يمثل الجوع في العالم التحدي الأكبر، إذ أبلغت المديرة التنفيذية لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أعضاء مجلس الأمن، أن أزمة الجوع العالمية خلّفت أكثر من 700 مليون شخص لا يعرفون متى سيحصلون على وجبتهم التالية، مؤكدةً أن الطلب على الغذاء يزداد باطّراد فيما يجفّ التمويل، إذ أشارت إلى أحدث تقرير للمنظمة الأممية المعنية بمكافحة المجاعة وانعدام الأمن الغذائي عبر العالم، حيث أوضحت خلال الاجتماعات رفيعة المستوى للدورة السنوية الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في مؤتمر بعنوان في منتصف الطريق، الموعد النهائي لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، في ظل عدم حصول تحسن يذكر عالمياً في معظم الأهداف المتعلقة بالأغذية والزراعة، حيث إن الآثار المتبقية لجائحة «كوفيد - 19»، إلى جانب الأزمات الأخرى، مثل تغير المناخ والنزاعات المسلحة، لها آثار واسعة النطاق، إذ إن التقدم الذي أُحرز في العقدين الماضيين ظلّ راكداً، وإن انعدام الأمن الغذائي العالمي زاد بشكل حاد عام 2020 حين عطلت الجائحة أسواق المواد الغذائية وأدت إلى ارتفاع البطالة، لكن الجوع لم يعد إلى مستويات ما قبل «كوفيد - 19».
إن نقص التمويل أوجب على منظمة الأغذية والزراعة خفض حصص الغذاء لملايين الأشخاص، وإن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الوباء والحرب في أوكرانيا دفعت أسعار المواد الغذائية بعيداً عن متناول ملايين الأشخاص في كل أنحاء العالم، في الوقت نفسه الذي تَسبب فيه ارتفاع أسعار الأسمدة، في انخفاض إنتاج الذرة والأرز وفول الصويا والقمح، إذ إن التحدي الجماعي الذي يواجه العالم يعود إلى نقص تعزيز الشراكات الطموحة ومتعددة القطاعات التي ستتمكن من معالجة الجوع والفقر بشكل فعال، وخفض الحاجات الإنسانية.
إن على العالم أجمع أن ينهض متحدياً في هذه اللحظة المحورية والمفصلية، للمشاركة في الجهود المبذولة لتحقيق الرخاء للناس وللكوكب، وإن التقدم العلمي والتكنولوجي الرائد مثل النمذجة المناخية عالية الدقة، والذكاء الاصطناعي، والتنبؤ الآنيّ، يمكن أن يحفز التحول لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، إذ إن توفير الإنذارات المبكرة للجميع، سيؤدي إلى إنقاذ الأرواح وسبل العيش، وسيساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.
وفيما يتعلق بالأمن الغذائي العربي، واستناداً إلى تقرير المنظمة العربية للتنمية الزراعية لعام 2022، يرتبط الأمن الغذائي العربي بمجموعة من المتغيرات التي تؤثر على مختلف محاوره في الدول العربية، تشمل تلك المتغيرات المستجدات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والطبيعية سواء على المستوى العربي أو الإقليمي أو الدولي، إذ إن التطورات في بيئة التجارة الدولية تعد من أهم المستجدات ذات التأثير المباشر على أوضاع الأمن الغذائي في الدول العربية والتطورات في بيئة التجارة الدولية، إذ إن الكثير من المؤشرات والتوقعات، تخبرنا بأن الوضع الراهن لتدفقات التجارة الدولية للسلع الغذائية، يعد غير مواتٍ لمسيرة الأمن الغذائي العربي، ويعود ذلك إلى تراجع معدلات نمو التجارة العالمية، وتأخر التعافي من تداعيات جائحة كورونا والسياسات التجارية غير الملائمة لبعض الدول المنتجة الرئيسية لسلع الحبوب، والزيوت النباتية، والأسمدة، والطاقة.
وفيما يتصل بأثر التغيرات المناخية على الموسم الزراعي المنصرم في الدول العربية، يُعدّ الموسم الشتوي 2021 من المواسم الزراعية التي شهدت انخفاضاً كبيراً في معدلات هطول الأمطار وزيادة في ندرة المياه في الكثير من الدول العربية؛ ففي العراق أدت قلة هطول الأمطار وندرة المياه إلى تراجع حجم إنتاج العراق من محصول القمح خلال الموسم الشتوي للعام 2021 من نحو 6.24 مليون طن إلى 4.23 مليون طن، مسجلاً تراجعاً بنحو 32 في المائة عن إنتاج عام 2020. وفي تونس تعد سنة 2021 سنة صعبة للغاية نظراً لتواصل الجفاف لعدة مواسم متتالية، حيث اتسمت الفترة الأخيرة بخمس سنواتٍ جافة وسنة واحدة ممطرة وهي سنة 2019، مما أدى إلى تذبذب في الإنتاج وإلى تراجع المساحات المحصودة. أما في الجزائر فقد تراجع إنتاج الحبوب لموسم حصاد 2021 - 2020 بنحو 40 في المائة نتيجة لشح الأمطار، وفي لبنان وسوريا تدهورت إنتاجية وإنتاج الكثير من المحاصيل بسبب الظروف الطبيعية غير الملائمة.
وفي الختام، وفيما يتعلق بتوفير الغذاء، فقد أدت آثار تغير المناخ على الأمن الغذائي في انخفاض الإنتاج الزراعي بسبب تدهور الأراضي، ونقص المياه العذبة وقلة الهطول المطري، وانخفاض الإنتاجية النباتية، وأضرار الآفات والأمراض النباتية، وانخفاض إنتاجية الثروة الحيوانية بسبب الأمراض وتدهور المياه وتدهور قاعدة الموارد العلفية، مما أدى إلى انخفاض مستويات الغذاء في معظم الدول العربية والعالم.