا كسر الصك قبل الموعد المحدد.

ومن الجدير بالإشارة، أن هناك أضراراً في ادخار المال بالمنازل على الاقتصاد الوطني، وأول هذه الأضرار أن هذه الأموال الموجودة بالمنازل تكون خارج ودائع البنوك المحلية، ما يعوق البنوك عن الإقراض والتمويل، ولا سيما أن الإقراض والتمويل مهمة البنوك الرئيسية، ومن خلالهما تأتي معظم أرباح البنوك، كما أن كثرة الودائع تجعل البنوك قادرة على أداء مهامها اليومية في مواجهة السحوبات اليومية، ومن المعروف أن البنك الذي تقل سيولته لأي سبب، يستدين من بنك آخر تتوفر لديه السيولة، ليتمكن من أداء مهامه اليومية.

ومع أهمية ثقافة الادخار، فقد ظلّت ثقافةً غائبةً يتحاشى الكُتاب الدعوة إليها أو الحديث عنها، لأن الادخار أصبح ضرورة، لا ترفاً، خاصة للأسر والأفراد. وكفاءة الإنفاق هي حسن التصرف في إنفاق الأموال والموارد والترشيد وضبط النفقات وإحكام الرقابة عليها لتلافي النفقات غير الضرورية، ولأهمية مفهوم الادخار يحتفل العالم منذ أكثر من 90 عاماً باليوم العالمي للادخار، ويفترض أن نستغل هذا التاريخ لنشر الوعي في الدول العربية عن هذا السلوك المفيد على مستوى الدول والأفراد والأسر، من خلال تنظيم محاضرات وندوات للحثّ على الادخار والتوفير، إذ تحتاج هذه الثقافة إلى ترسيخ مفاهيمها وأهميتها.

وقد تم العمل على الاستراتيجية الوطنية للادخار، بهدف معالجة المستويات المتدنية للادخار في الدول العربية، حيث يتمتع الأفراد بالقدرة على اتخاذ قرارات مالية سليمة. وعلى الجهات الحكومية ذات العلاقة توفير منتجات آمنة وذات معايير عالية، مع إيجاد مختلف الأدوات والقنوات الادخارية المنوعة أمام الأفراد، ما يسهل لهم الوصول إلى المنتجات المالية وتوفير أطر تنظيمية وتشريعية داعمة، ويبرز دور الأسر والأفراد بالعمل على وضع خطة للادخار تقوم على تخفيض النفقات غير الضرورية.

وأفرزت الأزمات المالية العالمية ضرورة الاهتمام بجانب التثقيف المالي لفئات المجتمع كافة، حيث برز دور صندوق النقد العربي كمنصة توعوية داعمة لصانعي القرار في الدول العربية، ولفئات المجتمع كافة، خصوصاً منهم فئة الشباب والطلبة، إذ تم إعداد كتيب موجه للفئة العمرية 15 - 25 عاماً، بهدف تعزيز ثقافة الادخار لديهم، وتسليط الضوء على دور ثقافة الادخار في تعزيز التنمية المستدامة، ودعم المشاريع الاستثمارية في المنطقة العربية.

لا بد من دعم صندوق النقد والبنك الدوليين والمؤسسات الأخرى لتعزيز جهود تعبئة الموارد المحلية، ولمعالجة الفجوات التمويلية في الاقتصادات الناشئة، الناجمة عن الضغوط التضخمية العالمية، التي جعلت الوصول للأسواق المالية الدولية أكثر صعوبة وتكلفة، إذ إن الدول العربية اعتمدت استراتيجية تمويل متنوعة ترتكز على تنويع الأسواق وأدوات التمويل على نحو يساعد في توفير السيولة الكافية لتحقيق المستهدفات التنموية وتحفيز الاستثمارات الخضراء، ودعوة المؤسسات المالية العربية والبنوك متعددة الأطراف لمساندة المشروعات التنموية الصديقة للبيئة، وتبادل الخبرات والتجارب لتلك المؤسسات حول التحديات الراهنة والفرص المتاحة، من أجل الوصول إلى سياسات قادرة على تمويل أهداف التنمية الشاملة والمستدامة.

إن هذه الموارد تبقى محدودة وغير كافية، ما يحول دون السير العادي للنشاطات المحلية بسبب العجز الذي يسجل في ميزانياتها. ومهمة الدول العربية البحث في أهم السبل المتاحة لتعبئة موارد المحلية واستغلالها بشكل أمثل، لذا فإن على مؤسسات الدولة المحلية السعي جاهدة في البحث عن السبل الناجعة، من أجل تعبئة مواردها من خلال تطوير أساليب التسيير المحلي إدارياً وبشرياً، وتعزيز التعاون داخل النشاطات المحلية، وكذا السعي إلى ترشيد الإنفاق المحلي من أجل تحقيق فائض مالي يوجه لتمويل الاستثمارات المحلية، إضافة إلى العمل على تثمين الإيرادات لتخفيف العبء المحلي من خلال تعزيز جهود تعبئة الموارد المحلية.

وفي الختام... أهمية العمل من أجل تعزيز جهود بنوك التنمية متعددة الأطراف، لتوفير تمويلات مختلطة ومنخفضة التكلفة، تمزج بين التمويل العام والخاص، لدعم قدرة الاقتصادات الناشئة والدول النامية، خاصة في ظل ما تواجهه موازنات تلك الدول من تحديات غير مسبوقة نتيجة للأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية، بما يتطلب وضع استراتيجية لتمويل أكثر استدامة، من أجل تعزيز أهمية الادخار وتعبئة الموارد في الدول العربية، حيث إن الفترة الحالية تتطلب تعبئة مزيد من الموارد المالية، عبر تحفيز القطاع الخاص للمشاركة في الأنشطة الاقتصادية، بما يحقق الأهداف التنموية من خلال توفير تمويلات مستدامة، واستحداث أدوات مالية مبتكرة، لتعزيز النمو الاقتصادي الشامل، وتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين في الدول العربية، دون المساس بمقدرات الأجيال القادمة.