د. عبد الله فيصل آل ربح
أكاديمي سعودي, أستاذ مشارك لعلم الاجتماع الديني والنظرية الاجتماعية جراند فالي الأميركية, وزميل أبحاث غير مقيم بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة. نشر العديد من الأبحاث المحكمة في دوريات رصينة, إضافة لنشره لعدة دراسات في مراكز الفكر بواشنطن. ومن أهم إصداراته كتاب «المملكة العربية السعودية في الصحافة الأنجلو: تغطية المملكة في القرن العشرين»
TT

الشراكة المجتمعية في مكافحة التطرف

استمع إلى المقالة

تسعى برامج مكافحة التطرف التي تركز على الأفراد إلى تقليص العنف في المجتمع، من خلال وسيلتين أساسيتين: إعادة توجيه دوافع المتطرف/الإرهابي، وتسهيل إعادة اندماجه في المجتمع. على الصعيد العملي، تُعدُّ مكافحة التطرف استراتيجية جديدة نسبياً، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الاستراتيجية تشتمل على برامج محددة تحقق درجات متفاوتة من النجاح والفشل.

تشير بعض الدراسات إلى أن تبني النهج الشامل يسهم بشكل فعّال في رفع نسبة إمكانية نجاح برامج مكافحة التطرف. وفي هذا الصدد ثمة ثلاثة أهداف يجب تحقيقها لنجاح برامج مكافحة التطرف التي تستهدف الأفراد (وليس الجماعات):

- إعادة تثقيف المتطرف الموقوف بهدف زعزعة قناعاته القائمة على تبني الآيديولوجيا التي تؤمن بالعنف، إلى نهج يؤمن بالحوار وليس بالعنف. وفي هذا الصدد تنبغي الاستعانة بمتطرفين سابقين (ممن تركوا الفكر المتطرف عن قناعة) من أجل أن يساهموا في عملية إعادة التثقيف. يمكن أيضاً تضمين أفراد عائلات الموقوفين في هذا البرنامج لتعزيز فاعليته.

- توفير التدريب المهني للموقوفين من أجل تأهيلهم لتحقيق الاستقلال المالي، وفي خطوة إضافية، تقوم الدولة بتقديم الدعم المالي والقروض (من أجل إنشاء المشاريع)، مما يسهم في بناء الثقة بين الموقوف والسلطات.

- بعد خروج الموقوف، ينتظر أن يجد أمامه بيئة قابلة للحياة الكريمة. هذا يتجاوز المحور المادي إلى المسألتين الاجتماعية والأمنية. فشعور الفرد بالعزلة سيزيد من احتمالية عودته للتطرف. كذلك فإن الموقوف السابق الذي تم تأهيله يحتاج إلى أن يُحصَّنَ، حتى لا يقع فريسة لانتقام أفراد مجموعته المتطرفين الذين ما زالوا رهن الملاحقة القانونية.

تعالج مبادرات مكافحة التطرف العنيف Countering violent extremism (CVE) الظروف المؤدية إلى التطرف في دوائر التطرف العنيف. تهدف هذه المبادرات إلى تجريد الجماعات الإرهابية من المؤيدين والمجندين الجدد. تختلف الاستراتيجيات والأدوات التي تستخدمها الحكومات ومنظمات المجتمع المدني لمكافحة التطرف العنيف، وتعكس الظروف والأوضاع المختلفة. في هذا الصدد، اعتمد المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF) بعض هذه الاستراتيجيات التي تدور حول ما أسماها الممارسات الرشيدة good practices ومنها:

- التركيز على السجون وتحديد الممارسات الرشيدة (التي تناسب بيئة الدولة المعنية) لإعادة تأهيل وإعادة دمج المتطرفين العنيفين - الذين تخلوا عن العنف بعد تأهيلهم - في المجتمع.

- جرد وإحصاء الممارسات الرشيدة المتعلقة بالعمل مع ضحايا التطرف العنيف في أعقاب الهجمات الإرهابية.

- استكشاف أهمية المناهج المتعددة القطاعات (مثل المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني) لمواجهة التطرف العنيف.

- إعادة تقييم أساليب مكافحة التطرف العنيف الأكثر نجاحاً من أجل تطويرها.

- قياس فاعلية برامج مكافحة التطرف العنيف.

هناك أداتان رئيسيتان لمكافحة التطرف العنيف تركزان على الاستراتيجيات المحلية، وهما المشاركة المجتمعية والخفارة المجتمعية. إن المشاركة المجتمعية Community engagement والخفارة المجتمعية community policing هما من أدوات ذات صلة تركز على بناء الثقة بين الحكومة والمجتمعات المحلية في سبيل المشاركة معها لتطوير حلول مجتمعية قائمة على قاعدة بيانات للقضايا المحلية. تهدف هذه المشاركة إلى زيادة وعي المجتمع حول خطر التطرف العنيف، وتزويدهم بالأدوات اللازمة، وتمكينهم من التدخل ومنع التطرف والعنف. فكلما كانت المجتمعات أكثر وعياً بالتهديدات المحتملة لأمنها، زاد تمكينها لتكون قادرة على الصمود في وجهها، وكانوا هم أكثر استعداداً لمواجهة التهديدات بأنفسهم.

يفترض أن تكون هذه الشراكة بين المجتمع وأجهزة الأمن مصممة بدقة تتناسب مع الظروف والعناصر الثقافية المحلية، بالإضافة إلى النظام القانوني للدولة، مع احترام القانون الدولي أيضًا. ولعل أبرز الممارسات الرشيدة تكمن في تعزيز نهج المشاركة المجتمعية والخفارة المجتمعية بوصفها استراتيجيات طويلة الأجل ومستدامة، وليس تكتيكات قصيرة المدى. وعليه، يجب القيام بإجراء الأبحاث اللازمة من أجل فهم المشاكل والشكاوى المحلية، ومعالجة جذور الأزمات الاجتماعية التي تدفع بالفرد نحو تبني الأفكار المتطرفة.