عادل عبد المهدي
رئيس الوزراء العراقي الأسبق
TT

خدوري... ترديد لسرديات مكررة وإهمال لمواضيع البحث

استمع إلى المقالة

كتبتُ بحثاً بعنوان «الدولة العراقية، لصوصية ومافيوية، حقيقة أم وهم؟» وقد كتب الأخ الدكتور وليد خدوري تعليقاً في عدد «الشرق الأوسط» يوم 1/8/2023، وهذه ملاحظاتي:

1- يؤسفني القول إنَّ الأخ الدكتور لم يتناول أياً من عناوين البحث الـ(24) بالدحض والنقد؛ بل تناول البحث الذي كتبته، انطلاقاً من سردية تبسيطية -يكثر ترديدها- تنقصها الموضوعية والحيادية.

2- إن البحث -كما أكدتُ في بدايته- لا يهدف لدراسة التجربة العراقية؛ بل للرد على بعض التوصيفات الظالمة التي اختزلتها بدولة لصوصية ومافيوية/ ميليشياوية/ طائفية، تخضع للتأثيرات الإيرانية. وأعتقد أنَّ الأخ الدكتور كرر المنهج ذاته. أي الانطلاق من حقائق مجتزأة ومغالطات، وبدل وضعها في مكانها المناسب، قام بتعميمها، ووسم مجمل التجربة بها. وهذا خطأ كبير. ففي كل التجارب العالمية هناك ظواهر سلبية كبيرة، كاللصوصية والمافيوية والميليشياوية والطائفية، وغيرها. والخطأ هو تعميمها.

3- في البحث الذي كتبته تناولت السرقات وأحجامها (أكثر مما أورده الأخ الدكتور)، وقدمت تفاسير لحالات السلاح في البلاد، وكذلك الانقسامات المذهبية والقومية والدينية. ومن يقرأ البحث لن يجد فيه حماساً كبيراً لأداء الدولة والحكومات المتعاقبة؛ بل حاولت أن أفسر صمود التجربة، وولادة كثير من التيارات الإيجابية الصاعدة فيها، سببه الزخم المجتمعي الذي تولَّد بسبب تحرير إرادة الشعب العراقي، من دون أن ننكر أنها عبَّرت عن نفسها أحياناً بشكل فوضوي. ورأيت أن هذا أمر طبيعي في تجارب البلدان التي تمر بالظروف ذاتها. وقلت إن كشف الفساد والانحرافات ضرورة، ما لم يستخدم غطاء لإخفاء الحقائق الكبرى الأساسية الأخرى من سلبيات موروثة وخارجية، ومن نهب النظام الريعي ونظام الهيمنة العالمي الذي هو السبب الأساس لتخلفنا، والكثير من الفتن بيننا. وتناولت ذلك بتفصيل كبير، تجاوزه كله الأخ الدكتور.

وإن المافيات والميليشيات والسلاح المنفلت ينشر المفاسد، ويقتل يومياً عشرات الأميركيين، ومتهم بجرائم عنصرية ومحاولات انقلابية. فهل سيقول الأخ الدكتور إن الولايات المتحدة دولة مافيوية/ ميليشياوية؟ وهل سيقول الأخ الدكتور عن فرنسا إنها دولة طائفية لأن الكاثوليك يتوارثون قيادة البلاد، ولو بغطاء العلمانية؟

4- الأخ الدكتور يكرر سردية تبسيطية يتبناها من سمَّيتهم «الأشقاء/ الأعداء» أو «أشباه التنويريين» الذين يتبعون المنهج التجريبي Empirical Approach. هؤلاء يغيِّبون الحقيقة الكاملة لغرقهم ببعضها. فيتكلمون عن المكاتب الاقتصادية لقوى يعادونها، ويتناسون أخرى كبيرة يتعاطفون معها. والأهم يهملون الخراب الذي أصاب البلاد، خلال حروب داخلية في الوسط والجنوب وكردستان وبقية البلاد، وإسقاط الجنسية، وتهجير وهجرة الملايين، والمقابر الجماعية، ومئات آلاف الشهداء، و(3) حروب إقليمية، وحصار وعقوبات استمرت (13) عاماً. فهم يتكلمون عن الفلس وينسون الدينار. وينسون الدمار الذي ألحقته «القاعدة» و«داعش» و«بقايا النظام السابق» و«الاحتلال» بالبلاد. ينسون مئات الآلاف الذين قُتلوا وجُرحوا وقُطعت رؤوسهم، ومن دُفنوا أحياء. ينسون القوى الحقيقية التي صمدت وأنهت ذلك كله، وقدمت التضحيات العظيمة لتحقيق النصر على «داعش». فـ«عقدة إيران» والقوى الإسلامية، أقوى لدى فريق «أشباه التنويرين» من أي شيء آخر.

5- أرجو ألا يعتمد الأخ الدكتور على المعلومات الخاطئة والتحريضية المتعلقة باختصاصه كخبير نفطي معروف:

أ‌- يذكر الأخ الدكتور أنَّ مصفى كربلاء الذي كلفته (3) مليارات دولار صُرف عليه (7) مليارات دولار. وهذا خطأ. فالكلفة العقدية الأساسية لمصفى كربلاء (6.6) مليار دولار، وأضيفت إليها لاحقاً (300) مليون دولار، والمشروع نفذته شركة كورية جنوبية من كبريات الشركات العالمية.

ب‌- في الغاز المستورد من إيران يذكر أنَّ سعره (11) دولاراً (للمليون متر وحدة حرارية بريطانية mmbtu) بينما سعر الغاز في دول شرق المتوسط (3- 4) دولارات. ويعلق الأخ الدكتور قائلاً: «يثير هذا الفرق في الأسعار شبهات في صفقات وعمولات بمليارات الدولارات». فأنا لا أدري كيف يثير الأمر شبهات، وأن معظم المبالغ المتراكمة لم تسدد بسبب العقوبات الأميركية؟ ثم إن طرح الأرقام بهذا الشكل لا يعني شيئاً خصوصاً في مجال الغاز الذي تختلف حساباته عن حسابات النفط. فالأسعار في منصات البيع (Hubs) شيء، وأسعار العقود الطويلة الأجل (أو الصفقات المباشرة) وتكاليف النقل والصيانة وما يسمى ((TTF Title Transfer Facility شيء آخر. فلا معنى لذكر (3- 4) دولارات كسعر «شرق أوسطي» ولا (11) دولاراً كسعر الغاز الإيراني، من دون ذكر العقود وتاريخها ومددها ومكان الشراء وطرق النقل والخزن، والمعادلة السعرية مع متغير سعر النفط الخام (برنت)... إلخ. وكمثال، تشير المعلومات الرسمية العراقية إلى أنَّ سعر الغاز الإيراني للعراق في يونيو (حزيران) 2020 كان (4.097005) دولار/MMBtu، وأصبح (8.859942) دولار/ MMBtu في يونيو 2023. والسبب هو التغيرات في أسعار النفط. وستجد في موقع الاتحاد الأوروبي لاستيراد الغاز (EUNGIP) أن سعر استيراده في أوروبا عموماً في يوليو (تموز) 2023 هو (9.545) دولار لكل MMBtu. وهذا أعلى من السعر بين العراق وإيران في التاريخ نفسه تقريباً.

أخي وليد... اطلب المعلومات من أهلها، لا من مصادر غير مسؤولة. عندها ستجد أنَّ العراق حصل على أفضل الشروط وأفضل الأسعار، حسب الزمان والمكان وطرق النقل والخزن... إلخ. أما الشروط فيكفي القول إنَّ على العراق مستحقات (5- 6) سنوات من استهلاك الغاز (وصلت أحياناً 15 مليار دولار) غير مسددة بسبب العقوبات الأميركية، والتي لو كانت مع دولة أخرى لراكمت عليها الفوائد التأخيرية.

أما الأسعار فإليك مقارنة بين المعادلتين السعريتين لإيران وقطر:

1) إيران، حسب ص(23) من العقد: P Gas ($/ MMBtu)=0.1088* Bb ($/bbl) 0.08

(تمثل 0.08 تكاليف الصيانة والنقل... إلخ).

2) قطر، هناك عرضان أمام العراق: الأول يتناول التجهيز من الآن وحتى 2025؛ لأن كل الغاز القطري محجوز. وبالإمكان حجز كميات للعراق من بقية الشركات. باعتماد سعر بورصة كوريا واليابان JKM. والثاني من 2025 لمدة 10 سنوات هو بنسبة من سعر «برنت» وفق المعادلة: $/MMBtu =0.1226* $/bbl المحصلة أن سعر العقد الإيراني هو (-11 في المائة) بقليل من سعر «برنت” لكل MMBtu. بينما الغاز القطري -المعروض على العراق- هو أكثر من (12 في المائة) بقليل من «برنت» لكل MMBtu، من دون ذكر التكاليف الأخرى، ومنها إضافة تكلفة إعادة الغاز الطبيعي المسال إلى الطور الغازي Degasification عبر منظومة عائمة تؤجر أو تشترى لهذا الغرض.

6- لم ينل اهتمامكم ما ذكرته في البحث عن (برنامج المبيعات الأميركي FMS) للسلاح البالغ قيمته (12.2) مليار دولار، للفترة 2016 و2017، وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2018. أي نحو (4) مليارات دولار سنوياً. وهذه ضعف واردات الغاز الإيراني تقريباً حسب الحالات. والعقد الأميركي يتطلب الدفع المسبق، واشتراط إيداع مبالغها في الفيدرالي الأميركي مقدماً، ووفق شروط مجحفة (ذكرت بعضها في البحث).

وفي كل الأحوال أشكركم على التعليق، وأتمنى لكم كل صحة وتوفيق.* رئيس الوزراء العراقي الأسبق