بكر عويضة
صحافي فلسطيني بدأ احتراف الصحافة في ليبيا عام 1968 حيث عمل في صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، ثم «البلاغ» و«الجهاد» في طرابلس. واكب صدور الصحافة العربية في بريطانيا منذ 1978 فعمل في صحيفة «العرب»، ثم مجلة «التضامن»، وبعدها جريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.
TT

شهداءُ أطفال مستشفى «الشفاء»

استمع إلى المقالة

المُفترض أنهم أُدخلوا المستشفى بغرض أن يتعافوا، بعدما يُشفى كل منهم، ذكوراً أو إناثاً، من كل سقم، أو مرض ألمّ بهم وبهن. لهذا السبب يحمل المكان اسم «الشفاء». حسناً، ما الذي حدث حتى يتحول موقع أكبر مستشفيات قطاع غزة، وأكثرها تطوراً، وأقدمها وجوداً (منذ عام 1920)، إلى ثلاجة جثث، بدءاً، ثم استفحل الأمر، وتراكمت أعداد الموتى، فزاد على إمكانية استيعاب الثلاجات، وانتهى فناء المستشفى إلى «مقبرة»، وفق وصف «منظمة الصحة العالمية»، وغيرها من منظمات دولية تتابع من كثب تطورات حرب إسرائيل الوحشية على شعب غزة الأعزل؟ التبرير الضعيف غير المستند إلى دليل مقنع، الذي يتذرع به كل ناطق باسم آلة الحرب الإسرائيلية، يزعم أن قيادات «حماس» الميدانية تندس في المستشفى بين نزلائه المرضى، وآخرين لجأوا إليه هرباً من جحيم قصف الطائرات، وأنها تختبئ داخل أنفاق تحت المبنى، وتدير منها عمليات عسكرية.

لم يكن سهلاً على ماكينة حرب إسرائيل الإعلامية تسويق ادعاءات كهذه للرأي العالمي، خصوصاً أن الحرب تستعر بكل أوارها على جبهات ومنابر «السوشيال ميديا»، حيث تتصدى مجموعات الشبان والشابات من المجتمعات العربية كافة، بل ومن مختلف الجنسيات في العالم كله، للمزاعم الإسرائيلية، تفندها وتكشف جوانب الزيف فيها. أمام هذا العجز الفاضح، اضطر جهاز دعاية قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى السماح بدخول كاميرات تلفزيون عالمية إلى أنفاق، كي تسجل لقطات تُظهر قطع سلاح متنوعة، وبضع أوراق مبعثرة، وجهاز «لابتوب».

ربما صدَّق البعض ما عُرض على الشاشات. ولكن لم يبدُ أن الجهد المبذول قد أفلح في إقناع قطاعات أعرض من الرأي العام العالمي. إزاء موقف كهذا، سوف تبرز مقولة ذاع صيتها منذ زمن بعيد: «ربما تخدع بعض الناس بعضاً من الوقت، لكنك لن تنجح في خداع كل الناس كل الوقت»، فهل تأخذ بها أجهزة إعلام الحرب الإسرائيلية؟

كلا، أشك في ذلك. مساء الأحد الماضي، خُيِّل للقائمين على إدارة إعلام آلة الحرب الإسرائيلية، أنهم عثروا على كنز ثمين سوف يدعم ادعاء أن «حماس» تستخدم مستشفى «الشفاء» مركزاً ميدانياً، فسارعوا إلى عرض مشاهد زعموا أنها التُقطت عبر كاميرات داخل المستشفى توضح إحضار رهائن أسرهم مقاتلو «كتائب القسام» خلال هجوم السابع من الشهر الماضي، إلى مقر المستشفى يوم وقوع الهجوم تحديداً. مرة ثانية، هذه حجة يمكن ردها على المتذرع بها؛ إذ لو جاز للمرء افتراض أن الادعاء صحيح، وليس مفبركاً، فهو يصب في صالح «حماس»، من منطلق أن مقاتليها نقلوا رهينة، أو أكثر، للمستشفى بغرض معالجتهم، وليس بقصد إخفائهم في المبنى، وذلك تصرف إنساني محض. أما الدحض العملي للادعاء الإسرائيلي، فقد أتى من إريك فوسي ومادس غلبرت، وهما طبيبان نرويجيان يعملان في المستشفى، أكدا أنهما لم يلاحظا أي وجود مسلح داخل المستشفى خلال عملهما.

حديث الرهائن يقود إلى التوقف ملياً أمام تصرف مقاتلي «كتائب القسام» إزاء أخذهم رهائن خلال الهجوم. من حيث المبدأ، معروف أن الأَسر هو أحد أهم جوانب سير المعارك. وفي الآن نفسه، مفهوم كذلك أن النساء والأطفال وكبار السن، يجب ألا يؤخذوا أسرى. كيف أجاز قادة «حماس» لمقاتليها أن يقدموا على أخذ رهائن غير عسكريين؟ إذا كانت هناك حجة تفيد إسرائيل في مزاعم تبريرها استشهاد أطفال مستشفى «الشفاء»، بفعل حربها الهمجية، فهذه هي الأقوى بينها.

تُرى، أما من صوت حكيم يصدَع بمنطق عاقل، فيطالب بإطلاق كل النساء والأطفال، فوراً، وبلا أي تذرع، سواء كانوا سجناء «كتائب القسام»، أو أسرى سجون إسرائيل؟ ربما، إذ ما أضيقَ الحياة لولا فسحة الأمل!