حنا صالح
صحافي وكاتب لبناني. رئيس تحرير جريدة «النداء» اليومية (1975 - 1985). مؤسس ورئيس مجلس إدارة ومدير عام راديو «صوت الشعب» (1986 - 1994). مؤسس ورئيس مجلس إدارة ومدير عام تلفزيون «الجديد» (1990 - 1994). مؤسس ومدير عام «دلتا برودكشن» لخدمات الأخبار والإنتاج المرئي (2006 - 2017). كاتب في «الشرق الأوسط».
TT

«طوفان الأقصى» ولبنان الضحية في «ممر الأفيال»!

استمع إلى المقالة

زلزل «طوفان الأقصى» إسرائيل وطالت تردداته جهات الدنيا الأربع؛ فبدأت مرحلة جديدة من الحرب على غزة وصفتها تل أبيب بأنها ستكون آخر الحروب. في اليوم الـ20 على «7 أكتوبر (تشرين الأول)» تحرث آلة الموت والدمار القطاع. تُغيّر كل المعالم، وتُوقع إبادة جماعية مع ارتفاع الإصابات إلى نحو 25 ألفاً بين قتيل وجريح غير ألوف المفقودين تحت الردم. يُهجر مليون فلسطيني من شمال القطاع ووسطه ويصبح مليونان ونصف المليون مواطن تحت حصار النار في رقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 200 كلم مربع.

نجاح «الطوفان» فاق توقعات «حماس»، التي عجزت عن بلورة أهدافٍ سياسية توازي تدمير أسطورة الردع الإسرائيلي والجيش الذي لا يقهر، فيقول خالد حروب، مؤلف كتاب «حماس: دليل المبتدئ»: إنه «لم يكن هناك مطلب أو هدف سياسي واضح بشدة من ورائها»... لكن ما برز بقوة تمثل في دور طهرن كقيادة سياسية لكل محور الممانعة والجبهات المحيطة بإسرائيل وامتلاكها القدرة على تحويل الحرب على غزة حرباً إقليمية، مع الإقرار بأن ما حدث أعاد بقوة القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد. لكن حجم الصفعة والتقصير قرأته تل أبيب كمعركة وجود، فسارعت إلى حكومة طوارئ سياسية تقود حرب تفكيك واقتلاع «حماس» لإنهائها وتغيير المنطقة، وفق نتنياهو، الذي هاله أنه تحت قيادته 15 سنة لإسرائيل سقط الردع وتمزّقت هيبة الجيش «الذي لا يقهر»، وانكشف تراجع كفاءة الاستخبارات الإسرائيلية!

اختلفت القراءة الأميركية للحدث، فكان التخلي عن «القيادة من الخلف»؛ لأن ما جرى يندرج في سياق حرب استراتيجية مرتبطة بمستقبل الدور القيادي للولايات المتحدة. لذلك؛ لم يقتصر الأمر على «التضامن» عبر الجسر الجوي والعودة العسكرية القوية إلى المنطقة. لقد حضر الرئيس بايدن حاملاً إصراراً على تبني طروحات إسرائيل والوقوف معها. لكن نقاش الأولويات مع حكومة الحرب وماذا عن اليوم التالي، الذي لخّصته «نيويورك تايمز» بتأكيدها أن «إدارة بايدن تشعر بالقلق من افتقار إسرائيل إلى أهدافٍ عسكرية قابلة للتحقيق في غزة»؛ ما يفسر إرجاء الغزو البري وربما تقزيمه. ومع التركيز على أولوية الإفراج عن الرهائن ذكّر أوستن، وزير الدفاع الأميركي، بأن تحرير الموصل استغرق 9 أشهر... وبدأ تدفق المستشارين العسكريين يقودهم الجنرال جيمس غلين، أبرز قادة المارينز، وهم يتمتعون بـ«خبرة في نوع العمليات التي تشنّها إسرائيل حالياً أو قد تشنّها في المستقبل»، وفق وصف المسؤول الأميركي جون كيربي!

التبني الأميركي والغربي عموماً لتل أبيب عوّم نتنياهو، والبيان الثلاثي بينه وغالانت وليفي، والإعلان أن الحرب على غزة مسألة «حياة أو موت» وستكون من البحر والجو والبر، بداية رسم منحى مختلف مع المضي في حرب إبادة الغزاويين، وقد أضاف إليه نتنياهو من الحدود اللبنانية أنه «إذا قرر (حزب الله) دخول الحرب فسيجلب دماراً لا يمكن تصوره عليه وعلى لبنان»! توازياً، فإن «السلطة» في بيروت غائبة عن مسؤولية إبعاد لبنان عن كارثة تمركزه عنوةً في «ممر الأفيال»، بحيث لن يفلت من ضربة عسكرية تبدو حتمية وفق التحذيرات الفرنسية والغربية، ليبدو كضحية أمام مخاطر حرب «وحدة الساحات» التي بادر إليها «حزب الله» مستقدماً عناوين فلسطينية ومحلية؛ ما فاقم المخاوف من تحول الاشتباكات حرباً واسعة بعدما كبّدته حتى الآن نحو 50 في المائة من حجم الضحايا التي خسرها في حرب يوليو (تموز) 2006!

سؤال واحد تلجُ به اليوم ألسنة اللبنانيين، وليس فقط ألوف العائلات التي نزحت عن مناطق جنوب الليطاني والعرقوب وحاصبيا، وهو هل ينزلق البلد إلى الحرب أم ننجو؟ ويتسع الخوف ويتمدد القلق والتوتر، وتكاد المنطقة التي يعدّها (الحزب) «بيئة آمنة» تفرغ من سكانها مع تدرج المواجهات صعوداً. ويتسقط أبناء هذه المناطق، كما كل اللبنانيين، الأنباء عن أبعاد إخلاء إسرائيل مستوطنات الشمال من سكانها؛ إذ لا يزال علقم حرب تموز مقيماً، وإذا ما أضفنا حال لبنان وحال اللبنانيين مالياً واقتصادياً يتأكد أن أغلبية لبنانية ساحقة ترفض توريط البلد في حربٍ ستدمر القليل المتبقي!

التجاهل الرسمي كبير لمصالح المواطن اللبناني المنكوب العاجز عن تأمين الخبز والدواء، وهو يمعن النظر بصورة عاصمته الآخذة بالتبدل السلبي، ويتذكر تفجير المرفأ وبيروت، ويستعيد مشاهد دمار حرب تموز وهو يشاهد غزة تتحول ركاماً لم يترك منزلاً ولا بئر ماء ولا مدرسة ولا مستشفى ولا مسجداً أو كنيسة... ليتأكد أن توريط لبنان المفلس المنهك بالحرب يعادل إعداماً جماعياً لأبنائه يصبُّ في خدمة مشروع إيران الإقليمي، كما يتم حرق غزة واقتلاع أهلها والتهديد بأخطر «ترانسفير» خدمة للمشروع إيّاه!

التصعيد المتدحرج على امتداد الخط الأزرق وحتى مزارع شبعا، جعل الجنوب اللبناني أشبه بخطٍ ساخن بين طهران وواشنطن، في حين بدت «السلطة» اللبنانية على حقيقتها، تابعة مرتهنة، تفتقر حتى لدور استشاري في قرار الحرب والسلم الذي تمسك به طهران من خلال «حزب الله»؛ لذا يصبح مفهوماً، إنما غير مبرر إغفال دعوة لبنان إلى قمة القاهرة. لبنان مغيّب نتيجة تسلط هذه «السلطة» ومعها طبقة سياسية فاسدة شريكة من نحو عقدين في تغطية اختطاف «حزب الله» للدولة وقرار البلد. وكل متابعة لزيارات ومواقف وزير خارجية إيران عبداللهيان تؤكد أنه تم الاستغناء عن كل الواجهات المحلية، والحزب منصاع لما يخططه نظام الملالي كما ورد في إعلان عبداللهيان مؤخراً، أن «أزمة لبنان الاقتصادية لن تمنع (حزب الله) من الانضمام للحرب»، وبعبارة أخرى، لا بأس بأكثر من غزة واحدة ما دام ذلك يخدم الطموحات الإمبراطورية الإيرانية!

يقول تاليران: «يمكن فعل الكثير بالحربة إلاّ الجلوس عليها»، والسؤال لـ«حزب الله»: هل يشحذ حراب صواريخه كي يستقر اللبنانيون عليها!