د. عبد الله فيصل آل ربح
أكاديمي سعودي, أستاذ مشارك لعلم الاجتماع الديني والنظرية الاجتماعية جراند فالي الأميركية, وزميل أبحاث غير مقيم بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة. نشر العديد من الأبحاث المحكمة في دوريات رصينة, إضافة لنشره لعدة دراسات في مراكز الفكر بواشنطن. ومن أهم إصداراته كتاب «المملكة العربية السعودية في الصحافة الأنجلو: تغطية المملكة في القرن العشرين»
TT

غزة... حتى لا تضيع البوصلة

استمع إلى المقالة

إن الأحداث الراهنة في غزة تستدعي النقاش المتجدد حول إعادة النظر في القضية الفلسطينية. فالمسألة تتجاوز ثنائية تطبيع العلاقات مقابل استمرار المقاومة إلى مستقبل التوتر في المنطقة وحقوق الشعب الفلسطيني.

بنظرة سريعة على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما إكس (تويتر)، نجد أنه تم اختزال الموضوع في النظرة لحركة «حماس» من خلال ثنائية الأبيض والأسود. فمؤيدو «حماس» يرون فيها الحق المطلق بوصفها تقف في مواجهة المحتل، بينما يرى الطرف الآخر فيها أداة تخريب مرتهنة لأجندة إقليمية لا تخدم الفلسطينيين والعرب.

لن أدخل في تحليل الموقفين، ولا أرى جدوى من الانتصار لفريق على الآخر. ما أود التركيز عليه هو ضياع بوصلة النقاش في مثل هذه الظروف. فالواقع يقول إن أكثر من مليوني فلسطيني تحت الحصار وقذائف إسرائيل التي اعتادوا عليها منذ عقود. بغض النظر عن الفصيل السياسي الذي يحكم القطاع، فإن القوات الإسرائيلية لا تفرق بين مؤيدي «حماس» وخصومها داخل غزة. وعليه، فإن الحديث عن شرعية «حماس» من عدمها لن يغير شيئاً على أرض المعركة.

من يرى في «حماس» فصيل مقاومة يستحق التقدير، عليه ألّا يزايد على الدول العربية ويتهمها بالتخاذل، فقط لأنها لم تتخذ خيار الحرب؛ فتلك دول لها حساباتها الاستراتيجية التي يجب احترامها. وعلى الطرف الآخر، من يرى في «حماس» حركة تخريبية معرقلة لعملية السلام، عليه ألّا ينحاز لإسرائيل التي تقصف الفلسطينيين من دون أن تفرز ميولهم السياسية.

إذا تحدثنا عن دول الاعتدال العربي، وأخذنا المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، فإننا نجد الموقف الصريح الذي يؤكد «وقوف المملكة إلى جانب الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة وتحقيق آماله وطموحاته وتحقيق السلام العادل والدائم». وهو ما يتماشى مع تصريح ولي العهد في لقائه الأخير مع «فوكس نيوز»، حيث أكد أنَّ سياسة المملكة واضحة بشأن تطبيع العلاقة مع إسرائيل، وأن في مقدمة الاشتراطات «ضمان حقوق الشعب الفلسطيني». تلك اللغة الواضحة التي تضع الأمور في نصابها هي التي ستبقى، أمَّا ما عداها من خطابات المزايدة والتشفي فسيزول مع الزمن قصير المدى.

إنَّ التعامل مع إسرائيل ينحصر في دائرة الأمر الواقع بكونها قوة عسكرية واقتصادية والحليف الأقرب للقوى العظمى، وبالتالي فإنَّ أسباب التعاطي معها سياسية/مصلحية بحتة. أما بالنسبة لـ«حماس»، فإن استقرار الشعب الفلسطيني وضمان أمنه ورخائه سيؤدي بشكل طبيعي لسحب البساط من تحت ذلك الحزب لصالح القوى المدنية، التي تسعى لرخاء الشعب الفلسطيني. وهذا يقودنا إلى حقيقة مفادها: إن ما يهمنا - بوصفنا عرب - أمننا القومي ورخاء دولنا الذي يتحقق باستقرار الشعب الفلسطيني وخروجه من بين أنياب المحتل الإسرائيلي، وقدرته على إفراز قيادة تتناسب مع الاستقرار. أما مع استمرار عنجهية إسرائيل فلن يتمكن أي فصيل من تصدر الساحة غير ذلك الذي يرفع السلاح.

وحتى لا تضيع بوصلتنا، فلنبتعد عن المزايدة على الدول العربية التي تحمل تاريخاً مشرفاً في دعم الشعب الفلسطيني، ولنبتعد كذلك عن لغة التشفي في «حماس»، والتي ستؤدي - بقصد أو بغير قصد - إلى التشفي بإخوتنا العزل في غزة. وعلينا ألا ننسى بأنَّ إسرائيل ليست حليفاً موثوقاً، وأنَّ أهل غزة ليسوا حركة «حماس» فقط.