د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الغرف الأربع لنجاة الشركة العائلة

استمع إلى المقالة

أصل الشركات انبثق من فكرة عائلية. ومعظم الأيقونات العالمية البارزة عائلية. غير أن بعض الدراسات يشير إلى أن الجيل الثالث (الأحفاد) قد يبددون أسطورتهم التجارية. ولذلك تم اللجوء إلى «الميثاق العائلي». وقدمت هارفارد فكرة الغرف الأربع؛ وهي قارب النجاة «لبزنس» العائلة، أو بالأحرى ضمان استدامته.

الفكرة باختصار تقوم على أن الأصل ألا يدير «حلاك» أحد أفراد العائلة! فالإدارة التنفيذية للشركات الكبرى يجب أن تكون بمعزل عن مجلس الإدارة. ولا ينضم للمجلس سوى أشخاص أكفاء من أفراد العائلة بشتى أجيالها، إلى جانب الأعضاء المستقلين أو المستشارين الذين يثرونهم. فكرة الفصل انتعشت في السبعينات بأميركا، عندما كانت مجالس الإدارة تتدخل في قرارات إدارية تنفيذية. فكيف يكون رئيس مجلس هو القاضي والحكم ومرتكب الخطأ أو فعل التقاعس نفسه؟

هارفارد ترى أنه لاستدامة الشركات العائلية يجب أن تتخيل نفسها في منزل مكون من أربع غرف فسيحة. الأولى، هي «غرفة المالك» (Owner)، وعادة ما تضم كبار الملاك أو الآباء المؤسسين أو الأشقاء الكبار. فهم من يشكلون مركز القوة والتأثير. ويعتمدون النظم الأساسية، والمعايير، واشتراطات الملكية والتعويضات المالية. كما أنهم مسؤولون عن اختيار أعضاء مجالس الإدارة، بحسب اشتراطات الكفاءة المكتوبة، وذلك لضمان ديمومة الشركة الأم وفروعها. يمكن أن يدخل هذه الغرفة إلى جانب الآباء؛ الجيل الثاني وأصحاب المصلحة. وعادة ما يدير من بهذه الغرفة الجمعية العمومية.

أما «غرفة مجلس الإدارة» فلا يدخلها سوى الأكفاء من أبناء العائلة، بناء على اشتراطات واضحة وصارمة في ميثاق الشركة أو «دستورها» المكتوب. وهذا ما يدفع الأسر لحسن إعداد أبنائها لينالوا شرف الانضمام لأكبر عدد ممكن من مجالس الإدارة ولجانها المنبثقة منها.

وهناك «غرفة الإدارة»؛ لا يدخلها أحد من أبناء العائلة. ولا تجد مسؤولين يحملون اسم العائلة في إدارات الشركة، ولا حتى المدير العام، وذلك منعاً لتعارض المصالح، ونأياً بهم عن الدخول في مواجهات مع أشقائهم أو آبائهم في الغرف الأخرى. وإذا ما تقاعس أحد في الإدارة فإن مصيره قد يكون الاستغناء عن خدماته.

وهناك ركن مهم في ذلك المنزل؛ وهو «غرفة العائلة» وفيها يلم شمل أفراد الأسر. وبها تزرع القيم العائلية والأخلاقية، وينشأ الأبناء عبر تعليم نوعي، ثم يتم توظيفهم في أفضل الشركات العالمية أو الإقليمية، ليمكنهم منافسة أبناء عمومتهم أو إخوانهم في الوصول إلى سُدّة مجالس الإدارة (مطبخ القرارات والخبرات). في هذه الغرفة توجد الزوجات (من أسر أخرى أحياناً) ولهن امتيازاتهن المالية تقديراً لدورهن في دعم أفراد الأسرة.

ليس هناك تداخل اختصاصات بين الغرف. وقد فضل دليل هارفارد للشركات العائلية معلومات أكثر. وقد استمتعت بقراءته فور صدوره عام 2021. وهو عمل يستحق القراءة.

وفي جميع الشركات العائلية العصرية توجد آلية واضحة في ميثاقها لحل النزاعات. إذ تتدخل لجنة توفيقية خارجية لتقريب وجهات النظر. فإن لم تفلح يلجأ للتحكيم ثم القضاء. وبصفتي محكماً تجارياً معتمداً، رأيت ثمرة التحكيم في سرعة الوصول إلى حلول مرضية للطرفين خارج أسوار المحاكم التي تستغرق سنوات عدة، وربما تلطخ سمعة العائلة.

وفي الميثاق نفسه آلية واضحة لتوزيع المكافآت، والامتيازات المالية، والرعاية الصحية، وانتقال الملكيات من جيل إلى جيل (الورثة). منها مثلاً ألا يدخل فرع العائلة إلى الشركة الأم إلا عبر كيان شركة لا يمكن بيعه حصصها أو رهنها. فلا يجوز أن يملك والدهم مباشرة بالشركة الأم، بل عبر كيان تجاري، حتى إذا فارق الحياة حمل الراية خليفته.

ولمن شاء الاضطلاع على إحدى أجمل التجارب العربية فليشاهد «بودكاست سقراط»؛ حيث تحدث فيه عبد العزيز السبيعي عن روعة تنفيذ شركتهم «ماسك» لأفضل الممارسات العالمية لضمان ديمومة شركاتهم، وهي مطابقة لفكرة الغرف الأربع.