العالم اليوم أعقد مما يبدو، فقد يتمكن بلد ما من الحصول على النتائج التي يريدها في السياسة العالمية، بخصائصها وأسلوب عملها ودورها في عملية التفاوض الدولي. ومشاركة المملكة العربية السعودية في الاجتماع السنوي لـ«المنتدى الاقتصادي العالمي 2024» تعزيز للمرونة الاقتصادية، والقدرة على ترسيخ القيم السياسية، والتركيز على الإنجازات والاتفاقيات والشراكات والمبادرات التي تأتي نتيجة لما حققته السعودية في مختلف الأصعدة، وتحقيق التناسب بين السهل والصعب حتى يصبح كل شيء متكافئاً. وأظهرت مشاركة المملكة في الاجتماعات السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي جهودها في دعم الاستقرار الإقليمي والدولي من خلال دَورها الريادي في استقرار أسواق الطاقة، وتكريس الانتباه إلى التوازن بين مصالح الدول المنتجة للطاقة والمستهلكة لها، لتحقيق تطلعاتها في مجال الطاقة المتجددة، ومن الطبيعي أن يكون حضورها دولياً وذا مكانة عالمية رفيعة.
ناقش وفد المملكة خلال مشاركته في منتدى دافوس، أبرز التحديات الإقليمية والدولية الراهنة، وسبل معالجتها عبر الحوار والتعاون الدولي، ودعم التكامل الاقتصادي، واستدامة الموارد، والاستفادة من الابتكار والحلول التقنية، إلى جانب ضرورة استكشاف الفرص التي تتيحها التقنية الناشئة، وتأثيرها على عملية صنع السياسات والقرارات في المجتمع الدولي.
والمملكة تتمتع بنفوذ يوحي بذلك من ناحية وزنها الاقتصادي والسياسي وعملها الدؤوب على إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط وحرب روسيا وأوكرانيا، ومسيرة التحول والتنمية في مختلف المجالات، والفرص الاستثمارية المتاحة في العديد من القطاعات، وقد أعلن الوفد السعودي والإدارة العليا للمنتدى الاقتصادي العالمي أنّ السعودية، وللمرة الأولى، ستستضيف اجتماعاً خاصاً في شهر أبريل (نيسان) المقبل، حيث ستُعزز هذه الخطوة أعمالها وسياساتها وقوة داخلية وخارجية للتقدم الضخم الذي تشهده السعودية منذ إطلاق «رؤية 2030».
ففي القرن العشرين أضاف العلم والتكنولوجيا أبعاداً كبيرة ومفاجئة إلى موارد القوة، واستمر هذا التقدم مطرداً ومتماسكاً وله أثر كبير على القدرات والنتائج. والمنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) حدث سنوي يحضره أكثر من 60 رئيس دولة، فمن الطبيعي أن يكون بالغ الأهمية في اتخاذ أي اتفاق عالمي جديد كخطوة لصداقة إنسانية، وبخاصة في حضرة العدد الكبير من قادة الأعمال الذين يقدر عددهم في المؤتمر بأكثر من 1600 مشارك و800 من كبار الرؤساء التنفيذيين والمبتكرين العالميين ورواد التقنية، وهذا يعني أن القوة السياسية ليست وحدها التي تتشكل في عصرنا ولها تأثير متزايد، يرافقها في الأهمية القوة التكنولوجية الحديثة، حيث تبدو الصداقة السياسية على شكل تحالفات ذات صلة وثيقة مع تعدد الأحداث في القاموس السياسي بما فيها من حروب تتجاوز حقيقتها وأسبابها ومستلزمات الضرورة. وفي السياق نفسه، يمكن أن نعطي القيمة من حيث الفعالية والتأثير للقسم الآخر من رواد ومبتكرين وتنفيذيين للتقنية وتطور الذكاء الاصطناعي واستخدامه في العديد من المجالات.
في هذا الموقع بالذات، الاقتصاد العالمي تقنية عملية للسياسة والموضوع الأكثر مناقشة مع التوترات الجيوسياسية كالصراع في أوروبا والشرق الأوسط والتوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، من هنا، لا بد من العودة إلى علائق توازن القوى إلى حد لا يمكن تجاوزه، لذا تكون الجغرافيا السياسية موضوعاً رئيسياً آخر للنقاش، كما أن «السلام مع إسرائيل مشروط بوقف إطلاق النار في غزة والطريق إلى الدولة الفلسطينية، والمملكة تتحمل مسؤولية تجاه الفلسطينيين»، كما قالت سفيرة المملكة الأميرة ريما بنت بندر.
فالمنتدى الاقتصادي بسويسرا أسس على يد البروفسور السويسري كلاوس شواب في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في سبعينات القرن الماضي... إذن فما هو حجم معاناة العالم اليوم من أزمات اقتصادية وسياسية؟ والمنتدى يجتمع فيه نخبة من رجال السياسة والأعمال من مختلف دول العالم للتباحث حول قضايا سياسية واقتصادية. ومنظّمو منتدى دافوس يحاولون تبني السياسة على مقياس مثالي تحت شعار «إعادة بناء الثقة»؛ وكيف يجب أن تكون هذه الثقة؟، فهي أساس لبناء النظام العالمي الذي فتح صفحات الرؤيا للاقتصاد وساهم بشكل كبير في بناء المجتمعات والأوطان.
ومن المعلوم أن هدف تأسيس المنتدى هو إيجاد منصة تجمع بين القطاعين العام والخاص لمناقشة التحديات الاقتصادية والاجتماعية العالمية، وتعزيز التعاون العالمي والتفاهم بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لمواجهة التحديات العالمية بصورة أفضل.